"اعتدت وأنا صغيرة القيام بنزهة لطيفة على الكورنيش، الأمر الذي أصبح صعباً ومحرومة منه عندما كبرت"، هكذا لخصت لمياء عبداللطيف قصتها مع كورنيش الاسكندرية، الكورنيش الأشهر في مصر.
لم يعد غريباً أن أرى يومياً، أصدقاء وصديقات يسافرون/ن أميالاً طويلة من أجل الاستمتاع بالبحر والكورنيش الآمنيْن. صديقتي من الاسكندرية تسافر سنوياً إلى مدينة دهب قاطعةً 700 كيلومتر لجنوب سيناء، وتاركة وراءها شواطئ الاسكندرية من دون أي شعور بالتردد.
وهذا صديقي، الذي يقطع 500 كيلومتر من مدينته رأس البر التي تطل على البحر المتوسط قاصداً مدينة طابا الحدودية شرقاً، ليستمتع بالبحر.
أما تلك الأسرة المغتربة في إحدى الدول العربية، والتي تعود جذورها لمدينة مرسى مطروح، فهي تمضي إجازاتها السنوية في الشتاء بمصر، حتى تستمتع بالصيف حيث تقيم.
ولكل واحد منهم أسبابه الخاصة حول عدم تفضيله الاستمتاع بالبحر، والشاطئ، والكورنيش في مدينته الساحلية.
"تحرشوا بي وأنا مع أبي"
بالعودة إلى لمياء (22 عاماً)، من الإسكندرية، خريجة كلية الآداب، فتقول: "كنت معتادة القيام بنزهة لطيفة على الكورنيش مع أبي عندما كنت صغيرة، حتى وصلت إلى سن الـ19 تقريباً. لم أكن أحب الجلوس في الكافيهات والمطاعم، كنت أستمتع بالمشي على الكورنيش لأرى البحر، حتى جاء يوم وتعرضت للتحرش الجسدي وأنا مع والدي الذي حاول صد المتحرشين، لكنهم كانوا كثراً، لذلك خشينا أن يؤذونا".
"كان موقفاً صعباً على أبي ألا يكون قادراً على حمايتي"، تتابع لمياء لرصيف22، "أظن أن كرامة أبي جرحت، وصورته اهتزت أمامي. منذ ذلك اليوم، لم أطلب منه أن نكرر النزهة، ولم يقترحها هو أيضاً، وكأننا عقدنا اتفاقاً سرياً دون كلمات أو مناقشات، على أنه حان الوقت لنتوقف عن الاستمتاع بكورنيش الاسكندرية، الذي كان شاهداً على الكثير من ضحكاتنا، والأسرار التي أبوح بها لأبي".
"كنت أستمتع بالمشي أنا وأبي منذ صغري على الكورنيش لأرى البحر، حتى جاء يوم وتعرضت للتحرش الجسدي، وأنا مع والدي، حاول صد المتحرشين، لكنهم كانوا كثراً، لذلك خشينا أن يؤذونا، أحس بأن كرامته جُرحت، وصورته اهتزت أمامي"
أما حنان عطية (47 عاماً)، معلمة من مدينة مرسى مطروح، تعيش في إحدى الدول الخليجية، فلم تتعرض لأي مضايقات أثناء تنزهها أمام بحر مدينتها، تبرر ذلك قائلة: "لم أجرؤ يوماً على ارتياد الشواطئ سواءً كانت عامة أو خاصة في موسم الصيف. فحتى قبل سفري مع عائلتي للعمل في الخليج، كنت أسافر لمدن ساحلية أخرى، مثل شرم الشيخ أو الغردقة، فالازدحام الخانق في الشواطئ، وكميات القمامة التي يخلفها المصطافون وراءهم، وعدم وجود أي نوع من أنواع الحماية في حالة حدوث تعدٍّ على أي شخص على الشاطئ، كلها كانت عوامل جعلتني أتجنب الاستمتاع بالبحر أو الكورنيش في الصيف. أزورهما في الشتاء فقط، أكتفي بالمشي على الكورنيش أو الجلوس في مقهى مطل على البحر".
