شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"بنت الجان المسعودة والمهددة بالدم"... المرأة "الزهرية" في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 26 يناير 202104:02 م

خط طويل مستقيم غير ناقص يخترق يدها اليمنى، وبريق خاص في عينيها، ولسانها مشقوق، خط يقسّمه، ونظرة عينها اليمنى تصب في عينها اليسرى، بهذه الصفات تتميز سناء (8 سنوات) عن باقي أخواتها الثلاث، وأترابها في الحي، وبهذه السمات البارزة على جسد ثريا- وعلى أجساد الكثير من أقرانها وقريناتها، يصنفون بـ "الزهريين" و "الزهريات"- تكون أكثر عرضة للخطف، والقتل في المغرب.

ابنتي وهمسات العجوز

"منذ ولادتها وأنا أعيش قلقاً على أن أصحو يوماً على نبأ اختطافها، وأن تصبح ابنتي وليمة دم"، تقول سليمة، والدة سناء لرصيف22. وتضيف: "سناء ليست كباقي إخوتها، منذ ولادتها قالت لي والدتي إن سناء تحمل صفات الزهريين/ات، لم أكن حينها أعلم ما معنى الزهريين/ات، ولم أنتبه لأهمية الأمر وخطورته".

تتذكر سليمة جيداً، اليوم الذي ظنت فيه أن ابنتها كانت معرضة للاختطاف، أمام عينيها، وتقول: "كانت سناء تبلغ من العمر أربع سنوات، خرجت بها ممسكة بيديها الصغيرتين إلى السوق عبر شارع طويل، كان مليئاً بالمارة، والضوضاء، وكأنني لمحت شخصاً في أواخر الخمسين من عمره، ذا لحية كثيفة، يرتدي لباساً تقليدياً، عبارة عن جلباب أبيض، لم أنتبه عندما لمحته أول مرة، لم أكثرت له جيداً، بسبب الضوضاء الموجودة في الشارع".

شعرت سليمة بإحساس غريب، خصوصاً بعدما بدأت تلاحظ اقترابه منهما، وتحديقه المستمر فيهما، عندما كانت في المحل لشراء لوازم المطبخ، وعلى الطاولة الموضوعة أمام المحل، تركت يد سناء ابنتها، وطلبت منها أن تقف إلى جانبها، حتى تتمكن من شراء ما تريده، فجأة وجدته في الطاولة المقابلة لها، ويبتسم لسناء، ويلاطفها، تقول: "بدأ يحاول استدراجها، لم أستلطفه، هناك الكثير من الغرباء كنا نلتقي بهم في أماكن عدة، وعادة يلاعبون سناء، ويمازحونها لكن ذاك الرجل لم أستلطفه".

لم تختف همسات العجوز من أذن سليمة، قالت لها أن ابنتها "زهرية، تحمل صفات الزهريات، وهي معرضة للخطف في أي لحظة، وتُقدم قرباناً للمشعوذين، بلا رحمة"

في تلك اللحظة التي اجتاحت مشاعر الأم أحاسيس القلق، والخوف، اقتربت منها امرأة عجوز، تتجاوز السبعين عاماً، هامسة في أذنيها: "امسكي بيد ابنتك جيداً، لا تضعيها خلفك، الرجل يلاحقكما، ويمكن أن يختطفها منك".

تتابع سليمة: "أمسكت بيدي سناء، وبالرغم من أنها كانت صغيرة في السن شعرت بأن هناك أمراً مرعباً يحدث أو ربما قد يحدث، رفعت رأسي بسرعة موجهة نظراتي الحاقدة تجاه الرجل، فوجئت باختفائه السريع، كنت أريد الإمساك به، والصراخ وسط الشارع".

لم تختف همسات العجوز من أذن سليمة، قالت لها أيضاً أن ابنتها "زهرية، تحمل صفات الزهريات، وهي معرضة للخطف والاختفاء في أي لحظة، وتُقدم قرباناً للمشعوذين، بلا رحمة".

أبناء/بنات الجن

الطفل/ة "الزّهري/ة" يعرفه السحرة والمشعوذون بالطفل "المثالي"، بسبب علامات لا توجد عند الأطفال الآخرين، فهو ينتسب إلى ذرية الجن، استُبدل لحظة ولادته بمولود من البشر.

والمعروف عن عصابات النبش عن الكنوز أنها تعتقد أن الأطفال "الزهريين" الذين لا تتعدى سنّهم العاشرة، يستطيعون بحدسهم العالي أن يروا أشياء لا يدركها الإنسان العادي، ولهم قدرة خارقة في العثور على النفائس والكنوز الموجودة تحت الأرض.

لذا يصبح الزهريون والزهريات أكثر عرضة للخطف والقتل، ويُقدَّمون قرباناً للجن، ليتم ذبحهم، وأخذ دمهم لفك شفرات وطلاسم تخولهم العثور على الكنوز تحت الأرض.

