"كنت مرهقاً، وظننت أنني اصبت بالأنفلونزا كالعادة. توجهت للعيادة ليخبرني الطبيب بعد فحوص أني مصاب بالإيدز".
يبلغ صاحب العبارة واسمه سامي 33 عاماً من العمر، يعيش في محافظة عدن في بيت يضم والدته وشقيقه.
سامي الذي نقل حكايته تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، هو واحد من 11 شخص في اليمن مصابون بفيروس نقص المناعة المُكتسبة (الإيدز)، وبسبب "ندرة الإمدادات الطبيّة" فإنّهم "يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة"، بحسب التقرير الصادر عن المنظمة التابعة للأمم المتحدة.
يموت اليمنيون بقذائف الحرب ومعاركها. ويموت اليمنيون بنقص الغذاء والماء والموارد الأساسيّة. ويموت اليمنيون بأمراض بعضها اختفى من العالم منذ سنوات طويلة وعاد إلى الظهور في اليمن، وبعضها الآخر يمكن التخلص منه لو وصل العلاج المناسب للمُصاب في الوقت المناسب.
كما ذكر التقرير، المنشور على موقع المنظمة الدوليّة للهجرة، أنّه وبحلول نهاية العام 2020، تمّ تسجيل ما يقرب من 3000 شخص مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية في مواقع العلاج المضاد للفيروسات في محافظات عدن وتعز وحضرموت وصنعاء والحديدة، وأنّ أكثر من 360 شخصًا (أي ما يقارب 20% من المصابين) يحظون بالمتابعة الطبية اللائقة في أحد المواقع المختصة في مدينة عدن.
في سياق مُتصل قال المتحدث الرسمي باسم الأمم المُتحدة، ستيفان دوجاريك، إنّ عدد حالات الإصابة بمرض كوفيد19 في اليمن "تضاعفت" خلال شهر واحد فقط، وقال إنّه جرى توثيق أكثر من خمسة آلاف حالة مصابة بفيروس كورونا منذ بداية الجائحة، ووفاة ما يقارب ألف شخص، ثلثهم قضي منذ منتصف شهر آذار/ مارس الفائت في موجة قوية تضرب البلاد.
وأضاف المتحدث باسم الأمم المُتحدة إنّ اليمن يواجه "استهانة إلى حدّ كبير بعبء المرض الفعلي في البلاد، بسبب محدوديّة القدرة على الاختبار ونقص الإبلاغ، فضلًا عن تحديات الوصول إلى أيّ علاج".
أمراضًا عديدة انتشرت في اليمن خلال سنوات الحرب الأخيرة، وتسبب القصف المتواصل والنزوح في تداعي البنية التحتية الصحية، ما حد من قدرة اليمن على مواجهة انتشار خليط الأمراض وإيجاد العلاجات الفاعلة، مثل أمراض الكوليرا وحمى الضنك (الدنج) والحميات النزفيّة الفيروسيّة، والحصبة والسعال الديكي وشلل الأطفال.
في اليمن تسيطر حكومتان مختلفان، واحدة مدعومة من السعودية، وأخرى مدعومة من إيران، وفي كلّ حكومة منهما وزارة صحة، إلّا أنّ الوزارتين غير قادرتين على تقديم الخدمات الأساسيّة للمواطنين.
العيش على حافة الموت
يقف اليمن اليوم على حافة المجاعة، حسبما أعلنت الأمم المتحدة سابقًا، وذلك بسبب "الحرب الأهليّة المفتوحة" التي تعيشها البلاد منذ العام 2015. أدت هذه الحرب إلى مقتل وجرح الآلاف، وتهجير ونزوح الملايين. كما تمّ استهدف مختلف أطراف النزاع المنشآت المدنيّة بما فيها المنازل والمدارس والمستشفيات والمراكز الطبيّة، فضلًا عن استهداف الشوارع الرئيسيّة والجسور الواصلة بين المناطق المختلفة كاستراتيجيّة حرب، مما أدى إلى صعوبة وصول اليمنيين في الكثير من الحالات إلى الخدمات الطبيّة وأماكن العلاج الباقية.
كلّ ذلك دفع آلاف اليمنيين إلى محاولات الهرب من البلاد رغم صعوبة الجغرافيا اليمنيّة، مات بعضهم في طريق الوصول إلى بر الآمان، وبعضهم الآخر يعاني مرارات اللجوء والسياسات غير العادلة.
في اليمن الذي عصفت به الأوبئة، انهار النظام الصحيّ، وصار معظم اليمنيين يعتمدون على المساعدات الإنسانيّة التي تقدمها منظمات إغاثيّة مختلفة. في هذا اليمن تسيطر حكومتان مختلفان، واحدة مدعومة من المملكة العربيّة السعوديّة، وأخرى مدعومة من إيران، وفي كلّ حكومة منهما وزارة صحة، إلّا أنّ الوزارتين غير قادرتين على تقديم الخدمات الأساسيّة للمواطنين ولا حتى تقديم بيانات واضحة ومعلومات عن أعداد المصابين بفيروس كورونا مثلًا.
انتشر الموت في اليمن، كما انتشرت الأمراض لأسباب تكاد تكون سورياليّة، فينتشر مرض الكوليرا في العاصمة صنعاء بسبب بيع مياه ملوّثة في عبوات بلاستيكيّة تمّ جمعها من النفايات أو تخلى أطباء عن علاج طفلة مصابة بالربو بسبب اعتقادهم بإصابتها بفيروس كورونا.
لا جسور نحو النجاة
في ظل انتشار موجة جديدة من فيروس كورونا في اليمن، أعلنت الأمم المتحدة قبل حوالي أسبوعين عن وصول الدفعة الأولى من لقاح كورونا إلى البلاد، حيث وصلت جرعات بلغ عددها 360 ألف جرعة، إضافة إلى 13 ألف صندوق أمان ومليون و300 ألف حقنة "لبدء حملة التلقيح بشكل آمن وفعّال". وذلك جزء من 1.9 مليون جرعة سيتلقاها اليمن مبدئيًا طوال العام 2021.
لكن يبقى السؤال الأساسي هو قدرة المواطنين في الوصول إلى هذه الخدمات الطبيّة والمراكز الصحيّة المختلفة التي ستقدم خدمات التلقيح في ظل تجدد القتال وغياب اتفاقيات واضحة بين الأطراف المتنازعة، وعدم فاعليّة القانون الدولي الإنساني.
خاصة وأن استهداف المنشآت الطبيّة والمراكز الصحيّة في اليمن يعتبر أحد استراتيجيات الحرب المتبعة منذ بداية النزاع. فتعرّضت المستشفيات للهجوم بالغارات الجويّة والقصف المدفعي، وتعرّض العاملون في المجال الطبي إلى الخطف والقتل، وتمّ الاستيلاء على المنشآت الطبيّة لاستخدامها كمراكز عسكريّة.
في نهاية العام 2019، أنشأ الأرشيف اليمني قاعدة بيانات توثّق استهداف المنشآت الطبيّة والمراكز الطبيّة في اليمن بدءًا شهر نيسان/ أبريل من العام 2014. وقام بتوثيق 133 حادث استهداف للمنشآت الطبيّة، تتضمن "الانتهاكات المُرتكبة ضدّ المنشآت الطبية و/ أو العاملين في المجال الطبي، والذين يتمتعون وعلى وجه التحديد بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي".
يموت اليمنيون بقذائف الحرب ومعاركها. ويموت اليمنيون بنقص الغذاء والماء والموارد الأساسيّة. ويموت اليمنيون بأمراض بعضها اختفى من مناطق واسعة من العالم منذ سنوات طويلة وعاد إلى الظهور في اليمن، وبعضها الآخر يمكن التخلص منه لو وصل العلاج المناسب للمُصاب في الوقت المناسب. يموت اليمنيون بمئات الطرق في "مأساة تفوق الخيال" حسب تعبير وزير الخارجيّة الألماني، هايكو هاس، الذي قال في "مؤتمر المانحين لإنقاذ اليمن من المجاعة" الذي عقد قبل أسابيع: "إنّ محنة الشعب في اليمن من صنع الإنسان، وإنّ الأمل في التحسّن الحقيقي موجود إذا تمكّنا في النهاية من وقف القتال".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...