رغم قلة الثقة في العلاج بالطاقة في غزة عند بداية ظهورها قبل عدة سنوات، فقد بدأت تأخذ منحى إيجابياً، وبدأ الإقبال يزداد على عيادات محدودة للعلاج بالطاقة. وبين قبول واقتناع بالنتائج، واستهجان واستهانة بالفكرة، يحاول القائمون على هذه المراكز تطويرها، والحصول على تراخيص باسمها الفعلي "مراكز علاج بالطاقة".
"البداية صعبة جداً"
لا يزال البعض في قطاع غزة لا يستوعب تلك اللغة الجديدة في التحدث عن عوالم تخص الروح، إذ يحيلونها إلى مفاهيم مختزلة، ذات مسحة دينية، ترى أن ما يقوم به المعالجون بالطاقة عمل من أعمال السحر والشعوذة.
واجه محمد أبو رجيلة (41 عاماً)، حاصل على درجة الماجستير في علوم الطاقة الكونية، ومدير مركز "فيوتشر ماجيك"، العديد من العقبات، وسوء الفهم في بداية مشروعه، يقول لرصيف22: "كانت بدايتنا في العيادة صعبة جداً، وعدد الزوار قليل جداً، الناس خافوا من التعامل معنا".
يستفيض أبو رجيلة، في شرح ما حدث له: "في ناس اتهمتنا إنه احنا مشعوذين، وبداخلنا جن"، وتابع: "ولكن هدفي الأساسي في العلاج هو القدرة على حل مشاكل الناس، والتأثير فيهم إيجابياً، لذلك نرفض الحالات التي تأتي إلى المركز من أجل فك السحر، وللأسف تؤمن الناس في السحر أكثر مما تؤمن بعلوم الطاقة".
"كنت أعاني من أعراض شبيهة بأعراض مرض الصرع، وتعالجت كثيرًا، حتى أنني ذهبت لمشعوذ بعد أن اعتقدت أسرتي أني ضحية سحر، حتى بدأت العلاج بالطاقة، وكان الأمر مجرد شحنات كهرباء بحسب ما قيل لي"
قرر أبو رجيلة الذهاب إلى القدس، ودراسة الماجستير في علوم الطاقة، بعد أن انتباته مشاعر روحانية "غير قادر على ترجمتها"، وكذلك اطلاعه على بعض الكتب والأبحاث.
بعد الانتهاء من الدراسة، رجع الى غزة، واصطدم بطريقة تفكير الناس عندما كان يحدثهم عن هذا النوع من العلاج، ووصفهم للمعالجين بالطاقة بـ"السحرة والمشعوذين"، لكن كل ذلك لم يمنعه من إنشاء مركز "فيوتشر ماجيك".
"علم قديم"
وتقوم فكرة العلاج بالطاقة على معالجة المشاكل النفسية والجسدية، والعمل على إحداث توازن في العقل والجسد، عن طريق "تنظيف مسارات الطاقة داخل جسم الإنسان، وتفعيل نقاط الأقدام واليد"، بحسب أبو رجيلة.
يعقب أبو رجيلة:" علم الطاقة علم قديم جداً، فكرته انطلقت بالأساس من مبدأ أن كل شيء مما حولك هو عبارة عن طاقة، لذا في هذا العلاج نعمل على استقطاب الطاقة الكونية عند كل إنسان لتحفيز المشاعر، وتوازنها لأن كل مرض جسدي له سبب نفسي".
ويعود الفضل في تطوير علم الطاقة إلى ميكاوي أوسوي، الذي قام بتطوير الريكي أو العلاج بالطاقة منذ عام 1922، إذ كان يؤدي تمارين بوذية تسمى اسبو جاو لمدة 21 يوماً على جبل كوراما، وأثناء التمارين لم يكن يعرف ما هي التمرينات سوى أنها تتضمن بعض الطقوس الروحانية كالصوم وأداء الترانيم البوذية والصلاة والتأمل، ومن هنا جاءت فكرة العلاج بالطاقة، إذ كان يستمد "قوته الروحية"، ومعرفته من الخلال "الوحي الروحاني"، فأسس أول معهد لممارسة العلاج بالطاقة، وظل يمارسها، وقام بتدريسها إلى أن توفي عام 1926.
يقول أبو رجيلة: "أخيراً تم تطوير العلاج بالطاقة على مستوى العالم، وبدأ يدخل في الجامعات والمعاهد، وله كتب تدرس، ونظريات مهمة جداً، ونحن هنا نسعى لتطويره، ومواكبة ما يحدث في العالم"
"شحنات زائدة في جسمي"
ومن الأمراض التي تعالج داخل مراكز العلاج بالطاقة الصداع المزمن، والتبول اللاإرادي للكبار، من خلال تحفيز عضلات المثانة، حتى يمكن السيطرة، والتحكم بها، إضافة الى علاج الوسواس القهري.
إحدى الحالات البارزة في مركز "فيوتشر ماجيك" كانت رنا (33 عاماً)، التي لجأت إلى العلاج بالطاقة بعد مواجهتها عدة مشاكل مع زوجها، وهي كانت ترى أن شخصيتها ضعيفة، فقويت بصيرتها، وتعلمت كيف تحدد المشكلة، ولا تخاف أو تستسلم.