بسبب هذه الخرافة، تتنامى ظاهرة اختطاف الأطفال "الزهريين" الذين يحملون هذه العلامات داخل المجتمع المغربي، والعائلات التي يكون لها طفل يحمل صفات الزهريين، تعيش في خوف من أن يختطفه السحرة.

اختفاء أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات في "رمشة عين".

بين الحين والآخر، يستفيق الرأي العام المغربي على خبر اختفاء أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات في "رمشة عين"، وظروف غامضة.

وهناك قصص لاختفاء أطفال لا تزال عالقة في الذاكرة الشعبية المغربية.

وتعتبر قضية الطفل حمزة، ابن مدينة الدار البيضاء، من أبشع ضحايا جرائم مشعوذي الكنوز، وكانت من الجرائم التي هزت المدينة سنة 2012، بعدما تم اختطافه من الحي، ثم العثور عليه بعد أيام من البحث، ملقىً في أحد أماكن القمامة، خارج المدينة، جثة هامدة، مقطوع الرأس، مسلوخ الجلد، وعيناه الزهريتان تم اقتلاعهما من مكانهما.

وسنة 2013، عُثر على الطفل حسام، في مدينة القنيطرة جنوب الرباط، بعد اختفائه في ظروف غامضة من أمام منزله، جثة هامدة في النهر.

آخر هذه الجرائم أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، وهي حادثة قتل الطفلة نعيمة (ثلاث سنوات) في مدينة "زاكورة"، جنوب المغرب، إذ اختفت في ظروف غامضة لأسابيع، وعُثر عليها مقطعة الأطراف بعد أن استُغلت في نبش الكنوز.

"مباركة في قبيلتنا"

لالة يامنة، سبعينية، من عائلة أمازيغية تنحدر من جبال الأطلس المتوسط، تحمل علامة تدل على أنها امرأة زهرية، تتمثل في وجود نخلة على شكل V في منبت شعرها، وعيناها لامعتان، بهما حوَل خفيف، وخط طولي يقسم لسانها إلى نصفين.

على عكس أجواء الخوف التي تختبرها سناء، حازت لالة على اهتمام عائلتها، تقول لرصيف22: "كانت قبيلتنا تهتم كثيراً بهذه الأمور، وتهتم إن كانت الفتاة زهرية، فتبحث جيداً في جسمها عن إحدى علامات الزهريات، خصوصاً الفتاة المقبلة على الزواج".

"ظاهرة البحث عن الكنوز في عمق الأرض هي المسؤولة عن الاعتداءات المتوحشة على الأطفال الزهريين"

"كلما كانت لدى الفتاة علامات تدل على زهريتها، تهافت العرسان عليها، معتقدين أنها تجلب لهم الحظ والرزق الموفور"، تقول لالة. وتضيف: "في قبائلنا، إذا كنت زهرية فأنت مباركة ومسعودة، بمعنى أنك جالبة للحظ والرزق".

وتتابع: "علامات الزهرية دليل أولي على الجمال والجاذبية، خصوصاً لمعان العيون، الذي يشير إلى الذكاء والصحة الجيدة والنشاط، صاحبة هذه المميزات تدل على أنها امرأة ناجحة، ومحظوظة، يتبعها الرزق والخير أينما حلت وارتحلت".

يعتبر الباحث في علم الاجتماع، علي الشعلاني، ظاهرة البحث عن الكنوز في عمق الأرض هي المسؤولة عن الاعتداءات المتوحشة على الأطفال الزهريين. يقول لرصيف22: "ظاهرة البحث عن الدفائن واستخراج الكنوز المطمورة في عمق الأرض، تميز بها المغرب عن باقي المجتمعات العربية الأخرى، حيث عرفت هذه الظاهرة في البداية عند طلبة البربر بالمغرب، المعروفين بحفظ القرآن، وإمامة المصلين في المساجد إلى جانب أدوار أخرى كثيرة ذات طابع ديني مرتبط بالحياة اليوميّة للناس".

ويضيف: "مع الوعي المجتمعي لدى كثير من الناس، وإيمانهم بمعتقدات وأفكار تتحكم فيها الشعوذة والخرافة، هناك اعتقاد راسخ يتجلى في أن الجن يستولي على الكنوز والدفائن مباشرة بعد أن يتوفى صاحبها أو تمضي على زمن طمرها فترة طويلة، أو تلك التي يحميها أصحابها بطلاسم سحرية تستجلب خصيصاً لذلك، ومن أشهر الطرق السحرية التي يعتمدها "الفقيه الكنزي" للوصول إلى الكنز الاستعانة بطفل زهري".

ويرجع الشعباني، تنامي ظاهرة البحث عن الكنوز داخل المجتمع المغربي إلى "دوافع اقتصادية، واجتماعية، كالفقر، والرغبة في الحصول على المال الكثير دون بذل أي مجهود".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard