شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"اكتشفنا الحرية في أنغولا"... يوميات مهاجرين مصريين في أفريقيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 25 فبراير 202003:12 م

عاد إسماعيل الحاوي (47 عاماً) من لواندا إلى القاهرة في فبراير 2015، بعد رحلة عمل "غير شرعية" في تجارة المفارش والسجاد وبعض أدوات الطعام، داخل كبرى مدن أنغولا وعاصمتها، استمرت 8 أشهر و20 يوماً، كان نتاجها المادي الصافي 55 ألف دولار (880 ألف جنيه مصري).

الحاوي (اسم مستعار) امتهن المحاماة لمدة 23 عاماً في مدينة قلين، بمحافظة كفر الشيخ، أقصى شمال مصر، لكن اتصالاً ورد إليه من أحد أقاربه المغتربين في أنغولا بداية 2014، يقول فيه: "اترك ما تفعله، واحجز تذكرة في أقرب وقت، الفلوس هنا كثيرة"، غيّر مجرى حياته، ونظرته لدول أفريقيا.

شعوب طيبة وبنية متهالكة

لم يستطع الحاوي أن يحصل على تأشيرة أنغولا من القاهرة، فاضطر للسفر إلى دبي، وحصل عليها هناك.

أما شريكه في العمل، فقد حصل على تأشيرة إلى الكونغو، ثم عبر الأدغال إلى أنغولا، حيث يعرض منتاجته هناك، يطرق أبواب المنازل، ويبيعها بالآجل، ثم يجمع الأقساط كل شهر.

في أيام إقامته الأولى، كان انطباع الحاوي عن أنغولا سيئاً، يقول لرصيف22: "كما لو كنت تعيش في قرية مصرية لا تعرف الحكومة عنها شيئاً، فالبنية التحتية ضعيفة ومتهالكة، فكرت في الرجوع إلى مصر، لكن أقاربي أقنعوني بتجربة العمل ورؤية عائده المادي قبل تنفيذ فكرتي".

"كما لو كنت تعيش في قرية مصرية لا تعرف الحكومة عنها شيئاً، البنية التحتية ضعيفة ومتهالكة".

في أيام عمله الأولى، تبدلت أفكار الحاوي عن الأفارقة: "شعوب طيبة، أبناؤها ودودون، يعاملونك كما لو كنت أفضل منهم، لدرجة أن بعض زبائننا يشترون منا منتجات لا يحتاجونها أحياناً، فقط لأنك طرقت أبوابهم".

تخطَّى الحاوي أزمة اللغة في أنغولا، بكثرة المعاملات مع السكان: "يتحدثون البرتغالية، وكل ما احتجت له 15 كلمة، دوّنتها في ورقة فور وصولي، مثل "أميجو" وتعني "يا صاحبي" و"دِنيرو" وتعني "فلوس"، وغيرهما من الكلمات التي تستخدم في البيع والشراء، وبعض أبناء مدينتي المصريون حالياً، ممن يجهلون القراءة والكتابة بالعربية، يتحدثون الإنجليزية والفرنسية بفضل أفريقيا".

كانت "الرشوة" السبيل الوحيد لبقاء الحاوي طوال فترة إقامته غير الشرعية بأنغولا: "البوليس يستوقف أصحاب البشرة البيضاء في الشوارع، باعتبارهم كنزاً، فأغلبهم بتأشيرات سياحية منتهية أو بدون، كانوا يساوموننا على الأموال بدلاً من إجراءات شرطية وقانونية تنتهي بالترحيل، الأمر يبدأ معهم بـ50 ألف كونزا "500 دولار" وينتهي بـ1000 كونزا "10 دولارات".

"بعد عدة شهور، تمكنت من بناء منزل بعدة طوابق، وشراء سيارة حديثة، والحياة هناك مغرية، الجنس والخمور وصالات القمار ومظاهر الحرية تخطف الشباب ولا تعود بهم"

لكن أكثر ما كان ينغِّص حياة الحاوي هو الهياجاك Hijack أو الخطف: "الخمور في أنغولا رخيصة، الشرطيون يشربونها في الشوارع، وبعض العاطلين عن العمل من الشباب الأنجولي كانوا يقتحمون منازلنا أحياناً للبحث عن الأموال، في مرة أخذوا منا 80 ألف دولار".

الحاوي واحد من آلاف المصريين الذين سلكوا الطريق إلى دول "قلب أفريقيا"، بحثاً عن مصدر رزق أو "لقمة العيش" في ظروف صعبة.

يقول الحاوي: "عشرات المئات من أبناء قرى كفر المرازقة والبكاتوش وشباس عمير وقزمان ونشرت، بمركز قلين محافظة كفر الشيخ، وأيضاً أبناء مركزي الرياض وفوه، وآلاف الشباب من مركزي المحلة والسنطة بمحافظة الغربية، وعدد لا بأس به من محافظة البحيرة، جميعهم منتشرون حالياً ويعملون في التجارة في معظم الدول الأفريقية".

"غانا تشبه مصر"

طرق أبواب السفر لدول القارة السمراء بحثاً عن مصدر رزق، ليس بالجديد على المصريين، يقول كمال مصطفى (54 عاماً): "في منتصف التسعينيات بدأت رحلات السفر لجنوب أفريقيا من قريتي كفر كلا الباب بالغربية، وشباس عمير بكفر الشيخ، كان أكثرها بطريقة غير شرعية، عبر دول الجوار، ونتيجة لنجاح تجارة المغتربين الأوائل، بدأ الزحف تدريجياً إليها بطرق شرعية".

خاض مصطفى تجربة التجارة في جنوب أفريقيا في عام 2002، بعد دخوله إليها بتأشيرة سياحية مدتها 3 أشهر، كلفته آنذاك فتح حساب بنكي، ونحو 2000 دولار تأمين لدى سفارة جنوب أفريقيا بالقاهرة، ولكي يكمل عمله دون أن تعترضه الشرطة، قرر الزواج من جنوب أفريقية.

يقول مصطفى لرصيف22: "قبل انتهاء مدة الزيارة المحددة في التأشيرة يلجأ بعضنا إلى طلب ما يسمى "لجوء إنساني" من حكومة جنوب أفريقيا، وهو أمر يحمل الرفض أو القبول، على أن يُجدَّد الطلب كل 3 شهور، والبعض الآخر يسعى إلى إجراءات تأسيس شركة، وهو أمر مكلف مادياً، لكن أغلبنا يسلك الطريق السهل، ويتزوج صورياً من جنوب أفريقية، بما يضمن لنا الإقامة، مقابل مبلغ مادي كل شهر، وهؤلاء السيدات يكن في الغالب ممن نستأجرهن لأعمالنا المنزلية".

قبل ذلك، خاض مصطفى تجربة السفر إلى العراق مرتين، عام 1983 لمدة 3 سنوات، وعام 1988 لمدة عامين، وفي الأردن استقر لمدة عام، وذهب إلى السعودية في 1993 وعاد منها بعد 3 سنوات، وهي السنوات التي امتهن فيها أعمالاً عدة، آملاً أن يجد مقابلاً مناسباً لشقائه، وهو ما وجده في النهاية في جنوب أفريقيا: "في أفريقيا أنت حر، ليس لك كفيل يعاملك كأنك مِلكه، وأمام القانون لا تختلف عنه، بلاد يسودها النظام والاحترام، ورغم أن العائد المادي فيها متباين إلا أنه أفضل كثيراً من دول الخليج".

ومنذ 3 سنوات، عاد مصطفى إلى أفريقيا تاجراً، يوزع بضاعته على المغتربين المصريين لبيعها لأصحاب البشرة السمراء بالتقسيط، عبر بوابة "غانا"، وتوسعت تجارته لتصل إلى "كوت ديفوار" و"تنزانيا".

"النظام، شعوب منظمة، يحترمون بعضهم، والآخر".

أثناء رحلته في قلب أفريقيا وجد التشابه، يقول مصطفى: "النظام، شعوب منظمة، يحترمون بعضهم والآخر"، كما وجد اختلافاً: "جنوب أفريقيا لا تختلف عن أي دولة متقدمة كبرى، بنيتها التحتية عملاقة، أما غانا فتتشابه مع مصر في الزحام، مع بنية تحتية ضعيفة، لكني رأيت فيها شيئاً لم أره في غيرها؛ محاربتها للتدخين، يعاملون المدخن كما لو كان سارق ويبلغون عنه، لكن تنتشر بها الملاريا وكذلك الأمر بالنسبة لكوت ديفوار، والمناخ الأفضل في تنزانيا".

"أبيع للأفارقة وأثق فيهم"

خاض عبد الحميد جبر، اسم مستعار (38 عاماً)، تجربته الأولى في 2005، في جنوب أفريقيا، بعدما قرر ترك السنة الأخيرة من دراسته للغة الفرنسية بكلية التربية، جامعة الأزهر، يقول لرصيف22: "العائدون منها تمكنوا من تجهيز أنفسهم للزواج في شهور، فأخذت قراراً بالسفر".

