شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أتلذذ ولا أشعر بالذنب"... حكايات هوس بالسرقة في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 17 مارس 202105:17 م

"هل سبق أن سرقتم الملاعق والفرشاة والمناشف من الفنادق التي نزلتم فيها؟ أنا فعلتها"، يقول منصف (24 عاماً)، طالب جامعي يدرس الفلسفة. ويضيف: "على الرغم من أنني تربيت في أسرة ميسورة، ولم يكن ينقصني شيء، كنت أتلذذ بسرقة أشياء تافهة جداً".

يتذكر منصف أول عملية سرقة جيداً، يحكي عنها بطريقة كأنه يتحدث عن أول علاقة حب، يقول لرصيف22: "عندما ارتكبت أول عملية سرقة، كان عمري 10 سنوات، أقضي وأهلي بضعة أيام من العطلة الصيفية في أحد الفنادق، فسرقت منها مناشف وبعض مستلزمات الحمام، التي كانت تضعها إدارة الفندق في غرفة النزيل".

"لست وحدي"

"صيف 2011، كنا قد قضينا تقريباً ستة أيام في أحد الفنادق الفاخرة بمدينة السعيدية شرق المغرب، فأبهرت بنوعية الملاعق، والفرشاة التي كانت تقدم لنا عند الوجبات، فأخذت منها، كما أخذت بعضاً مما وجدته في غرفة الفندق من مناشف وعلب الشامبو"، يقول منصف، ويضيف مبرراً سرقاته الصغيرة: "هي الأشياء التي لا يعتبر النزيل سارقاً إذا وضعها في حقيبته أثناء مغادرته".

ويتابع: "لا يمكن تفسير هواية السرقة بالوضع المادي لنزيل الفندق، وإلا فكيف يمكن تفسير إقدامي على سرقة منشفة حمام أو علبة شامبو صغيرة، في الوقت الذي دفع فيه والدي مقابل إقامتنا لليلة واحدة ما يعادل 150 دولاراً، إن هذا الفعل بالنسبة لي هو مجرد استمتاع، وتلذذ، وهواية. في كل عطلة صيفية أمارس هوايتي، وأستمتع بسرقة اغراض الفنادق والمطاعم".

"هذا الفعل بالنسبة لي هو مجرد استمتاع، وتلذذ، وهواية. في كل عطلة صيفية أمارس هوايتي، وأستمتع بسرقة اغراض الفنادق والمطاعم"

ولكن هل يتوقف استمتاع منصف بالسرقة على الفنادق؟

اصطحبته والدته لعيادة الطبيب، وعندما خرج سرق مجلة كانت على الطاولة في غرفة الانتظار، يقول فرحاً: "الغريب أنني لم أكن أفهم اللغة الفرنسية، ولا مواضيع المجلة، ومع ذلك تلذذت بسرقتها".

ولع منصف بالسرقة دفعه للقراءة أكثر عن المشاهير والأبطال الذين عرفوا بولعهم بسرقة الأشياء التافهة، رغم امتلاكهم للملايين، يقرأ عنهم، ويقول في نفسه، شاعراً بالعزاء: "الحمد لله لست وحدي المهووس بالسرقة".

ويكمل: "هناك العديد من الأثرياء قرأت عنهم، سرقوا الأشياء التي لا تساوي قيمة ما يمتلكونه، منهم رئيس جمهورية التشيك، فاستلاف كلاوس، الذي سرق القلم الاحتفالي في توقيع إحدى الاتفاقيات، والملك "فاروق" سرق ساعة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وابنة أحد الأثرياء، كارولين جولياني، ضبطت وهي تسرق علبة مكياج من متجر، رغم أنها تمتلك ما يساوي عشرات مثلها".

ويعلق منصف مبتسماً: "هذا دليل على أن للسرقة مذاق مختلف".

"سرقت فستان الأحلام"

على عكس منصف، لا تهوى دنيا (24 عاماً)، طالبة جامعية، السرقة ولكنها أحياناً ترى أزياء تناسبها تماماً، وغالية الثمن، فتشعر أن من حقها أن ترتديها، حتى لو لم تكن تملك ثمنها.

تتذكر دنيا تفاصيل سرقتها للأزياء، تقول: "في أحد أيام الآحاد كنت أتجول مع صديقاتي في مول بالدار البيضاء، كان يستهوينا التسوق في أيام عطلة نهاية الأسبوع، أذكر جيداً ذلك اليوم عندما انتهينا من التسوق، وأخذنا ما يلزمنا من ملابس، وماكياج، وأغراض البنات الشخصية، ولم يتبق معنا سوى دريهمات معدودة، توجهنا إلى الممر المتجه إلى باب الخروج الرئيسي للمول".

وقبل أن تخرج ناداها فستان، سمته "فستان الأحلام"، تقول عنه: "إنه الفستان الذي طالما حلمت باقتنائه حتى لو كان غالياً، تسمرت مذهولة أمام الواجهة، تحسرت لكوني لم أره قبل أن أنفق ما كنت أحمله من مال".

"كل حلمي أن يتمتع جسمي بمثل هذا الفستان".