ورنا كحال عشرات المعنَّفات اللاتي لجأن للعلاج بالطاقة بهدف إعادة توزان مشاعرهن، وأفكارهن، وتصوراتهن عن أنفسهن.
ولا يخجل أنور سليم (42 عاماً)، من الحديث عن تجربته في العلاج بالطاقة، يقول لرصيف22: "كنت أعاني من أعراض شبيهة بأعراض مرض الصرع، وتعالجت كثيرًا، حتى أنني ذهبت لمشعوذ بعد أن اعتقدت أسرتي أني ضحية سحر، حتى بدأت العلاج بالطاقة، وكان الأمر مجرد شحنات كهرباء بحسب ما قيل لي".
ولم يتردد أبو حسام (58 عاماً) في خوض تجربة العلاج بالطاقة، بعد أن أمضى سنوات طوالاً في عمل الحجامة لعلاج أمراض العمود الفقري في أحد مراكز تروج لنفسها بأنها تعالج بـ"الطب النبوي"، لكن الأمر كان يحتاج قليلاً من التدليك، والعلاج بالموسيقى، خصوصاً أنه يعتقد أن سبب الآلام يعود للتوتر والقلق.
من مريضة الى معالجة
رشا عوض (37 عاماً) تدرس الماجستير في الصحة النفسية حالياً، وعلم طاقة عن طريق الانترنت "أون لاين" لعدم قدرتها على السفر، ولفقر جامعات غزة لهذا التخصص.
تقول رشا لرصيف22: "حين عرفت بوجود مركز يعالج بالطاقة ذهبت إليه حتى أتعرف على الناس التي من الممكن أن أتناقش معها في هذه الأفكار، ومن دائرتي، خاصة إذا كانوا أشخاصاً متقدمين عني في المجال".
تتنهد رشا، وتكمل مبتسمة: "من الجميل أن تجد من يفهم عليك، لذلك درست علم الريكي، وتقنية TFTt، وهما يساعدانك في التحرر على مستوى المشاعر، وتجاوز مواقف وذكريات الماضي، وهذه التقنية مشهورة في 94 دولة، لكن هذا العلم جديد في غزة".
بعد الانتهاء من جلسات العلاج بالطاقة، قررت رشا دراستها عبر الانترنت، ثم انطلقت وعملت في قصر العدل، تدرّس دورات في التنمية والطاقة، وتقول: "بت أمتلك شخصية جديدة، جريئة، وقوية، ومنطلقة. أنا الآن إنسانة جديدة".
المنزل الطاقي للاستشفاء
أثناء فترة انتشار جائحة كورونا، يقول أبو رجيلة أنه عالج عبر الأون لاين وتطبيق تليغرام أشخاصاً من دول عربية عدة، مثل اليمن وقطر والعراق.
وتكمن المشكلة الأساسية لدى مراكز العلاج بالطاقة في صعوبة الحصول على تصاريح حكومية لهذه المراكز، فحكومة حركة حماس "الإسلامية"، التي تسيطر على قطاع غزة، ترى هذا النوع من العلاج قريباً من طقوس الديانات البوذية، بحسب أبو رجيلة.
ويقول أبو رجيلة: "هنا للأسف لا يوجد وعي بأهمية هذا النوع من العلاج، خصوصاً من قبل الجهات الرسمية، فمركزنا مرخّص كمركز للعلاج الطبيعي، والتدليك، لأن وزارتي الصحة والداخلية رفضتا ترخيصه كمركز للعلاج بالطاقة، بحجة أن مثل هذه المهنة غير مدرج في المهن الصحية المرخصة لدى الحكومة، على الرغم من أننا نتبع الأسلوب العلمي في التشخيص والعلاج بعد طلب آشعة من المريض، لأحدد إن كان بحاجة لجلسة طاقة أو علاج طبيعي أو بحاجة لطبيب متخصص".
"حكومة حركة حماس، ترى هذا النوع من العلاج قريباً من طقوس الديانات البوذية، والناس خافت مننا، وتعاملت معنا كالسحرة"
ينطبق الأمر على مركز الجمال للرفلكسولوجي، وسط قطاع غزة، والذي حسب ما يروّج لنفسه عبر صفحته على فيسبوك، يهتم بتحفيز النقاط الانعكاسية، ومسارات الطاقة الحيوية، والعناية بالجسد، إضافة الى منشورات عديدة تشرح طرق تنشيط شاكرات الجسم المحفزة للطاقة الإيجابية عبر أغذية معينة أو تدليك الجسم، إضافة الى العلاج بالطب الشعبي الصيني والهندي، الذي يتقاطع بدرجة كبيرة مع طرق العلاج بالطاقة.
كذلك خبيرة علوم الطاقة د. مي نايف، عملت على إنشاء مركز متخصص للتدريب والاستشارات، تنفذ من خلاله عشرات الورش التدريبية المتعلقة بالعلاج بالطاقة إضافة إلى استخدام صفحتها على فيسبوك لنشر الطاقة الإيجابية، قائلة في آخر بث مباشر خلال الحجر المنزلي: "نحن هنا جميعاً نوجه طاقة امتنان إيجابية، لله ورسله وملائكته ولأرضنا ووطننا، ولغزة تحديداً، وشعبها، ولأنفسنا نريد أن نخلق طاقة شفاء تعم غزة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...