شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عندما شجّعت أمي الأرملة على الحب والجنس

عندما شجّعت أمي الأرملة على الحب والجنس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 9 فبراير 202112:59 م

يُقال عنها "الغريزة الأساسية"، وقد أصبحت متيقنة من ذلك بعد أن وصلت لسن الخامسة والثلاثين، وبعد عملي ما يقرب من ست سنوات في مجال الثقافة الجنسية. 

وعندما أدركت هذا الأمر للمرة الأولى، فهمت الكثير من الألغاز عن تصرفات من حولي والمقربين مني، لم أكن أفهمها من قبل. ليس سيراً على درب فرويد، ولكن أيضاً ليس تصديقاً لمشجعي كبت الرغبة الجنسية. سأحكي لكم كيف يمكن للجنس أن يغير حياة شخص كبير السن تغييراً شاملاً.

كنت طفلة شديدة الحساسية، تسعى للهدوء والسلام، وكانت عصبية أمي وحدّتها يمكن أن تُدرّسا في مدارس الإرهاب النفسي، وتلك المشكلة وقفت عقبة في طريق توازن علاقتنا، واحتاج مني الأمر سنوات طويلة لأدرك ما مرت به أمي ومازالت، حتى تكون أعصابها على حافة الهاوية طوال الوقت.

آباؤنا من الجيل الذي تربى على ثقافة جنسية بعينها، خاصة النساء منهن، وأمي واحدة من هذا الجيل، مثلها مثل سيدات كثيرات، لا تعترف باحتياجاتها الجنسية، ولا تضعها في جدول أعمال حياتها، ولا تتحدث عنها من الأساس.

إذا كانت سيدة من هذا الجيل لا تشعر بالسعادة الجنسية مع زوجها لن تتحدث، وفكرة أن يتواجد توافق جنسي بين الاثنين لم تكن على قائمة اهتمامات هذا الجيل، طالما "الدنيا ماشية عشان العيال"، ثم يأتي هؤلاء "العيال" عندما يكبرون، نسبة كبيرة منهم تنكر حقوق الوالدين في ممارسة الجنس والشعور بالمتعة، مهما كان السن الذي وصلا إليه.

فتجد شاباً يرفض أن تتزوج والدته بعد وفاة أبيه، ورجلاً يُتهم بالخيانة إذا استبدل زوجته المتوفاة بأخرى، وأصابع الاتهام الأولى تأتي من أبنائهم. على عكس هؤلاء، قررت أن أختار طريقاً مختلفاً عندما توفي أبي وأمي لازالت في سن صغير، على عكس أخي الذي ترك المنزل لأمي، عندما أخبرته عن رغبتها للمرة الأولى في الزواج من جديد، حين كان عمرها لم يتعد الخمسين عاماً.

وقتها، ولعلمي أن أخي وأنا من أهم الأسباب التي جعلت أمي تستمر في علاقة زواج، يجمعها الحب وينقصها التوافق الجنسي، جعلني أشعر بالظلم الذي يأتي من موقف أخي تجاهها، ومن وقتها أخذت عهداً على نفسي أن أكون المسؤولة عن سعادة أمي وأدعمها في قرارتها العاطفية. لم ينجح ذلك الزواج، ليس بسببي أو بسبب أخي، وعاشت أمي عشر سنوات من الاكتئاب. 

عادة ما ننظر لكبار السن على أنهم غير مؤهلين لممارسة الجنس، ودائماً ما نمزح عن كون تخيل آبائنا يمارسون الجنس أمراً محرجاً، بل وأحياناً مقززاً، وكأن الجنس لم يكن السبب الرئيسي في تواجدنا بحياتهم. معظم الشباب يسحبون هذا الحق من تحت أقدام آبائهم، ناظرين إليهم أنهم خلقوا لرعايتهم وتكريس طاقتهم لسعادة الأبناء فقط.

عادة ما ننظر لكبار السن على أنهم غير مؤهلين لممارسة الجنس، ودائماً ما نمزح عن كون تخيل آبائنا يمارسون الجنس أمراً محرجاً، بل وأحياناً مقززاً، وكأن الجنس لم يكن السبب الرئيسي في تواجدنا بحياتهم

ما لا يعرفه الكثيرون أن كبار السن قد يكونون في حاجة أمس لممارسة الجنس أكثر من الشباب في هذا السن، عندما يشعر الواحد منهم أن حياته أوشكت على الانتهاء، عندما تبدأ هرمونات وكيمياء جسدهم في أخذ منعطف مغاير لما عاشوه طوال حياتهم، ويصيبهم الاكتئاب والشعور بالملل والسأم الدائم، وقد يصل ذلك الإحساس لدى البعض إلى الشعور باللاجدوى من الحياة، سواء كانوا زوجين يعيشان سوية، وذهبت حياتهم الجنسية أدراج الرياح، أو أرمل/أرملة ينام/تنام في فراش بارد لسنوات طويلة.

