شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"هل مصر جميلة فعلاً؟"... نظرة "المغتربين" وصدمة العودة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 13 فبراير 202104:37 م

كنت أرثي حالي، وغربتي، وحزني. كل هذه المشاعر السلبية التي أعانيها منذ أن عدت إلى مصر بعد سفر استمر عشر سنوات في أكثر من بلد. وبدأت أتساءل، خاصة عندما أستمع لأغنية "مصر جميلة": هل مصر جميلة فعلاً؟ وإن كانت كذلك فلمَ لا أرى هذا؟ ولمَ ما زلت مضطربة لا أستطيع التأقلم، على الرغم من مرور ست سنوات على عودتي؟ هل العيب فيّ أم في مصر؟ ثم ماذا جرى على أي حال، فأنا لم أولد في باريس مثلاً، لقد عشت طفولتي في مصر.

ولأننا نشعر بشيء من الطمأنينة حين نقابل أشخاصاً عاشوا تجارب مشابهة، قررت أن أسأل بعض الناس عن تجاربهم مع السفر والعودة، وكيف أثر الرجوع عليهم وهل استطاعوا التأقلم أم لا؟


رام ماضي: "شكوا أنني لست مسلماً"

كانت عودة رام (33 عاماً) إلى مصر غير متوقعة، فقد كان يقضي نصف إجازته السنوية في اليونان، ونصفها الآخر في الإسكندرية لزيارة الأهل والأصدقاء، ولكن حدث ما غيّر كل خططه، إذ تم إغلاق المطارات بسبب كرونا، فلم يتمكن من العودة لوظيفته في قطر واضطر للبقاء في مصر حوالى سنة.

سافر رام كثيرًا بغرض السياحة والعمل، لكن من كل البلدان التي زارها أعجبته لندن، يقول: "الحياة جميلة ومنظمة هناك، ولو كان فيها بعض الملل".

وامتدح التنوع في الأديان، كما رآه في إنجلترا، وفي قطر أو "الخليج"، كما يطلق عليها البعض في مصر لأسباب سياسية، يقول: "الهندوسي يعلن بحرية أنه هندوسي والمسلم يعلن بحرية أنه مسلم، أما في مصر فلا، لأن الناس يتدخلون في كل شيء، حتى أنهم في مرة من المرات شكوا أنني لست مسلمًا لأنني لا أمارس الفروض والواجبات الدينية أمامهم".

هل مصر جميلة فعلاً؟ وإن كانت كذلك فلمَ لا أرى هذا؟ ولمَ ما زلت مضطربة لا أستطيع التأقلم، على الرغم من مرور ست سنوات على عودتي؟ هل العيب فيّ أم في مصر؟

ويضيف: "أهم ما يميز العيش خارج مصر "بريطانيا والخليج" هو شعوري بآدميتي، أتقاضى أجراً محترماً، أعرف أنني إن مرضت فسأجد عناية طبية جيدة، حتى لو لم يكن معي مال، الرجوع لمصر متعب، المنتجات أغلى رغم قلة جودتها".

ينتقد رام تعامل الناس معه كلما رجع من الخارج، يقول: "الناس يعاملونك على أنك شوال فلوس متحرك، ويجبرونك على إخراج أسوأ ما فيك، وإن تأقلمت بالتجاهل، وبأنني واضح تماماً، ولا أسمح لأي أحد بالتدخل في شؤوني".

يرى رام استحالة الحياة بآدمية وخصوصية في بلده إلا لو "امتلكت ملايين"، وسكنت في مناطق مثل "الكومباوندات، والأحياء الراقية، وإلا فستكون مضطراً لتحمل الأوضاع، وتدخلات الناس، وعاداتهم".

صافي يوسف: "لا أريد التأقلم"

تتفق صافي (34 عاماً)، من سكان قنا جنوب مصر، مع رام في إحساسها بـ "الآدمية" خارج مصر، وزادت عليه أنها تشعر بنوع من الهلع، كلما فكرت في الخروج إلى الشارع.

كلما عادت إلى مصر أحست بالخوف مجدداً من الناس والشارع.

لا تخرج صافي إلا في أضيق الحدود، وتشعر بالأمان النسبي في المنزل أو "أسوار مدينتها الصغيرة"، رغم أن الكثيرين/ات يغبطونها، لأنها صعيدية حققت حلماً صعباً، السفر لأمريكا والعيش بمفردها هناك، وتجاوزت حاجز الخوف، ولكنها كلما عادت إلى مصر أحست بالخوف مجدداً من الناس والشارع.

سافرت صافي في منحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة ماجستير إدارة الأعمال، مدتها عامان، تقول عن عودتها: "حتى الآن لا أستطيع تحديد ما إذا كنت حزينة بسبب عودتي أم لا، هذا سؤال معقد جداً، فأنا شخص مرتبط بأهله إلى أبعد حد، وبعدي عنهم طوال فترة سفري كان مؤلماً للغاية، مع ذلك لست مرتاحة بوجودي في مصر".

وتتابع: "مافيش حاجة في مصر مضبوطة، من وقت ما رجعت وانا باحاول مخرجش من البيت على قد ما أقدر، وأقلل الاحتكاك بالناس، ولو صدفت مرة واضطريت أنزل مشوار، بيجيلي نوبات هلع وضغطي يرتفع".

وتضيف: "رجوعي إلى مصر سبب لي صدمة، لم أستطع تخطيها إلى الآن، رغم أنني عدت منذ ما يزيد عن سنتين، مفتقدة سهولة كل شيء هناك، من المشي في الشارع دون خوف من التحرش، والدراسة، ودعم المجتهدين بغض النظر عمن هم، وتوفير مكان سكن بأسعار إيجارات مناسبة".

ونكمل: "حتى العمل في مصر صعب جداً، كله بالواسطة، مش مهم تكون خبرتك إيه أو بتعرف تعمل إيه، المهم تعرف مين أو قريبك مين، أنا من يوم ما جيت مصر وأنا حرفيًا باتمرمط على رأي أحمد حلمي".

وتختم صافي: "لم أتأقلم مع المجتمع المصري إلى الآن، ولا أريد التأقلم أصلاً، السفر غيرني تماماً، شخصيتي أصبحت أقوى، وعيي زاد، جوانب كثيرة في نفسي تغيرت للأفضل، وبالأخص تقبل الآخر، واختلافاته مهما كانت. أن أتأقلم مع الحياة الاجتماعية في مصر معناه أن أهدم كل ما بنيته، وأنا لن أفعل هذا".

سلمى: "يعاملونني كأني شوال فلوس"

على عكس صفاء، تمكنت سلمى (23 عاماً) من التأقلم إلى حد ما، إذ وجدت في مصر ميزة لم تكن تشعر بها في "الخليج"، وهي "الحرية"، فمصر أكثر انفتاحًا، وبها خيارات أكثر من وجهة نظرها من حيث الترفيه والخروج، إلا أنها ما زالت حزينة لتغيّر دراستها، وأنها خسرت شهادة ذات قيمة. تقول: "عشت في "الخليج" أكثر من أحد عشر عاماً بسبب عمل أبي، وحين أحيل أبي على المعاش كان يجب أن نعود".

شعور سلمى بالصدمة في مدينتها، الإسكندرية، له جوانب عدة، تقول: "كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي، أولًا لأنني تركت أصدقائي والناس الذين عشت معهم طفولتي ومراهقتي وأعتبرهم أسرتي، وبالطبع اضطررت لترك عملي، وتغيير دراستي، وهذا أكثر عنصر ضايقني، لأنني لم أستطع إثبات نفسي، وشهادتي أصبحت أقل قيمة".

"للأسف في مصر ليست كل الشهادات معتمدة أو معترفا، بها دوليًا، رغم الجهد المبذول أحصل على شهادة أقل بسبب مستوى التعليم".

"لن أتعايش مع المجتمع وإلا سأهدّ كل ما بنيته"، "الناس يتدخلون في كل شيء، حتى أنهم شكوا أنني لست مسلمًا لأنني لا أمارس الفروض الدينية أمامهم"

وتتابع: "أنا أحب السفر، وأريد السفر مرة أخرى، وفكرة أنني لم أستطع السفر لما يزيد على الثلاث سنوات صعبة وتؤرقني".

تشكو صفاء هي الأخرى طريقة التعامل معها في مصر، تقول لرصيف22: "يعتقد الكثيرون أنني لست مصرية، يعاملونني على أنني بنك متحرك، لم أستطع التعامل مع هذا التحول بسهولة، لم أستطع أن أدرك هذا الكم من الشخصيات، وطريقة التعامل الغريبة، رغم أنني كنت أعيش في بلد بها مئات الجنسيات. هناك كنت قادرة على تقبلهم، والتعامل معهم بشكل أكبر، ربما لأن جنسيتهم مختلفة عن جنسيتي، فكنت أغفر لهم أي زلة بحجة اختلاف الثقافات".

وتختم: "الميزة الوحيدة التي ساعدتني قليلاً على التأقلم، هو أن مصر مكان واسع ومفتوح، شعرت أنني حرة أكثر، يمكنني الخروج لأي مكان في أي وقت، فالمحالّ لا تغلق في التاسعة مثل قطر".

"صدمة طبيعية"

نفسياً، تعلق نهلة عبد القادر (اختصاصية في علم النفس الإكلينيكي) عن السفر وصدمة ما بعد العودة: "طبيعي أن تحدث صدمة لبعض الناس عند عودتهم بسبب اختلاف ظروف البلاد، فأنت تكون قد تعودت على بلد معين، وعلى وجود نظام وقوانين معينة، وعندك رفاهيات لا توجد هنا، فجأة تفقد كل هذا، وتعود لتجد العكس تماماً، وكأن جسدك فقط قد عاد أما عقلك فما زال هناك".

وتضيف نهلة لرصيف22: "رغم أن هذه الصدمة طبيعة، يجب أن ننتبه لعدة أشياء حتى لا تتمكن منا، لأنها قد تسيطر على حياة الأشخاص بشكل سلبي، وحينها على الشخص أن ينتبه لنفسه ويعيد حساباته".

وتتابع: "لو تيقنت من أن رجوعي نهائي، علي أن أبدأ بالتأقلم، وأن أضع حلولاً لاضطرابي وحزني، كأن أشغل وقتي بنشاطات مفيدة، تسعدني، أو أبحث عن عمل يريحني، وعن بدائل لما أفتقده، وأظل قريبة من دوائر الدعم الخاصة بي كالأهل والأصدقاء، ولكن إن فشلت هذه المحاولات، ووجدت أن حياتي متوقفة تماماً، ولست قادرة على ممارسة أي نشاط، فعليك أن تستشيري طبيباً نفسياً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image