لم يكن إختيار فتحي عبد الباسط (60 عاماً) ولا أسرته الصغيرة أن تكون حياتهم على أحد الأرصفة بمحافظة القاهرة.
أسرة عبد الباسط مكونة منه ومن زوجته وفتاة عمرها 16 عاماً، وطفل لم يتجاوز التاسعة، أما منزلهم فهو عبارة عن فرشة يبيعون عليها بعض ألعاب الأطفال بجوار مسجد السيدة زينب بالقاهرة، وغطائين يفرشون واحداً منهما على الرصيف أسفل الفرشة ويضعون فوقهم الغطاء الآخر حينما يحين وقت النوم.
لا يوجد للأسرة الصغيرة مأوى ولا وحدة سكنية خاصة، فالرصيف هو الوسيلة لتوفير الرزق من خلال بيع بعض ألعاب الأطفال المتهالكة بأسعار زهيدة جداً للمارّة، وهو أيضاً وسيلة لإيجاد مكان يضعون فيه جنوبهم في نهاية الليل حتى يناموا ساعات قليلة قبل أن يحلّ يوم جديد.
أسرة عبد الباسط هى واحدة من أسر كثيرة، لا يوجد إحصائية بعدد أفرادها على وجه التحديد، يعيشون في شوارع القاهرة، على أرصفتها وتحت جسورها ينامون ويصحون ويحاولون كسب أرزاقهم.
أزمة سكن
تتفاقم أزمة السكن الشوارع في مصر مع ارتفاع تعداد السكان وتدهور الوضع الاقتصادي وغياب حلول جذرية لهذه المشاكل. فهناك من يسكن في الشارع تحت ظل علبة أو صفائح تنكية، وهناك من اتخذ من القبور منزلاً. فقد ذكرت مواقع مصرية، من الصعب التأكد من دقتها، أن حوالي 3 ملايين مصري ليس لديهم مأوى، يسكنون الشوارع، بحسب إحصائية المركز المصرى للحق فى السكن. فيما يعيش حوالي 15 مليوناً في المساكن العشوائية، التي بنيت خارج مخططات المدن. وقد وصل عدد أطفال الشوارع المشردين والذين بلا أهل عام 2014، مليوني طفل بحسب المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. فكيف يعيش سكان الشوارع؟ أين يأكلون؟ كيف ينامون؟ سنقترب أكثر من حياتهم.لا دخل ولا مأوى
ترى زوجة عبدالباسط إلهام جمال (45 عاماً) أن حياتهم وصلت إلى هذا الحال، بسبب التغيرات الصحية التي طرأت على الزوج، فهم كانوا يسكنون في منزل بعقد إيجار جديد يبلغ نحو خمسمئة جنيه شهرياً (25 دولاراً تقريباً). لكن زوجها لم يكن له دخل ثابت، فقد كان عاملاً في البناء، ورزقه متغيراً بشكل يومي، لكن بعدما ظهرت لديه بعض الأمراض، التي غيرت إلى حد كبير مقدرته الجسدية، وقللت من قدرته على العمل، أصبح توفير الإيجار الشهري شيئاً يفوق مقدرته، وهذا ما دفع صاحب العقار لطردهم خارج شقته. وهذا ما دفع عبد الباسط إلى الاستدانة من معارفه لكي يشتري فرشة صغيرة يضع عليها بعض البضائع بجوار مسجد السيدة زينب، وطلب من زوجته وابنته أن تقيما لدى أخت زوجته وأسرتها، إلى أن يتمكن من العمل وجمع بعض المال ليوفر لهما مسكناً آخر، وظل هو والطفل يعملان وينامان على الرصيف بجوار الفرشة. يقول عبد الباسط أن الرياح أتت له بما لا تشتهي السفن، فقد صدمته سيارة أثناء عبوره الشارع أمام الرصيف الذي يعيش ويعمل فيه، أثناء محاولاته شراء بعض احتياجات طفله، ليصبح من بعدها عبد الباسط أسير كرسيه المتحرك. فقد تأثرت رجلاه بالحادث تأثراً بالغاً، إذ ذاك أدركت الأسرة أن الرصيف أصبح مستقرها الدائم. تمضي إلهام وابنتها يومهما في الشارع، ثم تلجآن لمنزل شقيقتها في وقت متأخر من الليل، طلباً لبعض ساعات من النوم، أو