نتذكر مواقف مبهجة، نضحك ونحن سائرات، أنا وصديقتيّ، قبل أن تمر بجوارنا سيارة فخمة، قال لنا سائقها كلمات عن إثارته الجنسية بسببنا، وعما سيفعله بنا، كل ذلك وهو يمارس الاستمناء أثناء قيادته للسيارة، رغم كوننا في منطقة راقية في القاهرة "مصر الجديدة".
ذعرت، صرخت، وتجمّدت في مكاني.
لم يكن الموقف الأول الذي أتعرّض له بصحبة صديقات، فقبل عدة أعوام كنت أتمشى ليلاً مع صديقاتي: مصريات، لبنانيات، فلسطينيات وأردنيات، على كورنيش مدينة الإسكندرية.
بجوار مسرح "سيد درويش"، فاجأتنا سيارة أخرى بتوقفها المفاجئ، يقودها شاب، فتح أنوار السيارة الداخلية، وهو يمارس الاستمناء، ناظراً إلينا، يتمتم بكلمات رافعاً صوته، ذعرنا جميعاً وجرينا.
سؤال يُطرح كثيراً داخل المجموعات السرية للفتيات في فيسبوك، عن جدوى أن يُظهر شاب نفسه وهو يمارس الاستمناء لفتاة، أو أن يعرض، بشكل علني، عضوه الذكري، فكل ما يحصل عليه بالمقابل هو ذعر وخوف وقرف مصحوبين بصدمة للفتيات.
ويمتلئ صندوق الرسائل في فيسبوك الخاص بالعديد من الفتيات، بحسب تلك الجروبات، بصور رجال يعرضون أعضاءهم الذكرية لنا، مصحوبة بكلمات جنسية تثير الريبة.
"أول ما أنتبه لهم، أشعر بخوف شديد، تنتاب معدتي تقلصات، وأشعر بانسداد النفَس، وميل للقيء"
قبل عدة أشهر، صُدم الرأي العام بطبيب شاب بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، وهي محافظة شبه قروية بعيدة عن القاهرة العاصمة، ولسكانها صيت حسن في مصر، كان يستقل ميكروباص بجوار فتاة، كان يمارس الاستمتاع الذاتي أثناء تحرشه بها، واستطاعت الفتاة فضحه، بعد تصويره وتقديم بلاغ ضده، وتحولت إلى قضية رأي عام.
في النهاية، طبيب الزقازيق ادعى إصابته بالاستمناء اللاإرادي، وحظي بدعم ذكوري، كما دعمته نقابة الأطباء في بيان لها، أما الفتيات فتبارين بنشر قصص مروعة عن مواقف مشابهة تعرّضن لها. بعضها يحدث من سائقي السيارات الخاصة، التاكسي أو الميكرو باصات.
أطباء الشرقية تساهم في ترسيخ العنف الجنسي ضد النساء
مازالت نقابة أطباء الشرقية تحاول الدفاع عن احد أعضاءها ,المتهم...
Posted by مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون on Sunday, 13 December 2020
"يتطلعون في ببجاحة"
"كثيراً ما أصادفهم أثناء تمشيتي على البحر بسياراتهم، ويتطلعون فيّ عيني عينك، ببجاحة وجبروت، وكأنه شيء عادي"، تقول شيماء وئام الدين، فتاة عشرينية (مصرية/فلسطينية) مقيمة في مدينة الإسكندرية، لـرصيف22.
عن تأثير تلك الممارسات على نفسيتها، تقول: "أول ما أنتبه لهم، أشعر بخوف شديد. تنتاب معدتي تقلصات، وأشعر بانسداد النفَس وميل للقيء".
كل تلك الأعراض هي نتيجة لحالة هلع أو "Panic Attack"، اكتسحتها أثناء مشاهدتها تلك المواقف.
"قللت من سيري بجوار البحر".
شيماء، وهي طالبة تدرس الإعلام، تضيف: "أخاف منهم، لذلك قللت من سيري بجوار البحر، ولو حدث أن اضطررت للمشي هناك أكون مسرعة، ولا أركز معهم".
تغيرت مشاعر شيماء أثناء سيرها في الشارع وتغيرت عاداتها، تقول: "تعلّمت أخلّي عنيا قدام ووراء وعلى جنب، عشان طول مانا ماشية المتحرشين حواليا، وما في مكان عام أقدر أقعد فيه بسلام من غير ما حد يتعرض لي".
الاستمناء أو الاستمتاع الذاتي، كان معروفاً بممارسته في طقوس سرية بغرف مغلقة، ولكنها باتت تتحول إلى العلن، وكل فترة وأخرى تطالعنا الأخبار والسوشال ميديا بأشياء شبيهة، ليست مقتصرة على القاهرة العاصمة وحدها، بل في الأقاليم أيضاً، بحسب الباحث الأنثروبولوجي محسن محمد.