وتضيف متنهدة: "يا إلهي كم كان جميلاً، وراقياً، وأنيقاً، كان كل حلمي أن يتمتع جسمي بمثل هذا الفستان، الذي تعود موضته إلى ستينات القرن الماضي، كنت أحلم بارتداء هذا الفستان الكلاسيكي ذي اللون الواحد، كان شبيهاً جداً بتلك الفساتين التي كانت ترتديها النجمات المصريات، مثل سعاد حسني، وليلى مراد، وفاتن حمامة، وغيرهن".

اتخذت دنيا قرارها دون تردد، كما تحكي، طلبت من المساعدة أن تعطيها مقاسات وألوان الفستان المتوفرة، وطلبت من صديقاتها اصطحابها إلى صالة القياسات، دون أن يعلمن بخطتها المحرمة، قلن لها: "كيف يمكننك أن تقيسي هذا الفستان الذي يبلغ ثمنه 400 درهم أي 40 دولاراً"، أجابتهم بكلمة واحدة، لخصت مشاعرها الحميمية من جهة، وإحساسها المنفلت من الأخلاق العامة من جهة أخرى: "سأسرقه".

من الناحية القانونية، يقسم القانون المغربي السرقة إلى نوعين: السرقة الموصوفة، والسرقة العادية، ويعتبر السرقة العادية هي كل اختلاس لمال أو أغراض الغير عمداً، وقد يكون هذا الفعل جنحة لا تتجاوز عقوبته خمس سنوات، وقد يكون فعل السرقة منصباً على أشياء زهيدة.

أما السرقة الموصوفة، بحسب القانون المغربي، فهي التي يرتكبها أكثر من شخص باستعمال السلاح أو الناقلة أو كليهما، أو ترتكب في الأماكن العمومية أو باستعمال العنف والتهديد وانتحال وظيفة في السلطة، وتعتبر جنائية إذ تصل عقوبتها في بعض الحالات إلى المؤبد.

هل الهوس بالسرقة مرض؟

يسمي الطب النفسي حالة العجز المتكرر عن مقاومة دافع السرقة لأشياء لا نحتاجها (وعادة ما تكون قيمتها منخفضة) بـ"كليبتومانيا"، وتصنف بأنها حالة اضطراب ذهني.

ولكن بعض الأطباء ينكر وجود تلك الحالة، فالمهووسون عادة ما يطورون مهارة السرقة، ويحددون أهدافهم بسرعة، وينجحون، خاصة وأنهم لا يمارسون هوايتهم إذا اعتقدوا أنهم يمكن أن يقبض عليهم، ما يعني أنهم مسيطرون تماماً على دوافعهم.

يرى منصف، المهووس بالسرقة، نفسه في أحلام اليقظة مثل روبن هود، يسرق من الأثرياء ويعطي الفقراء، ويقول: "للسرقة مذاق مختلف"

"إنهم يفعلون ما يختارونه، ولا يعانون من أي اضطراب" على حد تعبير الطبيب ستانتون إي سامينو، الخبير في دراسات طريقة تفكير المجرمين.

أما الطبيب النفسي جواد المبروكي فيميز عادة ما بين الأشخاص الذين يعانون من "هوس السرقة" وغيرهم من اللصوص التقليديين، ويوضح لرصيف22: "نجد الشخص الهاوي للسرقة يسرق بسلام، دون مخاطرة أو انتقام، ودون هدف في تحقيق ربح مادي سوى التلذذ، والاستمتاع بهذا الفعل".

ويضيف المبروكي لرصيف22: "وعادة ما نجد المهووس بالسرقة يقوم بسرقة الأشياء التي لا قيمة لها ولا يحتاجها، مثلاً قد نجده يسرق علبة شكولاته أو قلماً أو قطعة نقود قد يملك أكثر منها، فغالبية هؤلاء الأشخاص يأخذون من هذه العادة وسيلة للتمتع، وتحقيق الشعور بالرضا".

ويعتبر المبروكي أن هوس السرقة "اضطراب على مستوى الصحة العقلية، المرضى بهذا الشكل يسرقون بعفوية، لا يأبهون بما وقع وبما قد يقع، وكثيراً ما يقومون بفعلتهم في في المتاجر، والأسواق، والعيادات الطبية، والفنادق، والمطاعم، وعادة يسرق المهووس الأشياء الرخيصة، والبسيطة جداً".

تحرم الأديان كلها السرقة، ومن أبرز الوصايا العشر "لا تسرق"، والسرقة محرمة ومجرمة في الشريعة الإسلامية، وتعتبر من كبائر الذنوب في الفقه السني، وبتوافق جميع القوانين تقريباً، إلا أن منصف المصاب بـ"اضطراب على مستوى الصحة العقلية"، إذا جاز استخدام لغة الطبيب المبروكي على حالته، لا يرى ذلك، ويستشهد بمقولة فينتشنزو بيبينو، أشهر لص إيطالي، والمعروف باسم "اللص النبيل": "السرقة من الأغنياء ليست خطيئة، وأنا مقتنع أنني سأدخل الجنة".

في أحلام يقظته، يرى منصف نفسه مثل روبن هود، البطل الخيالي في التراث الإنجليزي الذي يسرق من الأثرياء ويعطي الفقراء، رغم أنه لا يفعل ذلك في الواقع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image