الاستحمام، ثم تنصرفان للرصيف بجوار الزوج والابن لتمضية اليوم، ومراعاة الزوج الذي أصبح يحتاج للعلاج أكثر من احتياج الأسرة للمطعم، وقد أصبح جزء كبير من دخلها منصرفاً لعلاجه فقط. يتدخل أحمد، (9 سنوات) ابنهما، قائلاً بكلمات طفولية ملعثمة "أنا مابقدرش أسيب بابا بعد ما بقى قاعد على الكرسي.. لكن أنا كمان عاوز أروح المدرسة." تكاد تبكي إلهام وهى توافق على كلام ابنها، وأكثر ما يفطر قلبها هو أن تجد ابنتها مأوى لأنها لم تعد صغيرة، وأن يجد ابنها وسيلة لإكمال تعليمه لأنه يرغب فيه.مشروعات الإسكان
لا يستطيع عبدالباسط أن يوفر آلاف الجنيهات التي تطلبها الدولة من محدودي الدخل للاستفادة المشروعات الاسكانية الجديدة والتي توفر لهم موحدات سكنية. حيث يبلغ مقدم الشقة ما يتجاوز الـ50 ألف جنيهاً (ما يقارب الـ3 آلاف دولار) مقسمة على نحو أربع دفعات، ثم يليها أقساط شهرية تتجاوز الـ500 جنيه وربما تصل لألف جنيه (من 30 إلى 50 دولار) شهرياً لمدة عشر سنوات كحد أدنى. وفي شهر مارس الماضي كشفت الدكتورة مى عبدالحميد، رئيسة صندوقي التمويل العقاري والإسكان الاجتماعي، لجريدة المصري اليوم المحلية، أنه سيتم رفع الأسعار الحالية للوحدات السكنية بواقع 5%، وهى تكلفة "تعويم الجنيه".خيمة بجوار نصبة الشاي.
تعيش أسرة طارق مصطفى (42 عاماً) على الرصيف بجوار فرشة لصنع الشاي والقهوة للمارّة، بصحبة زوجته وابنته التي لا تغادر كرسيها المتحرك بسبب إعاقة ذهنية وحركية. يقول مصطفى: "إحنا اتبهدلنا كتير أوي.. أنا معايا مؤهل عالي.. خريج كلية آداب، وسافرت أكتر من بلد بره عشان أشتغل، رجعت بفلوس فتحت بيها محل أدوات صحية، اتخرب بيتي واتقفل المحل بعد الاضطرابات التي حدثت في سوق النحاس من زيادة ونقصان، أثرت على تجارتي وخسرتني كل رأس مالي." انتقل بصحبة زوجته وابنته بين نحو عشر شقق سكنية، في محافظتي القاهرة والاسكندرية، مطبق عليها جميعاً قانون الإيجار الجديد، المحدد بمدة زمنية، والذي تزداد قيمة الإيجار فيه بنسبة ترتفع دورياً. يحرص مصطفى على أن يُغطي وجه ابنته وكامل جسدها على الكرسي بشال رقيق، حتى لا تؤذيها نظرات الشفقة حينًا والتقزز، الذي يعبر عنه بعض المارة باستدارة وجوههم حينما تقع نظراتهم على الطفلة التي لم يتجاوز عمرها السنوات العشر. استطاع مصطفى أن يؤسس إلى جوار نصبة الشاي والقهوة، خيمة صغيرة من القماش، توفر لابنته وزوجته ستاراً أثناء نومهما. في بداية كل يوم، تخرج زوجته منى كامل (25 عاماً) من الخيمة بنقابها، الذي حرصت أن ترتديه لوجودها في الشارع طوال الوقت، وتساعد زوجها في تجهيز الشاي والقهوة للمارة، أو للعناية بطفلتها، ومحاولة إطعامها أو إعطائها أحد أدويتها المتعددة. حاول مصطفى أن يتعلم قيادة السيارات حتى يجد لنفسه فرصة عمل يؤمن بها احتياجات أسرته، لكن الدخل بقي قليلًا جداً وغير كافٍ لتوفير شيء. كل ما يعاني منه طارق هو أن زوجته وابنته ليس لهما مأوى ولا مكان تلوذان به سوى الرصيف، وتماليف علاج ابنته التي تحتاج الكثير من الأدوية والجلسات الكهربائية ونظاماً غذائياً خاصاً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...