شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"جوعى ومرضى"... عن أشياء "عادية" تحدث لـ"الطبقة الوسطى" في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 28 يونيو 202003:45 م

يقضي مراد وقته باللعب مع طفلتيه، وتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي تارة، والتواصل مع أصدقائه من مهندسي الهواتف، للبحث عن عمل يتمكّن من خلاله الحصول على لقمة العيش، وتأمين إيجار المنزل الواقع في العاصمة صنعاء.

مراد القباطي (31 عاماً)، مهندس هواتف محمولة، كان يعمل بالأجر اليومي في صيانة الهواتف الأمريكية المستخدمة، يعمل في هذه المهنة منذ سبعة أعوام، لكنه بات اليوم عاطلاً عن العمل، بعد أن أجبره وباء كورونا على قضاء جلّ وقته في منزله.

يخرج مراد كل يوم إلى محلات الهواتف المحمولة في صنعاء لعله يجد عملاً معهم، خاصة عندما يجد بعض الجوالات التي جلبها الزبائن لإصلاح أعطال فيها، وغالبا ما يعود فارغ اليدين.

يأخذ مراد في طريق عودته ما تيسر له من أوراق القات، يمضغها للقضاء على ملل البقاء في المنزل خلال عطلته التي لا يعلم نهايتها.

"الحياة لم تغلق أبوابها"

بشير الحزمي، ذو الأربعين عاماً، يعمل طباخاً منذ خمسة عشر عاماً في العاصمة صنعاء، لديه ثمانية أطفال يسكن معهم في منزل بالإيجار في صنعاء.

مع تفشي وباء كورونا غادر بشير عمله في مايو الماضي، فصاحب المطعم سرح الكثير من عماله بعد تفشي الوباء، وتراجع الدخل بنسبة تصل إلى 50%، بحسب حديث بشير لرصيف22.

عندما بدأت بالتحدث معه حول تأثير كورونا على العمال والوضع الاقتصادي، تساءل بشير بتفاؤل كبير: هل هناك منظمة ستقدم لنا المساعدة؟ فأنا لدي أطفال وإذا جلست في المنزل من سيوفر لنا الطعام؟

"أجمع الريال فوق الريال، وأربط على بطني حتى أتمكن من سداد الإيجار، فإذا جاءت نهاية الشهر ولم أسدد ما علي، سوف ينزل علينا مالك المنزل بالشتائم والإهانات، يهددنا بالطرد بين الحين والآخر"

وعندما أخبرتُه أنني صحفي، أخفض رأسه لبرهة من الزمن متحسراً، وأصر على تقديم الشاي لنا، وبدأ يعرض علينا أعماله في طباخة الطعام وصناعة الحلويات، ويسرد لنا أسماء المطاعم التي عمل بها.

"كنت أخطط أن أوفر المال خلال هذا العام من راتبي، لأتمكن من شراء قطعة أرض وأبني منزلاً، حتى أزيل عن ظهري هم الإيجار الذي أدفعه كل شهر، لكن كورونا غير خططنا"، يقول بشير.

يبحث بشير عن عملٍ آخر بشكل يومي، يقول: "الحياة لم تغلق أبوابها، والرزق بيد الله".

"الجوع أسوأ من كورونا"

مهن كثيرة، إن لم تكن كلها، تأثرت بسبب تفشي وباء كورونا، وفقد آلاف العاملين أشغالهم، الأمر الذي سوف يزيد من نسبة البطالة بعد أن وصلت إلى 80% بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ العام 2015، وعدم تسليم نحو مليوني موظف مرتباتهم.

ويجلس على رصيف البطالة في اليمن 80%‎‎ بنحو 13 مليون عامل، بعد أن فقدوا وظائفهم وأعمالهم بسبب الحرب، 30% منهم من الموظفين الحكوميين الذين لم يتسلموا مرتباتهم منذ نحو ثلاث سنوات.

محمد الشرعبي (31 عاماً)، واحد من آلاف اليمنيين الذين شردتهم الحرب من محافظة تعز، جنوب غرب البلاد، نازحاً إلى صنعاء، تمكّن من تأمين منزل صغير جداً بالإيجار حتى يستقر فيه هو وأسرته.

لا يستطع محمد البقاء في منزله ولو ليوم واحد، فليس لديه ما يسد رمق أطفاله الصغار، فيخرج يومياً للبحث عن أي عمل يستطيع من خلاله أن يوفر لأسرته ولو رغيف خبز، الذي بات الحصول عليه أمراً شاقاً لدى كثير من اليمنيين في ظل ظروف الحرب.

"سنموت من الجوع".

يقول محمد لرصيف22: "لدي خمسة أطفال لن يجدوا ما يأكلون إن لم أخرج للعمل، وإن قررت الاعتزال في البيت من سيقدم لنا الطعام، سنموت من الجوع".

وبحسرة كبيرة بدت على وجهه الحزين، اعتبر محمد: "الجوع أسوأ من كورونا، فهو يقتلنا كل يوم، فكثير من الأيام لا نجد أي عمل، وعندما لا نجد عملاً نبقى بلا طعام، وخصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة".

يتجول محمد في السوق في الصباح الباكر، باحثاً عن أي عمل يمكن أن يوفر له المال، غير آبه بتحذيرات السلطات من تفشي وباء كورونا: "عندما تقرر السلطة أن تعزلنا في منازلنا هل تستطيع إطعامنا، في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد؟"، يتساءل الشرعبي في ختام حديثه.

شاي وخبز مقلي بالزيت

كانت محصنة عبدالله تعمل في المنازل حتى تحصل على الطعام لأطفالها، وتوفر إيجار منزلها الذي يصل الى ثلاثين ألف ريال يمني (50 دولار)، فهي تعتمد على المعونات والمساعدات التي تقدمها المنظمات الأممية من جهة، وما يقدمه فاعلو الخير من جهة أخرى.

لا راتب لديها الآن، لا زوج يعمل ولا تملك شيئاً، معيشتها بسيطة، تتغذّى هي وأطفالها غالباً على الخبز المقلي بالزيت والشاي، أنحلها الجوع، وهدّ كيانها المرض، ويهدد حياتها وأطفالها وباء كورونا.

ترفع كفيها إلى السماء، وتدعو ربها أن يفك كربتها في إيجاد منزل آخر، فالمنزل الذي تسكنه يقع بجانب برميل النفايات، وذلك ما يعرضها للإصابة بالأمراض.

تشكو محصنة، التي فارقت زوجها منذ عشر سنوات، حالتها المعيشية، قائلة: "أجمع الريال فوق الريال، وأربط على بطني حتى أتمكن من سداد الإيجار، فإذا جاءت نهاية الشهر ولم أسدد ما علي، سوف ينزل علينا مالك المنزل بالشتائم والإهانات، يهددنا بالطرد بين الحين والآخر".

تغرق عيناها بالدموع، وهي تناجي ربها بعد أن خذلها المجتمع والمنظمات، تقول لرصيف22: "الله يفرج كربته من يفرج كربتي ويتكفل بأطفالي، وأدعو الله أن يبقيني على قيد الحياة حتى أظل أحميهم وأحفظهم من الضياع والتشرد".

"حتى المساعدات التي كانت المنظمات تقدمها انقطعت".

تقارن محصنة بين السنوات الاخيرة والآن في ظل كورونا، تقول: "كنتُ أعمل في المنازل، وكانت النساء تعطيني الطعام والملابس، وكان فاعلو الخير يجودون علي والمنظمات تقدم المساعدات، أما الآن فالذين كانوا يساعدوننا توقفوا، حتى المساعدات التي كانت المنظمات تقدمها انقطعت، لم يعد لنا إلا الله".

منذ بداية انتشار كورونا في اليمن ارتفع إجمالي حالات الإصابة في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة هادي إلى 1103 حالة إصابة بينها 296 حالة وفاة، و417 حالة تعاف، ولا تشمل هذه الاحصائيات مناطق سيطرة الحوثيين التي لم تفصح عن أعداد الإصابات والوفيات في مناطق سيطرتها.

ولكن عدد حالات الوفاة والإصابة بالوباء بالآلاف، بحسب مصادر غير رسمية، وقد أعلنت الأمم المتحدة أنّ معدل وفيات فيروس كورونا في اليمن، أعلى بأربع مرات من المتوسط العالمي.

