يتعرض الرجال والنساء على حد سواء إلى الرفض من الآخر، سواء في بداية العلاقة أو في منتصفها، وتجتاح البعض منهم مشاعر استياء، وغضب، وفي مجتمعات تعيش فيها المرأة، في بنية اجتماعية وقانونية ذكورية، تتسامح بقدر أكبر مع سلوكيات الرجال الانتقامية، مما يؤثر بشكل بالغ على مشاعرها، وتصورها عن ذاتها.
في قوانين دول عربية عدة، تعتبر "جرائم الشرف" خير مثال لشرح مدى سيطرة رغبة الانتقام لدى الرجال والنساء، فالقانون المصري رقم 237 ينصّ على أن الرجل الذي يقتل زوجته الخائنة لن تتخطى عقوبته ثلاثة أعوام، وهو أخف حكم لقاتل، ويمكن أن تقل لعام واحد مع إيقاف التنفيذ، إن لم تكن البراءة في بعض الأحيان، وتندرج تحت اسم "جرائم قتل بدافع الشرف".
أما المرأة فيطبق عليها الحد الأقصى من العقوبة، بالمؤبد أو حتى الإعدام، فمن الناحية النفسية تكون تلك القوانين مبرراً للرجل بأنه هو الأكثر عرضة لفقدان عقله، وعدم التحكم في ردود أفعاله الخاصة بالثأر لما يعتبره "شرفه" و"كرامته".
فإلى أي مدى يمكن أن يصل الرجل في رغبته بالانتقام، وإحساسه بذاته أثناء ممارسة "جريمته" وبعدها، وإلى أي مدى يمكن أن تتأثر المرأة محل الانتقام.
من يشوه جمال فتاة لا بد أن يكون من فصيلة الشياطين
لا توجد إحصاءات عربية حول انتقام الرجل مقارنة بانتقام المرأة، ولكن تداولت العديد من المنصات الإلكترونية العربية تقريراً منسوباً لمجلة "علم النفس اليوم"، جاء فيه أن نسبة الانتقام دون ندم لدى الرجال والنساء تتخطى 70%، احتل الرجال فيها الصدارة، بنسبة 24% بدافع الرفض، و17% بدافع الخيانة، و 26% بسبب خلافات العمل.
"انتقام حبيبي الأول"
"صرت خائفة، كلما رنت هواتف أبي أو شقيقيّ، أصبحت لا أثق حتى في صديقاتي، أما فكرة الارتباط أو الزواج فقد تناسيتها، أنا في عرف المجتمع لي ماضٍ ملوث".
بهذه الكلمات بدأت أسماء (28 عاماً)، تسكن في محافظة الجيزة المصرية، تروي معاناتها مع انتقام صديق لها، تقول عن التحول الذي طرأ على شخصيتها: "كنت شابة مفعمة بالحياة، وثقتي بنفسي تفوق الوصف، كانت لدي شخصية مميزة، تجعل الرجال تنجذب لي بسهولة، ولكن في الوقت ذاته كنت غير مستعدة للعلاقات العميقة، فقط أكتفي بشعور لذة البدايات مع الرجال، والتى تتخلص في كلمات غزل بلا التزام".
تعرفت أسماء على شاب عبر موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، وتطور الأمر لمقابلات، وبدأت تشعر بحبه لها، ورغبته في تطور العلاقة، ولكنها آثرت أن تقطع علاقتها به، خاصة بعد معرفتها بأنه متزوج.
بدأت تصلها رسائل تهديد، وصدمت عندما رأت صوراً لها مع شخص كانت تحبه، اكتشفت أن "حبيبها الأول" هو صديق للأخير المتزوج، قابلتهما، وأهانوها وحطوا من كرامتها، وقال لها صديقها المتزوج أن ما يفعله معها "حلال"، لأنه انتقام من رفضها علاقة حب مع الأول.
كان يطاردها، فوجهت له آمال الإهانات، التي تقبّلها كلّها، ولكن ما لم يتقبله هو أن يراها مع رجل آخر، وعندما أخبرته أنها تحب شخصاً غيره، قرر أن يحرق وجههها
تقول أسماء: "قاموا بتهديدي، وتدميري نفسياً بكلمات قاسية، لم أكن أتخيل أن الشخص الذي كنت أحبه، وصديقي المتزوج صديقان مقربان، وأن كل ما يحدث هو رغبة من الأول في الانتقام، بعد أن أنهيت علاقتي معه، رغم أن نهاية علاقتنا لم تخل من الثقة والاحترام".
مرت سنة على تلك القصة، ورغم أن خوفها من الفضيحة بدأ يتراجع، لكنها لم تعد الشخصية التي كانت، فالخوف لا يزال يلازمها، وانعدمت ثقتها في الآخرين، ولا تزال تتذكر وقع تلك الكلمات القاسية، وبات لديها ميول أكبر للاستسلام للواقع، دون مقاومة.
"امرأة جميلة ورجل شيطان"
"ما زلت حتى الآن، رغم مرور 11 عاماً على هذا الحادث المشؤوم، تراودني الكوابيس دوماً، ويستيقظ الجميع على صراخي، فما زال أثره حياً، ليس فقط على وجهي، ولكن على كل جزء في داخلي"، تقول آمال نجمي (29 عاماً)، تسكن في مدينة فاس المغربية.
