شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"ناجيات" من التحرّش والاغتصاب لم يسلمن من الذكورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 3 يوليو 202012:22 م

"ماذا كنت تلبسين؟"... "ما دليلك؟"... "ربما تكذب"... "معروف عنها إنها منحرفة"... "أصلاً هي ملحدة".

كل هذه التعليقات وغيرها الكثير في ذيل أي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أو خبر في الصحافة، عن تعرّض طفلة، فتاة أو امرأة للتحرّش اللفظي أو الجسدي، العنف اللفظي، الجسدي أو الاغتصاب.

التعليقات تتضمن الكثير من التشكيك والتكذيب والسخرية واللوم التي ترميها حسابات وهمية، أو حتى حسابات لشخصيات حقيقية تحمل الفكر الذكوري الذي يلوم المرأة على كل ما يحدث في العالم من مصائب، ويجد صعوبة في توجيه الاتهام لأي رجل أقدم على ارتكاب خطأ أو جريمة، ويجد له المبرر دائماً.

بعض الرجال يبحثون عن أي منشور من هذا النوع لطرح أسئلتهم الوجودية: ماذا كانت تلبس؟ لماذا كانت تمشي لوحدها؟ كيف سُمح لها بالخروج من المنزل؟ لماذا تضايقت من مغازلة عادية؟ هذا عدا عن التبريرات وتصغير وتسطيح الجرائم من شاكلة: "تحدث في كل مكان"، و"ماذا يعني إذا غازلك؟" "اجلسي في بيتك ولا أحد سيعتدي عليك؟"، "لماذا الفضائح على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟" "معروف عن هذه الفتاة عه*ها وفجو*ها"، "لو كانت غير راضية لما فعل ذلك".

بينما آخرون يفضلون نفي الخبر عبر التشكيك في وقوع أي حادثة من أي نوع: "إذا كنت صادقة لماذا لم تذهبي للشرطة؟"، "أنت قبيحة من سيشاهد وجهك أو يتحرش فيكي إلا أعمى"، "من غير المعقول الأهل يعملوا هذا بابنتهم"، "تريدين زيادة المتابعين عبر ابتداع قصص خيالية"، كل ذلك دون أدنى اعتبار لمشاعر الضحايا والمتضررات والناجيات من التحرش، الاعتداء أو الاغتصاب.

المشككون والمكذبون استندوا لقرار زينب بالحديث عن تعرضها للاغتصاب بخلع الحجاب منذ سنوات، فيما عزا آخرون السبب في عدم تصديق قصتها إلى كونها تحمل الفكر النسوي! الذي يطالب بالمساواة بين المرأة والرجل، (وهو ذنب لو تعلمون عظيم)

قررت زينب من البحرين، منذ أيام، الخروج عن صمتها والحديث عن تعرضها لاغتصاب متكرر في طفولتها من ثلاثة أشخاص من عائلتها ليدمروا حياتها تدميراً كاملاً، حسب تعبيرها، وهو ما فتح الباب لأخريات ليكتبن قصصهن عبر المنصة ذاتها، علناً أو في الخاص.

استخدمت زينب تويتر كمنصة لهذا الإعلان الذي لاقت من خلاله الكثير من الدعم والتضامن، وأدى إلى تواصل الأجهزة الأمنية بها، كما تواصلت معها جهات تهتم بشؤون المرأة، كالمجلس الأعلى للمرأة في البحرين، كما لاقى هذا الإعلان الكثير من التشكيك والتكذيب والتقليل من شأن المعاناة.

فالمشككون والمكذبون استندوا لقرار زينب بخلع الحجاب منذ سنوات والتوقف عن ارتدائه، فيما عزا آخرون السبب في عدم تصديق قصتها إلى كونها تحمل الفكر النسوي! الذي يطالب بالمساواة بين المرأة والرجل، (وهو ذنب لو تعلمون عظيم)، كما أتخذ آخرون من دعم زينب للحريات الشخصية، وعلى رأسها المثلية الجنسية، سبباً لكي يكذبوا قصتها، وحتى عدم التواني في تقرير أن ما حدث لها "تستاهله"!

لا أنكر دور وسائل التواصل الاجتماعي في منح المرأة في كل مكان، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبشكل خاص أكثر في الخليج، الفرصة والمساحة والمكان للتعبير عن أنفسهن، فلم أكن أعلم شخصياً قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك ناشطات سعوديات يطالبن بحقوقهن قبل حوالي 10 سنوات، كما شهدنا في السنوات الأخيرة دور هذه المنصات في إنقاذ بعض النساء من براثن اختطاف أو احتجاز أو اعتداءات، كانت تقوم بها عائلات وشركاء تلك النسوة، أو حتى فضحها ودون السماح لها بالمرور مرور الكرام كما كانت قبل عصر التكنولوجيا.

إلا أن هذه المنصات الاجتماعية أصبحت مصدراً للأذى النفسي الذي قد يمتد لكونه جسدياً في بعض الأحيان، فالكثيرون، بطريقة ممنهجة أو عفوية، يؤذين النساء اللواتي لم يجدن إلا وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن معاناتهن وألمهن، ومنحت الفرصة للكثيرين للتعبير عن العنف الاجتماعي بأريحية ودونما الشعور بأي ذنب أو جريرة.

عزيزاتي النساء، صمتكن يقود لتمادي المعتدي والمتحرش والمغتصب، أنت لست مذنبة ولست السبب، السبب الوحيد للاغتصاب والتحرش هو القائم بالفعل، اخرجي عن صمتك، جدي طريقة، وإن كانت غير مباشرة، لإيصال صوتك ومعاناتك، إبداعك وجمالك أيضاً

بالتأكيد استطاعت المعلومات والوسائل والأدوات التي توفرت عبر الإنترنت، في تنوير الكثيرات، كما الكثير من الأقليات، بحقوقهن التي لازال المجتمع الذكوري يناقشها ويمنعها ويتحكم فيها، ويستنكر على الفتيات أو النساء الحديث عنها أو المطالبة بها، مرة باسم الدين والقانون، ومرة باسم العادات والتقاليد.

كما استطاعت النساء في الخليج خلق حلقات ومجموعات تضامن ودعم لبعضهن البعض ضد المتحرشين والمغتصبين، وحتى المدافعين عن الفكر الذكوري، المستفيدين من كل ما يقدمه من امتيازات، من هيكلية وتراتبية وحقوق وحريات، في المقابل توزع بالمزاج وبالقطارة، حسب المرحلة السياسية والاقتصادية، الحقوق على النساء.

زينب هي مثال واحد للعديد من النساء اللواتي اخترن وسائل التواصل الاجتماعي للإفصاح، حصد الدعم، التنفيس والإخبار، ولو كانت هناك آليات أخرى تحتضن هؤلاء النساء ومعاناتهن لما توانين عن التواصل معها، فلا المجتمع ولا العائلة في أغلب الأحيان، ولا الشركاء ولا القانون ولا منفذو القانون، مشهود لهم بالوقوف مع النساء أو إنصافهن أو الذود عنهن.

عزيزاتي النساء، صمتكن يقود لتمادي المعتدي والمتحرش والمغتصب، أنت لست مذنبة ولست السبب، السبب الوحيد للاغتصاب والتحرش هو القائم بالفعل، اخرجي عن صمتك، جدي طريقة، وإن كانت غير مباشرة، لإيصال صوتك ومعاناتك، إبداعك وجمالك أيضاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image