شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مولانا البوّاب: صديقتك ممنوعة من زيارتك

مولانا البوّاب: صديقتك ممنوعة من زيارتك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات الشخصية

السبت 7 أكتوبر 201712:54 م

ذات يوم اتصل صديق يطلب المساعدة، فقد سمع طرقاً عنيفاً على باب شقة صديقته التي كان في زيارتها، وبدا وكأن الطارق على وشك انتزاع الباب من مكانه، كما حكى. يضيف أنه نظر من العين السحرية ليجد ثلاثة رجال، عرفت الصديقة منهم بواب العقار الذي تسكنه، وخمّنت أنه علم بوجود صديقها لديها، فجاء ليمسكها بالجرم المشهود. تأكدت من نيّة البواب حين سمعته يهمس لإحدى جاراتها بالأمر، ومن حسن حظها أن الأمر انتهى، وخرج الصديق بدون ملاحظة البواب أو أي من الجيران. فما الذي دفع البواب إلى التدخل في أمر لا يعنيه؟ ولماذا أقدم على خرق القانون بالتهجم على أملاك الغير؟ ليست هذه الحادث سوى واحد من مئات حوادث انتهاك الخصوصية التي قد يقوم بها البوابون والجيران في مصر. فأنت لست حراً في سكنك لاستضافة من تشاء، بل يجب أن تلتزم بالعرف الاجتماعي الذي لا يختلف عن رؤية أي متطرف للحريات. ويحفل العرف بمحاذير عديدة في السكن، ويقوم على تنفيذ هذا العرف البوابُ الذي يتعدى دوره الحراسة إلى صون الأخلاق الاجتماعية، وتمكنه غرفته التي تقع في مداخل البنايات من مراقبة صعود ونزول السكان وضيوفهم. وعند إيجار سكن كثيراً ما يرافق البوابُ المالكَ، أو قد يقوم البواب بوساطة في تأجير المسكن، ويشرف علي تطبيق المحاذير الاجتماعية التي لا تسمح بالسكن المشترك بين الجنسين إلا في إطار الزواج الرسمي، أو السكن العائلي، وقلما يوجد سكن مشترك. ولا ينتهي دور البواب عند هذا الحد، بل يبدأ مهمة مراقبة السكان خصوصاً المستأجرين منهم والعازبين، وبالأخص مراقبة العازبات.

قد يتعدى دور البوابين الحراسة إلى صون الأخلاق الاجتماعية... ومراقبة من يسكن معك أو يزور مسكنك
من غرفته في أسفل المبنى يراقب البواب كل شيء... وتبدأ المشاكل حين ينصّب نفسه راع للأخلاق
تروي د.م كيف أن البوابين يثيرون الشائعات عن النساء المستأجرات، ويتكهنون حول علاقاتهن وأسرهن. حاولت زوجة البواب مثلاً التعرف عليها للتفتيش في حياتها الشخصية. وغالباً ما يقيم البواب وأسرته الكثيرة العدد معاً، مما يجعل مراقبة السكان ممكنة على مدار اليوم، إذ تقوم الزوجة بالانتباه لشؤون العقار حال غياب الزوج. ويرفض العديد من البوابين سكن الإناث بمفردهن، فمن بين عشرات الشقق يوجد قليل منها متاح للنساء العازبات، وأكثر قليلاً للرجال العازبين. تتحدث د. م عن مدى معاناتها في البحث عن سكن حين قررت الاستقلال عن أسرتها، فقد رفض البوابون الذين يتولون مسؤولية تأجير الشقق تأجيرها سكناً حين علموا أنها بمفردها بدون زوج. وتضيف أنها لم تكن تستطيع ادعاء زواجها إذ كان يشترط وجود الزوج لكتابة العقد باسمه، مشيرة إلى أن البوابين يقومون بنقل الأخبار لبقية السكان والملاك. والحال مع الرجال ليس أيسر، فيكون من الصعب أن يصطحب الشاب صديقته لسكنه، أو حتى مجموعة من الأصدقاء من الجنسين، وقد يقوم البواب مستعيناً بالسكان بمنع أي زيارة من هذا النوع. ورؤية فتاة تصعد إلى شقة رجل يثير تخيل ممارسة الجنس والفجور.

تقول إ . محمد إن أحد أصدقائها أصابه مرض شديد، وكان يقيم في سكن مستقل عن أسرته التي تسكن خارج القاهرة، وحين ذهبت لزيارته هي وبعض أصدقائه بدأ البواب في التضييق والهمز واللمز عليهم بدون أن يتفهم الموقف. أثار البواب مشاكل عديدة في كل مرة كانت تأتي صديقة لترعى شؤون المريض، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استعان ببعض الجيران ومنع صعود الفتيات ذات مرة، وكان لا بد أن يمنحه أحد الأصدقاء بعض المال ليكف عن افتعال المشاكل، وهو ما حدث، بل إنه بعد ذلك أصبح يرحب بالزائرات.

موقف مشابه يرويه أ. ف: "كنت اسكن شقة مشتركة مع عدد من الأصدقاء، وأصبت في بعض الفترات بمشاكل صحية، واستلزم العلاج راحة في البيت، وتناول طعام منزلي، وهو أمر لم يكن ميسراً، ورغم ذلك لم تتمكن صديقتي من زيارتي للاطمئنان علي، والاهتمام بإعداد الطعام المناسب، إذ خشيت عليها من الطرد، فكنت أعلم يقنياً أن البواب والجيران لن يسمحوا لها بالصعود، وقد يثيرون جلبة ويقومون باستدعاء المالك، مما دفعني لإيثار السلامة ورفض زيارتها برغم حاجتي الشديدة لها". ويروي أحمد ع. معاناته هو وصديقته في الحصول على مكان خاص بهما عند سفرهما، إذ تمنع الفنادق نزول غير المتزوجين في غرفة واحدة، مما دفعه هو وأصدقاءه لمضاعفة بدل الإيجار في إحدى القرى السياحية للسماح للفتيات والشبان بالسكن معاً. ولكن حين ذهبوا للشاليه رفض البواب والسمسار إدخالهم المكان، وهدداهم باستدعاء شرطة السياحة كما روى أحمد. ورغم أن القانون لا يمنع السكن أو اللقاء المشترك، ولا يمنع ممارسة الجنس إلا بمقابل مادي، فإن الشرطة لا تلتزم بالقانون، بل تطبق العرف وتتحول إلى أداة للتضييق على حرية الفرد. وقد تلجأ الشرطة إلى التشهير بالفتيات بإبلاغ أقاربهن، أو بالتهديد بتلفيق التهم، أو بعدم التدخل لحماية المستأجرين من الأذى البدني الذي يمارسه السكان ضدهم، مما يجعل اللجوء للقانون بلا طائل، فتضيع حقوق الفرد المادية والمعنوية. وتنبع السلطة التي يمارسها البواب في الفصل بين الجنسين من التأييد الاجتماعي للرقابة على الحياة الجنسية. فالطريق الوحيد المقبول للجنس في مصر يجب أن يكون بعد الزواج، وأول لمسة يد، أو قبلة، أو معانقة ستكون في الليلة الأولى للزفاف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image