من وجهة نظري، سعادة الآباء الجنسية والعاطفية يجب أن تكون شغلاً شاغلاً لأبنائهم، ولا أقول هذا وأنا يدي في المياه الباردة، بل أقوله لكم بعد أن طبقته على نفسي، عندما أخذت القرار من ثلاث سنوات أن عليّ تغيير حياة أمي كلياً، فصحبتها لطبيب الأسنان لتداوي ما فعله الزمن والحزن في أسنانها، وساعدتها على إنقاص وزنها، بل وشجعتها أيضاً على خلع الحجاب والانضمام لمجموعات جديدة من الأصدقاء، وأن تهتم بملابسها وأناقتها مرة أخرى، كما كانت رمزاً للجمال في أعيننا منذ صغرنا أنا وأخي.

 وخلال سنة واحدة، شعرت أن أمي صغرت في العمر ما يقرب من عشر سنوات، أحياناً نضع صورها قبل وبعد أمامنا لنراقب التغيير ونفخر به، وهذا التغيير لم يحتج إلى الزواج وممارسة الجنس في البداية ليتجلى عليها، بل إن نظرات الإعجاب وجمل الغزل التي كانت تسمعها من بعض الرجال في هذا العالم الجديد الذي دخلته، كان مثل وقود أشعل رغبتها في الحياة مرة أخرى، بعد أن وصلت لسن الستين، وظنت أنها جثة ترقد في الفراش في انتظار الموت الفعلي.

 أصبحت امرأة مرغوبة من الرجال، وتمسك الهاتف أمامي مدعية الخجل والنفور، وهي ترد على رسائل الرجال التي تأتي إليها وكأن الأمر يضايقها، بينما عيناها تشتعلان حماسة ورغبة في الحياة. حتى قدرتها الجسدية على التحرك اختلفت، فعادت للعديد من العادات اليومية التي كنت أحب أن أراها تفعلها في صغري، مثل الطهي على أنغام الموسيقى العالية، وهي تغني بصوت أعلى من صوت المطرب وطاقة أقوى منه.

ربما احتفال رأس السنة للعام 2020 كان اليوم الذي شعرت فيه أني قدمت لأمي جزءاً مما قدمته لنا، أنا وأخي، طوال حياتنا. كنت أقنعتها أن نقيم الاحتفال بالعام الجديد في منزلها، احتفال صغير يضمّ زوجي وأصدقاءنا المقربين والذين تجمعهم بأمي صداقة وعشرة أعوام طويلة.

من وجهة نظري، سعادة الآباء الجنسية والعاطفية يجب أن تكون شغلاً شاغلاً لأبنائهم، ولا أقول هذا وأنا يدي في المياه الباردة، بل أقوله لكم بعد أن طبقته على نفسي، عندما أخذت القرار من ثلاث سنوات أن عليّ تغيير حياة أمي كلياً

 رأيت تلك المرأة في ذاك اليوم، والتي تبلغ من العمر 65 عاماً، تنجح في تجهيز احتفالية لثمانية أفراد، من طعام وحلويات، بجانب أن تظهر في قمة الجمال وقت الاحتفال، والسر يكمن في هذا الرجل الذي تزوجته قبل هذا الاحتفال بشهور، وكان يشاركها ترتيب اليوم بأكمله، من منزله عن طريق كاميرا الإنترنت.

 كان يشاركها الطهي في المطبخ، ويشاركها التجهيز لتقديم الطعام، يخبرها عن رأيه ويمنحها بعض النصائح في تنفيذ الطعام، ويمنحني أنا أيضاً بعض النصائح لزينة المنزل، ثم يظل معها أيضاً وهي تضع مساحيق التجميل وتهندم شعرها، واختار معها الملابس التي تقابل بها أصدقائي.

في هذا اليوم شعرت أن أمي أصبح لها حياة عاطفية وجنسية رائعة تليق بهذا السن الذي تعيشه، هي وهذا الرجل منحا بعضهما الحياة بعد سنوات الوحدة والشعور بالعزلة عن السعادة، وطاقة الحياة التي تمنحها لنا الطاقة الجنسية.

 المشكلة في نظرة البعض للجنس أنهم يحصرونه في الممارسة الفعلية له، ولكن ما لا يدركه البعض أن مجرد وجود الشريك في حياتنا وشعورنا بأننا مرغوبون، حتى دون أن نمارس الجنس، يمنحنا رغبة عامة في الحياة، ويمنح الموجودات التي اعتدنا عليها طعماً أكثر شغف ومتعة.

فلو كنت تعيش مع آباء فقدوا هذا الشغف لأي سبب كان، أفلا تظن أن اللحظة المناسبة قد جاءت، لتأخذ بيدهم إلى حياة جديدة يستحقونها بعد شقاء سنوات طويلة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image