"المردود المادي قليل"

يعمل طه الوصابي في بسطة صغيرة لبيع الملابس الرجالية الداخلية، في شارع بغداد في صنعاء.

طه مضطر للعمل، سواء في ظل الحرب أو في زمن كورونا، فهو لديه أسرة في قريته الريفية الواقعة في منطقة وصاب في محافظة ذمار، وسط البلاد، وتنتظر منه نهاية كل شهر أن يرسل لها المال لشراء الاحتياجات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، من قمح وأرز وزيت والعديد من الأشياء الأخرى.

وفي ظل الدعوات المحلية والدولية للالتزام بالإجراءات الاحترازية للحد من تفشي الفيروس، اتخذ طه هو الآخر إجراءاته حتى لا يصاب بالوباء، بشراء علبة معقم وكمامة، وأيضاً قفازين طبيين حتى لا ينتقل إليه الفيروس من زبائنه.

"المردود المادي قليل جداً، بالكاد يكفي لشراء المصروفات الضرورية للأسرة، وإذا ما قررت العودة إلى قريتي الريفية سأحتاج على الأقل إلى ثلاثين ألف ريال يمني (50 دولار)، لإيجار مركبات النقل، وهو مبلغ كبير بالنسبة لي، سأعمل لعدة أيام حتى أتمكن من جمعه، وفي القرية لن أجد أي عمل"، بحسب حديث طه لرصيف22.

يعيل طه أسرة مكونة من ثمانية أشخاص، يحتاجون إلى الغذاء والدواء، كما يحتاج هو إلى المال لدفع إيجار الغرفة التي يقطنها بصنعاء، وأيضاً لتوفير الطعام والشراب.

ورغم حالة الهلع التي ضربت السكان بعد إعلان تفشي الوباء في البلاد، يُصرّ طه على البقاء في الشارع والعمل في بسطته الصغيرة، وحتى وإن تراجع المدخول خلال الأسابيع الأخيرة، فهو واقع بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الموت جوعاً أو التعرض لمخاطر الإصابة بالفيروس الخبيث.

وأغلقت العديد من المؤسسات والمحلات التجارية أبوابها، ناهيك عن تراجع الحركة التجارية، بسبب المخاوف من تفشي فيروس كورونا، ما يهدد حياة آلاف الجوعى في اليمن.

"السلطات اليمنية في الشمال والجنوب لن تستطيع توفير الحد الأدنى من المساعدات للسكان في ظل الصراعات والحرب، فمن لم يمت بكورونا سيموت من الجوع"

وبحسب الأمم المتحدة فإن 80%‎‎ من السكان البالغ تعدادهم نحو ثلاثين مليون نسمة، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والإغاثية للبقاء على قيد الحياة.

وتؤكد المنظمة الدولية أن عشرة ملايين شخص في اليمن على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وسبعة ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، بالإضافة إلى أن نحو 12 مليون شخص تقدم لهم المساعدات شهرياً، وعلى الرغم من ذلك فإن نحو 16 مليون ينامون جوعى في البلاد.

وبحسب الناشط عبدالرقيب القادري، رئيس منظمة سلام ماليزيا في اليمن، فإن الوباء إذا انتشر في اليمن بشكل كبير فسوف يتسبب بكارثة إنسانية فظيعة، سيفتك بالكثير من السكان الذين يفتقرون إلى الغذاء والدواء.

وأكد القادري لرصيف22 أن المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية لا تصل إلى كل الفقراء، وأيضاً لا تعتبر صحية بالدرجة الأولى.

ويلفت القادري إلى أن الملايين من السكان بالكاد يحصلون على قوت يومهم، في ظل انقطاع المرتبات وارتفاع الأسعار، لافتاً الى عجز المنظمات الدولية عن تقدم المساعدات، بعد عجز المانحين عن الإيفاء بالتزاماتهم المالية.

ويختم القادري حديثه محذراً من أن "السلطات اليمنية في الشمال والجنوب لن تستطيع توفير الحد الأدنى من المساعدات للسكان في ظل الصراعات والحرب، فمن لم يمت بكورونا سيموت من الجوع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image