تعرضت آمال لانتقام صديق لها، في فترة مبكرة جداً من حياتها، تقول لرصيف22: "كنت في السنة الأولى بالجامعة، وكنت الأبرز بين زميلاتي، نظراً لجمال مظهري، وشخصيتي القوية، وكنت أعتبر رفض الرجال أمراً طبيعياً، ولكن كان هناك شاب يحاصرني لدرجة جعلتني أوجه له العديد من الإهانات، ورغم ذلك كان يتقبلها".
ما لم يتقبله هذا الشاب هو إعلانها له أنها تحب غيره، وبدأ يراها مع صديقها يومياً، تقول: "قرر أن يحرقني، ودون سابق إنذار وجدت سائلاً يلقى بوجهي عن طريق شاب يقود دراجة بخارية، لم يكن يخفي وجهه، وكأنه أرادني أن أراه".
"لم يحرقني فحسب بل دمر حياتي".
"لم يحرقني فحسب بل دمر حياتي، تركت الجامعة، ولم أقو حتى علي الخروج للعمل، أصبحت ضعيفة منطوية أحلم فقط بأن تمر الأيام حتى تنتهي حياتي".
قدمت الكاتبة الإنجليزية كايت بيبر عام 2011 تجربتها مع هجوم الحمض الأسيدي في كتاب "جميلة"، وكتبت على غلافه "امرأة جميلة، ورجل شيطان" في إشارة لأن من يشوه جمال فتاة لا بد أن يكون من فصيلة الشياطين.
تتداول النساء الكثير من تلك القصص الانتقامية، ونادراً ما تجد امرأة لم تتعرض صديقة لها، أو قريبة أو أخت لفعل أو تهديد انتقامي، إلى الدرجة التي تتفاعل معها حالات الانتقام الذكورية مع الأساطير الشعبية، لتتخذ شكلاً أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع.
"السحر الأسود"
أسيل (32 عاماً)، سعودية تسكن في الرياض، تعتقد أن خطيبها السابق الذي رفضته مارس السحر الأسود عليها، وأن ما تعانيه من آلام هو بسبب "انتقامه السحري".
تقول أسيل: "منذ 7 أعوام تقدم لخطبتي شاب من الجيران، ووافقت عائلتي، نظراً لحسن خلقه، بالإضافة الى تفوقه في التعليم وحياته العملية، وبالفعل تمت الخطبة على أن يسافر خطيبي 6 أشهر إلى دبي لاستلام وظيفته ثم يتم الزواج فور عودته".
بعد مرور ثمانية أشهر، وانقطاع أخباره، تزوجت هي من آخر، عقب انتشار شائعات عن زواجه بإحدى زميلاته، إلا أنه عاد، وكذّب الشائعات، وطالب بإتمام الزواج، ولكنها رفضت.
أرجعت سبب المرض لاستخدام ذاك الخطيب السحر الأسود انتقاماً منها.
اعتبرت أسير الانقطاع الطويل لخطيبها الأول "إهانة كبيرة لها ولعائلتها"، وبعد فترة أحست بمرض. أرجعت سببه لاستخدام ذاك الخطيب السحر الأسود انتقاماً منها، خاصة بعد أن ذهب بها والدها للعديد من "المشايخ" في أكثر من دولة عربية، وشددوا كلهم على أنها وقعت تحت تأثير نوع من السحر الأسود.
وترد ريم الشاذلي، أخصائية السلوك النفسي والعلوم الإنسانية، تلك القصص الخاصة بالسحر الانتقامي إلى الأسباب النفسية والاجتماعية المصاحبة للواقع، وترى أن رجال الدين في الفترة الأخيرة يستغلون إيمان الناس بالجن والسحر، ويدّعون المعرفة بتلك الأعمال السحرية، وإبطالها، ويتربحون على حساب الضحايا.
وتشير إلى أن تفوق الرجال على النساء في ما يخص الانتقام، نابع من العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة حول المرأة التابع، التي لا تملك خيارات الرفض، وليس لتفوق نوعي مزعوم للرجل.
وتضيف: "الأمثال الشعبية القديمة تقول "ضل راجل ولا ضل حيطة"، الرجل هو القائد والمسيطر ولديه القدرة علي أن يجعلها في نظر المجتمع عانساً، لأنه هو من يتقدم للخطبة، وليست هي، بالإضافة إلى قائمة الممنوعات من الحب، والاختلاط، وحتى الخطوة الأولى للتعبير عن الإعجاب، وهذا ما يجعل الرجل يشعر بغضب أكثر في حالة الرفض، ويقول لنفسه: من هي حتى ترفضني، من يتمتع برجولة أكثر لتفضله عني، كيف تجرؤ على رفضي، بالإضافة إلى أن الكثير من الرجال يتغلب غضبهم على عقولهم".
ربما الاستماع لحكايات الناجيات بات "كليشيه" عند البعض، ولكن آثار هذا الانتقام تبقى مستمرة وحية، في نفوس الكثير من النساء حتى اللاتي لم يتعرضن لتلك التجارب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...