والسبب، يقول الباحث لرصيف22: "الكبت الجنسي الذي يشعر به هؤلاء، كما أن مفهوم خصوصية الجسد الذي تفهمه النساء جيداً لا يفهمه معظم الرجال، بل يتفاخرون بأعضائهم الجنسية التي تحدث الإثارة، يريدون التأكيد المجتمعي على جودتها".
تتذكر ندى محمود (اسم مستعار)، وهي فتاة جامعية من محافظة الشرقية، واقعة تعرضت لها عندما كانت في الصف الأول الثاني، تقول لرصيف22: "بين حضورنا لأحد الدروس الخصوصية وأخرى، كنت أحضر مع صديقتي ساندويتشات، ونتناولها لتعيننا على بقية اليوم. كانت المنطقة هادئة، بها عمارات جديدة، وكان هناك شاب يقوم بهذا الفعل بجوارنا، ممسكاً بموبايله، يعرض عليه مقطعاً جنسياً بصوت عال، تعرضت صديقتي للإغماء من شدة الموقف، فأدخلتها إلى غرفة المدرس وأخبرناه ونحن نبكي بما يحدث في الخارج، وبعد قليل فاقت صديقتي، وغادرنا إلى البيت بسرعة".
عن استجابة مشاعرها، تقول ندى: "موقف مخيف، خاصة كنا بمفردنا، ولا نعلم ماذا سيفعل، وبعد انقضاء هذا اليوم بـ 7 سنوات، لا نزال نتذكر الموقف ويتجدد الإحساس بالخوف داخلنا".
"اللافت هو رد فعل الرجال المحيطين"، تقول ندى، والتي تدرس حالياً بكلية التربية: "لا يقومون بأي رد فعل، كأن شيئاً لا يحدث".
"تجمدت مكاني ثلاث مرات"
وتعرّضت أسماء (اسم مستعار) لمواقف عديدة وليس واحداً فقط، جنوباً في محافظة بني سويف الصعيدية، تقول: "شاهدت تلك المواقف كثيراً، في أحدها كنت صغيرة في السن مع صديقة لي، نسير بجوار محلات، ورأيت رجلاً في مدخل عمارة. كان ينظر إلينا ويقوم بهذا الفعل. صدمت وتجمدت في مكاني وقامت صديقتي بجذبي".
"أحد الشباب يقف بين عمارتين مخرجاً عضوه"
ومرة أخرى، تعرضت أسماء لموقف مشابه عندما كانت طالبة، وتجمدت للمرة الثانية، وقام أصدقاؤها بجذبها، حينما كان أحد الشباب يقف بين عمارتين مخرجاً عضوه، ويقوم بالاستمناء وهو ينظر إليهن.
لكن مرة ثالثة حدثت في شهر رمضان، وأثناء خروجها مع صديقتها من المسجد، بعد قضاء ليلة روحانية صليا بها التهجد والفجر والضحى، شاهدتا رجلاً يسير مقابلهما، وباغتهما بفتح سوستة بنطلونه، ولكنه لم يكن يستمني، بل كان يتباهى بعضوه الذكري أمامهن، وأيضاً انتابها شعور التجمد للمرة الثالثة.
عن تأثير تلك المواقف على حياتها الزوجية حالياً، وعلاقتها بالعضو الذكري، تقول أسماء لرصيف22: "وقت حدوث هذه المواقف كنت أشعر بالقرف، لكن علاقتي بجوزي مستقرة، ولا توجد مشاكل في هذا الموضوع، وحينما كنت أحكي له يكون داعماً لي ويحتويني، أما وقت حدوثها فكانت والدتي داعمة لي كثيراً، واحتوتني ولم تلمني أبداً أو تشعرني أني مخطئة، وهذا ساعدني على تجاوز هذه المشاهد".
"رجال أكثر جرأة ووقاحة"
وإذا نظرنا لهذا الأمر بنظرة علمية، لنجيب عن سؤال: "لماذا يظهر الرجال أعضاءهم الذكرية للنساء، خاصة في الرسائل الإلكترونية مثلاً؟"، تجيب عنه مقالة بموقع سايكولوجي توداي "psychologytoday"، مرده أن الرجال حينما يفعلون ذلك، ويظهرون أعضاءهم الذكرية للنساء دون موافقة مسبقة منهن، فهو لاستمالتهن، وظناً منهم أن النساء سيقومون بالفعل ذاته معهم.
فإذا أرسل رجلاً صورة أو فيديو لعضوه وهو يستمني، فهو يتوقع المثل من المرأة التي أمامه، لأن الرجال أكثر جرأة من النساء، وأكثر وقاحة في بعض الأحيان، بحسب الموقع.
في شهر رمضان، وأثناء خروجها مع صديقتها من المسجد، بعد قضاء ليلة روحانية، باغتهما رجل بفتح سوستة بنطلونه، ولكنه لم يكن يستمني، بل كان يتباهى بعضوه الذكري أمامهنّ
كما أن الرجال ربما يقومون بأي فعل، حتى لو كان فاضحاً، ليجذبوا أنظار النساء، وهو أمر شائع لدى طبيعة الإنسان البدائي في حالة التزاوج، وفي بعض الأحيان يستمني الرجال لمجرد تخيل استقبال النساء لصور أعضائهم الذكرية، فردود أفعالهن حتى لو كانت الرفض والاشمئزاز، تكون محفزة جنسياً للرجال.
مثل مصور كندي في أوهايو، كان يسير عارياً، ويلتقط صوراً لردود أفعال النساء على شكل عضوه الذكري، وحينما تم القبض عليه، قال إنه يستمني بسبب هذه الصور، ولمجرد تخيل ردود أفعالهن.
والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، كان يسير في الشوارع والأزقة بمؤخرة عارية، على أمل أن يتلقى الصفع عليها من النساء لكونه "ولداً شقياً".
والكوميديان لوي سي كيه الذي اعترف باستمنائه أمام 5 نساء، وقدمت الشركة المنتجة لأحدث أفلامه اعتذاراً وقتها لهؤلاء النساء، وفقاً لتقرير نشرته "نيويورك تايمز".
"استحقاق وانتفاخ ذكوري"
وبنظرة حقوقية، ترجح آية منير، مؤسسة مبادرة "سوبر وومن" لدعم النساء، أن الاستمناء علناً أمام النساء والمارة، أو حتى في رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ربما يعود لـ"استحقاق وانتفاخ ذكوري لأنه رجل، كأن لسان حاله يقول: أنا رجل، لدي عضو ذكري، انظري إلي. أنا أستطيع، أنا أفعل أشياء كثيرة لا تفعلينها أنت".
وتضيف منير لـرصيف22: "أرى أن هذا الفعل ليس نابعاً من رغبة في الاستمتاع، بقدر رغبتهم في الظهور أو شعور في الأنا الذكورية، لكن المجتمع يتعامل مع هذه الظاهرة أنها بالفعل موجودة لكنه لا يتكلم عنها".
"ومثلما حدث من تجاهل مجتمعي مع طبيب ميكروباص الزقازيق"، تقول منير لرصيف22: "المجتمع هاجم الفتاة، متهماً إياها بأنها لو كانت فتاة محترمة لكانت أدارت وجهها الناحية الأخرى، أو ستصدم ولن تعرف كيف تتصرف".
وبسبب ذلك الحادث قامت منير بمبادرة، وهي استمارة إلكترونية لتلقي حوادث مشابهة، وفوجئت بقصص مأساوية تعرضت لها فتيات.
"نوع من الألم والتباهي، وخلل نفسي واجتماعي".
الاعتقاد السائد في مصر عن الأشخاص الذين يستمنون علناً، أنهم مجانين أو فقراء جداً، لكن منير تنفي ذلك، قائلة: "هو نوع من الألم والتباهي، وخلل نفسي واجتماعي، ليس مرتبطاً بطبقة اجتماعية بعينها، فأحياناً الذكورية تصل بصاحبها إلى مناطق من جنون العظمة، وأحياناً يتحول إلى اضطراب".
هل هناك عقوبة قانونية لذلك؟ هناك اختلاف في تحديدها، فالمحامية جواهر الطاهر، تقول إنه يمكن اعتبارها جريمة تحرش، وعقوبتها وفقا للمادة 306 و306 أ مكرر.
ولكن، يرى المحامي رضا الدنبوقي، المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، أن ذلك الفعل من الأفعال الفاضحة في الطريق العام، وهي جريمة لها عقوبة، وقد تعتبر تحرش، لأنه فعل يقصد من ورائه المضايقة الجنسية.
يوضح الدنبوقي لرصيف22: "أي شخص، رجل أو امرأة، لمس مواضع عفته وأظهرها للناس بقصد جنسي، هو فعل فاضح يستوجب العقوبة، كأن يفتح رجلاً سوستة بنطلونه ويستمني أمام المارة، أو تلمس امرأة ثديها بطريقة مثيرة، وإذا قيل إنه مجنون فهذا من مسؤولية الدولة، تضعه في مؤسسة علاجية لكنه في النهاية سيعاقب".
لكن رغم فداحة الفعل، يقول إن العقوبة وفقاً للمادة 278 من قانون العقوبات، هي عام فقط أو غرامة 300 جنيه، حسب رؤية القاضي، وهو "ما يستوجب أن نفتح نقاشاً مجتمعياً حول تغليظ العقوبة، لأن معنى هذه المادة هو استهانة بأجساد النساء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 19 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...