"فيقي، قلقتي لي منامي"، تصحو فاطمة حجازي، ربة منزل من غزة (55 عاماً)، فزعة في منتصف الليل، والنوم، على صوت زوجها الحاد، والغاضب.
ربما يعتبر البعض، أن إصدار أصوات أثناء النوم أمر مزعج، ولكن ليس بالقدر الذي يهدد العلاقة بين الطرفين "الزوجين"، ولا يستدعي ردود أفعال عصبية، وغاضبة، ولكن من يمرون بهذه المشكلة (أن يكون الشريك/ة ذا شخير عالي أثناء النوم) لهم رأي آخر.
"يسخر زوجي من شخيري المتواصل".
تقضي فاطمة يومها في أعمال منزلية مرهقة، وبمجرد أن يحل المساء، وتسدل السماء ستارها، تنام وهي منهكة، تقول لرصيف22: "منذ بداية زواجنا الذي تجاوز عقده الثالث، دائماً ما يسخر زوجي من شخيري المتواصل طوال الليل،ولأنني كثيرا ما أرهق نفسي بالأعمال المنزلية، أخلد كل ليلة للنوم بإرهاق، وتعب شديدين، فلا أشعر بنفسي إلا وزوجي يوقظني من نومي بصوته الحاد".
ولكن زوجها لم يكتف بالغضب، وصل به الأمر أن هددها أكثر من مرة بالطلاق، ليتخلص من إزعاج شخيرها، تقول: "في إحدى المرات اتصل بأهلي بعد منتصف الليل، وقال لهم خدوا بنتكم، ركبها جن، من حد ما تنام وهي بتدروش".
حاولت فاطمة التعايش مع هذا الوضع، إلى أن ركلها زوجها مرة في بطنها وهي نائمة، وتسببت ركلته في إجهاض حملها، والسبب شخيرها، حينها قررت إنهاء المعاناة.
دينياً، بحسب الفقه السني في غزة، يرى الداعية عادل محسن أن الزواج في الدين الإسلامي يقوم على مبدأ "لا ضرر ولا ضرار"، أي أنه "في حال وقوع الضرر على أحد الزوجين، ضرر نفسي، أو صحي، أو ما يضره في دينه، ولا طاقة له به، فلا إثم عليه في طلب الطلاق".
"في إحدى المرات اتصل بأهلي بعد منتصف الليل، وقال لهم خدوا بنتكم، ركبها جن، من حد ما تنام وهي بتدروش"
لا يعتبر محسن طلب الطلاق بسبب الشخير "إثماً"، وفي ذات الوقت يرى أنه "لا مبرر لأحد الزوجين أن يطلب الطلاق بسبب الشخير، لكونه سبباً بسيطاً، وسهل التحمل، لا يجوز هدم بيت كامل، وحياة أسرة مستقرة بسببه، ولكن من يفعل ذلك لا يرتكب إثماً".
قررت فاطمة أن تذهب إلى طبيب، وبعد فحوصات نصحها بالرياضة، لأن البدانة هي التي تسبب لها حالة الشخير.
تنهي فاطمة حديثها قائلة: "الآن أعيش حياة مستقرة لا تهديد فيها بالطلاق".
"زوجي مسحور"
يعتقد البعض أيضاً أن الشخير يعكس حالات مرتبطة بالجن، فهو يشير إلى أن صاحبه مسحور أو ممسوس، أو أن أحداً عمل له عملاً سحرياً ليؤذيه، أو أن جنياً يطارده، وقادر على أن يحرمه من التمتع بنوم هادئ، خاصة إذا عجز الأطباء عن حل المشكلة.
هكذا فكرت أم طلال، امرأة ستينية، حيال زوجها، تقول لرصيف22: "لمن زوجي يزود التشخور، بحط يدي على قلبي، بقول الله وكيلك ليلتنا بالصلاة على النبي".
ترى أم طلال أن الشخير يجلب النحس، والشؤم، ويمنع البركة من دخول المنزل، تضيف: "كنا طالعين في سفر أنا وهو، وفي الطريق بحكم المسافة الطويلة، غفي، ونام، وصار، يشخر، قلت باين عليه مشوارنا مقضي، صرت اصحي فيه، أقول من شان الله خلي النهار يمضي على خير، فعلاً صار معنا حادث سير".
"زوجتي سهرانة"
كان أحمد عبد العال (45 عاماً)، موظفاً في شركة خاصة في غزة، يعرف بهدوئه في النوم، ولكن مؤخراً لاحظ سهر زوجته بشكل متواصل على مواقع السوشال ميديا، فساوره شك بأنها تستغل نومه لإقامة "علاقات غير مشروعة".