وخاض جبر تجربته الثانية من جنوب أفريقيا إلى أنغولا في آذار/مارس 2011، وتحول معها من مندوب مبيعات يطرق الأبواب، لبيع أدوات الطعام والأدوات المنزلية بطريقة الأجل، إلى تاجر في عدد من دول قلب أفريقيا.

يقول جبر: "أتعامل مع شركات صينية عالمية لتوصيل ما أحتاجه من منتجات إلى أي مكان أطلبه، وبعض الدول، كبوركينا فاسو، حبيسة لا يتوفر فيها ميناء للشحن، فتدخل بضاعتي إليها برّاً عبر غانا، والأمر نفسه بالنسبة لمالاوي، لأوزعها على المغتربين".

ويُتابع: "يبيع المصريون بضاعتهم بالتقسيط، حتى 6 شهور، والأفارقة يمتازون بالثقة، فلا نحتاج لاستكتابهم إيصالات أمانة، فقط يسجل اسمه ورقم هاتفه لديك في دفتر، وأنت تقوم بوصف العنوان ودلالاته بنفسك لتتذكره، بعضنا يسمي المناطق والشوارع بأسماء مصرية، فهذه عزبة الصفيح وأخرى صفط اللبن وهكذا".

وعن العائد المادي الذي يحققه أغلب زملائه المصريين في دول أفريقية، يقول جبر: "الشريحة المنتظمة من المصريين في دول أفريقيا تحقق عائداً مادياً صافياً، يقارب 3000 آلاف دولار (48 ألف جنيه) شهرياً".

"في أفريقيا أنت حر، ليس لك كفيل يعاملك كأنك مِلكه.. وأمام القانون لا تختلف عنه، بلاد يسودها النظام والاحترام، ورغم أن العائد المادي فيها متباين إلا أنه أفضل كثيراً من دول الخليج"

إلَّا أنَّ جبر يلفت إلى أن بعضهم يعود مثقلاً بالديون، يقول: "مظاهر الحياة هناك مغرية، الجنس والخمور وصالات القمار ومظاهر الحرية تخطف الشباب ولا تعود بهم، منهم من يصاب بالإيدز".

وينهي جبر حديثه قائلا: "سافرت إلى جنوب أفريقيا وأنا مدين بثمن التذكرة، ومنزلنا مبني بالطوب اللبن، بعد عدة شهور تمكنت من تأسيس منزل من 3 طوابق، وركوب سيارة موديل حديث. رحلة 8 شهور فقط لأفريقيا تغير حياتك، ونظرتك للقارة".

"انبهرت بالحياة في جنوب أفريقيا"

في كانون الثاني/يناير 2008، وصل محمد مسعود (36 عاماً)، إلى جنوب أفريقيا بعد رحلة استمرت 13 يوماً، قضى منهم 6 أيام في مالاوي، مع مجموعة تتكون من حوالي 60 شخصاً متعددي الجنسيات، ثم 7 آخرين في موزمبيق. وباستخدام السيارات أحياناً، والسير على الأقدام كثيراً، بلغ مسعود مدينة جوهانسبرغ.

يقول مسعود لرصيف22: "الطريق المباشر، أو التأشيرة، إلى جنوب أفريقيا صعبة غالباً، لذلك نلجأ إلى التجار في محافظتي كفر الشيخ والغربية، يتولون وصولنا إليها عبر شبكة علاقات في كل الدول الأفريقية، كلفتني 22 ألف جنيه. الطرق ومقابل السفر يتغيران من عام لآخر".

كانت رحلة مسعود إلى جنوب أفريقيا غير موفقة، فعائدها المادي فقط 200 دولار في 10 شهور: "عدد المصريين كان كبيراً، وعملنا يعتمد على المهارات الشخصية في الأساس، كسرعة التعامل، وهو ما كنت أفتقده، وحاولت تداركه".

"الحد الأدنى من الحياة في "إيست لندن" كالحد الأقصى من الحياة في مدينة مصرية".

ولكن 10 شهور أخرى قضاها مسعود في مدينة "إيست لندن" كانت كافيه ليعوض ما فقده: "كانت جيدة مادياً ومعنوياً، انبهرت بالمدينة، الحد الأدنى فيها من الحياة كان كالحد الأقصى من الحياة في مدينة مصرية".

وفي 2015 كرر رحلته إلى أفريقيا، متنقلاً بين أنغولاـ وزامبيا، وأثيوبيا، يقول مسعود: "الجاليات العربية في أفريقيا مؤثرة رغم قلة عددها، في لواندا قابلت تاجراً سورياً مسؤولاً عن توريد المواد الغذائية للجيش الأنجولي، وفي زامبيا تاجراً آخر مسؤولاً عن السكر استيراداً وتوريداً وتجارة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image