تُعقد في أواخر أيار/ مايو المقبل "الانتخابات الرئاسيّة” في "الجمهوريّة" السوريّة، وهي ثاني انتخابات رئاسيّة بعد انتخابات عام 2014، وذلك منذ سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على الحكم سنة 1963، وبعد إلغاء الانتخابات واعتماد "الاستفتاءات الشعبيّة" بدلًا من الانتخابات الرئاسيّة منذ سيطرة عائلة الأسد على سوريا في العام 1970، إذ يُطلب من "الشعب" التصويت بنعم أو لا لحافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار، دون وجود مرشحين آخرين. وكثيرًا ما وُصفت هذه الاستفتاءات بالهزليّة لأن الرئيس حسب الأرقام الرسميّة ينجح بنسبة 99.9% أو بنسبة تشبهها كلّ مرة.
وفي جلسة عقدها مجلس الامن الدولي أمس الأربعاء 28 نيسان/ أبريل، رفضت دول غربية على رأسها المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بمشروعية الانتخابات الروسية المنتظرة، خاصة أن "نتيجتها محسومة مسبقاً" وستجري تحت إشراف النظام السوري وحده من دون مراقبة أو إشراف دولي.
بالتزامن مع أكبر أزمة اقتصاديّة تواجهها سوريا، ستجري "الانتخابات الرئاسيّة" في مناطق سيطرة النظام فحسب.
ديمقراطية "تمثيلية"
تبدو صورة الانتخابات الحاليّة شبيهة بسابقتها، إذ اعتبرتها الطوائف الواسعة والمتباينة للمعارضة السورية "مسرحيّة موجّهة" تستهدف أن يواصل الأسد حكم سوريا لسنوات قادمة، وهو الذي يحكمها منذ العام 2000 خلفًا لوالده حافظ الأسد، حتى إنّ السفيرة الأمريكيّة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد قالت خلال جلسة مجلس الأمن الدولي إنّ "هذه الانتخابات لن تكون لا حرّة ولا نزيهة، ولن تُكسب نظام الأسد أيّ شرعيّة"، كما دعا وزراء خارجيّة الولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسيّة السوريّة، وذلك في بيان مشترك، ورد فيه أنّ "أيّ مسار سياسي يتطلّب مشاركة كلّ السوريين، ولا سيما (أولئك في دول) الشتات والنازحين".
"تبدو صورة الانتخابات الحاليّة شبيهة بالانتخابات السابقة، مسرحيّة موجّهة ليواصل الأسد حكم سوريا سنوات مقبلة"، وهو الذي يحكمها منذ العام 2000 خلفًا لوالده حافظ الأسد.
كذلك رفض كلّ قادة المعارضة السوريّة، بمختلف أطيافها وتوجهاتها، هذه الانتخابات، مشكّكين بشرعيتها، لعدم ارتباطها بمعايير تحفظ استقلاليتها ونزاهتها تحت إشراف الأمم المتحدة، "مما يُنذر بإطالة أمد النزاع في سوريا، باستخدام نفس الأدوات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة".
لكن، تختلف الانتخابات الحالية عن تلك التي سبقتها بأعداد المرشحين الضخمة، فقد بلغ أعداد من قدموا طلبات ترشّحهم إلى رئاسة "الجمهوريّة" واحدًا وخمسين، فيما ترشّح ثلاثة، أحدهم بشار الأسد، في انتخابات سنة 2014.
وفي إطار التشكيك المحلي والإقليمي والدولي بهذه الانتخابات وبنزاهتها وبحريتها، وافق "مجلس الشعب" السوريّ، بالأكثريّة، خلال جلسته الأخيرة على دعوة برلمانات، سماها "برلمانات الدول الشقيقة والصديقة"، من أجل "مواكبة عملية سير انتخاب رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة والاطلاع على مجريات سيرها".
هذه البرلمانات هي برلمانات دول الجزائر وسلطنة عُمان وموريتانيا وروسيا وإيران والصين وفنزويلا وكوبا وبيلاروسيا وجنوب إفريقيا والإكوادور ونيكاراغوا وأرمينيا وبوليفيا، حسب وكالة الأنباء السوريّة الرسميّة (سانا)، وتُعرف كلّ هذه الدول بأنّها حليفة لنظام الأسد وداعمة له، فضلًا عن أن هذه الدول نفسها لا تتمتع بسمعة جيدة في ما يتصل بنزاهة عمليات الانتخاب ويغيب فيها تداول السلطة والديمقراطية، بالإضافة لسمعتها السيئة في مجالي حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية.
وبالتزامن مع أكبر أزمة اقتصاديّة تواجهها سوريا، ستحصل "الانتخابات الرئاسيّة" فقط في مناطق سيطرة النظام، ومن المعروف أنّ سوريا مقسّمة إلى ثلاث مناطق سيطرة، فبالإضافة إلى مناطق سيطرة النظام، فإنّ مجموعات مُعارضة معظمها مدعوم من تركيا تسيطر على مناطق في الشمال السوري، وخاصة في ريفيّ مدينتيّ حلب وإدلب، كما تسيطر قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا.
السنوات الأربعة التي سبقت الانضمام لدولة ناصر عُرفت باسم "ربيع الديمقراطيّة". وخلال تلك السنوات الأربع من دون غيرها في تاريخ سوريا، عاشت البلاد حريّات شخصيّة وعامة وحريّات سياسيّة وانتخابات حرّة ونزيهة.
تاريخ الانتخابات في سوريا
نشأت الدولة السوريّة سنة 1920 بعد تفكّك السلطنة العثمانيّة، وتشكّلت حدودها الحاليّة في ثلاثينيات القرن المنصرم، حين كانت قابعة تحت الانتداب الفرنسي الذي قدّم لواء اسكندرونة إلى تركيا، ونالت سوريا استقلالها سنة 1946، وكان يترأسها آنذاك الزعيم شكري القوتلي.
شهدت سوريا انتخابات برلمانيّة عديدة خلال فترة الانتداب الفرنسي، لكن بعد جلاء القوات الفرنسيّة عاشت سوريا فترة من الانقلابات العسكريّة تخللتها بعض الانتخابات البرلمانيّة. أول هذه الانقلابات حصل بقيادة حسني الزعيم سنة 1949 ثمّ انقلاب سامي الحنّاوي وانقلابا أديب الشيشكلي فالانقلاب العسكري سنة 1954، الذي سلّم السلطة للمدنيين.
عاشت سوريا أربع سنوات، منذ العام 1954 حتى إعلان قيام الجمهوريّة العربيّة المتحدة بالوحدة مع مصر سنة 1958 وتسلّم جمال عبد الناصر رئاسة الدولتين بعد تنازل شكري القوتلي عن كرسي الحكم، السنوات الأربعة التي سبقت الانضمام لدولة ناصر عُرفت باسم "ربيع الديمقراطيّة". وخلال تلك السنوات الأربع من دون غيرها في تاريخ سوريا، عاشت البلاد حريّات شخصيّة وعامة وحريّات سياسيّة وانتخابات حرّة ونزيهة.
حتى إنّ المرة الوحيدة التي تمّ فيها انتقال للسلطة وتغيير رئيس الجمهويّة بشكل سلمي في تاريخ سوريا، كانت سنة 1955، حين انتخب شكري القوتلي خلفًا لهاشم الأتاسي، رئيسًا للجمهوريّة السوريّة.
الصورة التاريخيّة التي تجمع بين هاشم الأتاسي (يمين الصورة) وشكري القوتلي، حين تسلّم القوتلي مهمات رئاسة الجمهوريّة
بعد الانفصال عن مصر، جرت انتخابات سنة 1961 وانتخب ناظم قدسي رئيسًا للجمهوريّة، حتى انقلب حزب البعث بدعم من عسكرييه في الجيش، وتولّوا زمام السلطة حتى انقلاب حافظ الأسد على رفاق دربه سنة 1970، وقد بقيت بعده عائلته في الحكم إلى اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...