تغير سلوك أحمد حيال زوجته، صار عدوانياً أكثر، لم تطقه زوجته، وتجنباً لهدم العلاقة الزوجية صارحها بسهرها المتواصل على السوشال ميديا، فكانت الصدمة، يقول: "لما سألتها عن سبب سهرها المتواصل على مواقع التواصل، ردت هي من صوت شخيرك العالي منذ فترة، ولا تستطيع النوم في مكان آخر منفصل لعدم توافر أماكن أخرى متاحة في المنزل".
شك عبد العال في سهر زوجته المتواصل على السوشال ميديا، ظن أنها تقيم علاقات مع آخرين، ولما سألها عن السبب، أجابت: "من صوت شخيرك العالي"
مثل فاطمة، قرر أحمد أن يجد حلاً، ذهب لطبيب، فاكتشف إصابته بالتهابات مجرى التنفس، فأجرى عملية جراحية، وبعدها تخلص من الشخير، وكفت زوجته عن الشكوى.
يعلق الدكتور أحمد سعيد الجدبة (أخصائي الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى الشفاء بغزة) لرصيف22: "يعد الشخير ظاهرة اجتماعية، تتسبب في حدوث المشكلات بين الأزواج؛ فحوالي ٢٥% من الأزواج في إنجلترا ينامون في غرف منفصلة، تجنباً لما قد ينتابهم من إزعاج صادر عن الشريك".
وأوضح الجدبة أن الشخير يحدث نتيجة لعدة أسباب، أهمها ضيق مجرى التنفس نتيجة للإصابة بالالتهابات، وما شابه، أما الأسباب الأخرى فترجع إلى الإرهاق الشديد، والإعياء الجسدي، والإصابة بالسمنة، وزيادة الوزن المفرطة، مبيناً أن علاج المشكلة يمكن من خلال إجراءات، وتدخلات جراحية، تتم في حالة كان الشخص المصاب بعرض الشخير يعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي، أما في الحالات الأخرى فيوصي دائماً بممارسة الرياضة، والحفاظ على الوزن.
"شخرت حتى وضعت مولودي"
تقول حنان (30 عاماً) وتعمل محامية، عن أزمتها مع الشخير: "عادة لا أعاني من الشخير، ولكن خلال فترة حملي الأخير منذ أربعة أشهر، كنت أعاني من الشخير المتواصل خلال ساعات النوم، خصوصاً في أشهر الحمل الأخيرة؛ الذي أصبح فيه القلق هو جزء لا يتجزأ من حياتي اليومية، وذلك ما كان يزعج زوجي كثيراً، ولكونه لم يكن ليتحمل الصوت قرر مغادرة الفراش، والنوم بمفرده في غرفة أخرى، واستمر الحال هكذا حتى وضعت مولودي".
وتضيف : "قبل أن يقرر زوجي النوم بغرفة أخرى، استيقظ في إحدى المرات، صار يتفوه بالعديد من العبارات الغاضبة، فاستيقظت أنا كذلك على صوته، واعتذرت له لكون هذا الأمر خارجا عن إرادتي، واقترحت عليه أن ينام بالغرفة الأخرى، فوافق على اقتراحي، واعتذر مني لأنه لم يستطع تحمل ما أمر به، والتأقلم معه".
"اقترحت عليه أن ينام بالغرفة الأخرى".
تعلق الطبيبة النفسية، الدكتورة أمل عدنان، أن المعاناة، واضطرابات بعض الأفراد النفسية تكون سبباً في معاناة أصحابها مع الشخير ليلاً أثناء النوم، للدرجة التي قد تسبب لهم الإحراج عند النوم في محيط أفراد آخرين، وشعورهم بالضيق.
توضح عدنان رأيها أكثر، لرصيف22: "الشخير لا يفرق بين فئات المجتمع، ولا يستهدف عمراً و جنساً، وسناً محدداً، فهو إشارة لمرض، لكنه أكثر شيوعاً لدى الرجال، وحالة تصيب العديد من النساء أيضاً، ويرتفع عند االحوامل نتيجة احتقان الأنف واحتباس السوائل، إضافة إلى زيادة الوزن والتغيرات الهرمونية".
ونصحت الطبيبة كل فرد يعاني من الشخير دون سبب عضوي معين، وواضح أن يستشير طبيباً نفسياً، فربما مشكلته نفسية، وليست عضوية من الأساس، كما يجب أيضاً عليه ممارسة تمارين الاسترخاء البسيطة داخل البيت، لتحسين عملية التنفس لديه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...