ساحرة وغير آمنة
"الشواطئ المصرية أكثر سحراً ولكنها أقلّ أماناً"، هكذا لخصت حنان لرصيف22، لماذا تتمسك بقضاء الصيف في الدولة الخليجية التي تعمل بها، وتضيف: "رغم أن الصيف هنا لا يطاق، ودرجات الحرارة ترتفع بشكل جنوني، فإني أتحملها في مقابل استمتاعي أنا وأبنائي بالبحر والشاطئ والكورنيش من دون أن أكون مجبرة على دفع مبالغ ضخمة لقضاء إجازة لمدة أسبوع في أحد المنتجعات السياحية"، متابعة، "هنا الشواطئ كلها مفتوحة للعامة، وقليلة جداً الشواطئ الخاصة، وتكون الرسوم مبلغاً من المال لا يذكر، مع وجود أقصى درجات الأمان. حتى عندما تنزل ابنتي الكبرى البحر بالمايوه، لا تتعرض لنظرات منتهكة، ولا أحد يضايقها بأي شكل. من دون تحيز إن أقل شاطئ في مصر هو أكثر سحراً وجمالاً من أي شاطىء آخر".
ولا يقتصر الرغبة في تجن الاستمتاع بالصيف في المدن الساحلية على النساء، فبعض الرجال لهم أسبابهم الخاصة أيضا، يقول علي نوار، 26 عاماً، من القاهرة، طبيب امتياز في أحد المستشفيات العامة: "كوني رجلاً في المجتمع المصري فهذا يحميني من التعرض للتحرش، لكنه لا يحميني من البلطجة التي تحدث على الكورنيش، ومطاردة الباعة الجائلين والمتسولين، ولكن أزمتي مع قضاء الصيف في القاهرة أو الاسكندرية ليست في تلك النقاط، إنما في شعور الحرية نفسه، فما يجعلني أفضل الذهاب إلى نويبع أو مدينة دهب أو سهل حشيش، وهذا ما يكلفني مادياً خمسة أضعاف مرتبي الشهري كحد أدنى، هو شعوري بالحرية إذا أردت أن أتناول الكحول، أو اصطحاب حبيبتي، أو حتى إذا أردت أن أنعزل عن الجميع وألا أحادث أحداً، فلن أجد من يقتحم تلك العزلة".
"أشعر أني محاصر ومطارد"
ويتابع نوار لرصيف22: "قد يكون الرجال لا يتعرضون للتحرش الجنسي، هذا صحيح، ولكننا نقع تحت وطأة تحكم المجتمع في ظل معايير أخلاقية ودينية على حياة الأفراد، والتدخل السافر فيها، بل حتى منعهم من حقوقهم التي قد لا تكون تتعارض مع القانون، بطرق البلطجة، لذلك أفضل الابتعاد قدر المستطاع عن كل تلك القيود، والبحث عن حريتي حتى لو كانت بعيدة آلاف الكيلومترات".
ويتفق معه حمدي السعيد (35 عاماً)، مقيم في مدينة رأس البر، وصاحب محل تجاري، إذ يرى مدينته "جميلة جداً، وساحرة فعلاً، ونظيفة لم تمتد إليها أيدي الفوضى والعشوائية"، ولكنه يفتقد الشعور بالخصوصية.
"السكان لا يحترمون رغبة الشخص في العزلة والانفراد بحياته، ولأنني ابن المدينة وأسكن هناك، أشعر طوال الوقت بأني مطارد ومحاصر"
يقول السعيد عن رأس البر: "المحيطون بي والكثيرون لا يحترمون رغبة الشخص في العزلة والانفراد بحياته، ولأنني ابن المدينة وأسكن هناك، فأجد حالة من الفضول من المحيطين بي، الأمر الذي يصحبه الحكم على قراراتي واختياراتي الشخصية، لماذا لم أتزوج حتى الآن؟ لماذا أنا منفصل عن أهلي وأعيش بمفردي؟ لماذا أكتب عن العلمانية والليبرالية والحريات الشخصية على صفحتي الشخصية على فيسبوك، طوال الوقت هناك شعور بأني مطارد ومحاصر".
"في البداية جربت أن أسافر إلى الإسكندرية، لكن ازدحامها خنقني، وكذلك حدث لي في مدينة بورسعيد. أحببت مدينة دهب، التي تغلغلت في روحي بجبالها ومياهها، وأهم شيء هو إمكان المكوث في معسكرات وخيام، وهي تجربة لم أكن قد مررت بها، وعندما جربتها استرحت كثيراً".
ينهي سعيد حديثه، مبرراً اختياراته: "سافرت إلى عدة محافظات في إجازات، ولكنني اخترت العزلة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 13 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي