شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"الساحرة الشريرة إسرائيلية"... أن تحكي قصة لأطفالك قبل النوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 2 سبتمبر 201911:14 م
Read in English:

Bedtime Stories: The Wicked Israeli Witch

أذكر في طفولتي جيداً كيف كان وجه والدتي يتغيّر مساءً، تخلع قناع الحزم والصرامة عن ملامح وجه ودودة، وحالمة، وتروي لي ولإخوتي قصصاً مشوقة، مثل "جبينة" و "نص ونصيص"، والكثير من الحكايات التي تحتلّ فيها "الغولة" دور البطولة، وتكاد تنخلع قلوبنا عندما تكرر جملتها الأثيرة "روح يا يوم، وتع يا يوم"، ليزيد شوقنا للقصة.

لطالما شكَّلت حكايات ما قبل النوم التي ترويها الأمهات والجدات، النافذة الأولى للأطفال على التراث الفكري والثقافي للشعوب- ولا تشكل فلسطين استثناء في ذلك- هذا بالطبع قبل أن يهدد هذا الطقس المسائي وسائلُ الترفيه الحديثة، كالهواتف الذكية، وأجهزة التابلت، والتي أضعفت العلاقة بالأم في مقابل زيادة التعلق بالشاشة، ومن مواد محكية مستلهمة من واقعه، وبيئته، إلى أفلام كارتون، وفيديوهات تعكس واقعاً آخر، وثقافة أخرى في الغالب.

سحر وأمان وحميمية

نداء عوينة، كاتبة صحافية من رام الله، تحافظ على هذا الطقس اليومي مع طفلتها راية (6 سنوات) وتضرب لها موعداً عند الساعة الثامنة والنصف، وقد يمتد لساعة لكثرة أسئلتها "المشاغبة".

وتقول عوينة: "لمَّا كنَّا صغارا، كانوا ستي وسيدي يروون لنا القصص. غالباً سيدي كان يحب القصص التي تشي بالذكاء والتحايل، مثل حديدون والغولة، أما ستي فكانت تحب القصص مثل قصة جبينة، أو العجيّزة والحليبات".

"نشأنا على هذه الحكايات. جيلنا مختلف عن جيل اليوم بسبب الميديا بشكل أساسي، إضافة إلى أنَّ الكثير من الأمَّهات يجدن ترك الطفل أمام التلفزيون أو الهاتف الذكي خياراً مريحاً".

لذلك قرّرت عوينة أن تكرّس ساعة ما قبل النوم لطفلتها راية، تقرأ لها قصّة أو تغنّي، وتقول لرصيف22: "وقت القصَّة هو وقت ترابط بيني وبين راية أكتر منه أيّ شيء آخر، وقت للاسترخاء أحضنها وأروي لها القصة إلى أن تستلم للنوم".

وتختار عوينة القصص بحرصٍ يتيح لها تمرير قيم اجتماعية ووطنية لطفلتها التي لا تتجاوز السادسة، بـ"التلاعب في أحداث القصة وسياقاتها"، كأن تجعل هوية الساحرة الشريرة إسرائيلية مثلاً، وتوضح "راية لا زالت صغيرة على فهم الصراع (العربي-الإسرائيلي) وكذلك المفاهيم المجردة مثل الوطنية والأخلاق، فأحاول تمرير المسائل القيمية عبر القصص".

"لا أحب قصص سندريلا والقصص الذكورية التي تدور حول الأمير كأنه المخلّص للفتاة"

وتضيف: "لا أحب قصص سندريلا والقصص الذكورية التي تدور حول الأمير كأنه المخلّص للفتاة من متاعبها، وأنه يجب عليها الزواج للخلاص، وأن تكون جميلة ومبهرجة لتحظى بالحب، هذه الأفكار مسمومة. لذلك أروي لها قصص زمان التي تمتدح الشخص القوي الذكي والخلوق، أو حتى مرات البهلواني والمضحك".

لكن راية لا تكتفي بالاستماع الهادئ للقصة، فهي قد تحتجّ على بعض الأحداث أو تقترح تعديلاً على القصة، كأن تصبح قصة "بياض الثلج والبنات العشرة" بدل الأقزام السبعة، أو قد تضع شروطاً مسبقة قبل روايتها.

"يتخيلون الألوان والروائح"

نور السويرك، وهي ناشطة نسوية من غزة، تقول إن رواية قصة قبل النوم تساهم في تحديد مسار علاقة الأطفال وأمهم، وتنمية ملكة الخيال لديهم، تجعلهم يتخيلون شكل البطل والألوان والرائحة، فهي تفضّل رواية القصص على اليوتيوب والهواتف الذكية.

تقول السويرك لرصيف22: إن القصة تمنح الأطفال مساحةً آمنةً إذا انتابهم الخوف جراء الأوضاع الأمنية في البلاد، أو بسبب حدث عائلي ما، أو مقطع يوتيوب مرعب، فيجدون في القصة ملاذاً آمناً لتسكين مخاوفهم.

تحاول السويركي، وهي أم لطفلين، غرس أفكار بنّاءة في شخصية طفليها عبر رواية القصص، قائلة: "أحرص أن يكون في القصة رسالة أوصلها، وأحياناً أستخدم مصطلحات لها دلالات حتى أدرجها في منظومتهم الفكرية. وليس شرطاً أن يفهموها بالكامل في لحظتها، لكنها تفتح التفكير ومقارنة المواقف بها".

 القصة تمنح الأطفال مساحةً آمنةً إذا انتابهم الخوف جراء الأوضاع الأمنية في البلاد، أو بسبب حدث عائلي ما، أو مقطع يوتيوب مرعب، فيجدون في القصة ملاذاً آمناً لتسكين مخاوفهم

البحث عن قصة بمعايير وأهداف السويركي ليس بالأمر الهين، وكثيراً ما تلجأ إلى تأليف قصص من بنات أفكارها لذلك ترى أن قصص التراث، المحلية والعالمية، تعكس أفكاراً نمطيةً ومبتذلة، خصوصاً فيما يتعلق بتسطيح صورة المرأة وعلاقتها بالرجل "البطل المخلص" وفق السويركي.

على الجانب الآخر، في ظل انشغال الأمهات خصوصاً العاملات منهن، يضطر بعضهن إلى ترك الطفل أمام الهواتف أو التلفزيون لساعات إلى أن يغلبه النعاس بدلاً من مجالسته ورواية قصص ما قبل النوم.

وتشرح منى حجازي (26 عاماً) ، فلسطينية مقيمة في تركيا، لرصيف22 تجربتها مع طفلها الأول، بأن طبيعة عملها في السابق كصحافية دفعها لترك طفلها لساعات أمام الهاتف، وهو ما تعزو له تأخر طفلها في الكلام.

وترى أن التكنولوجيا ليست سيئة بالمطلق إذ أنها ساعدت طفلها على التركيز بشكل أفضل، مع الرسوم والألوان والصوت المستخدم في الفيديو، ويتابع حركتها ويقلدها، لكنها تستدرك بالقول، إن هذا السلوك أحدث اضطراباً في النطق لدى طفلها، فهو "يرطن بلغة غير عربية ولا مفهومة".

الآن مع وجود طفلة أخرى، عمدت حجازي إلى الجمع بين التكنولوجيا ورواية القصص شفاهاً، إذ ترى أن حرمان الطفل من التكنولوجيا بالكلية، ليس تصرفاً حكيماً، موضحةً بالقول: "هناك رسوم تعليمية تعلم الطفل العلوم بحلقاتٍ جميلة وتشدّه، وكذلك القصص المروية المعتمدة على الأصوات أو الصور. لذلك صرت أدخل قصصاً معتمدة على الأصوات، أغيّر صوتي بما يناسب الشخصيات بالقصة، بنفس الوقت نشاهد في اليوتيوب رسوماً بالعربية ومفيدة كثيراً".

"لمَّا كنَّا صغار، كانوا ستي وسيدي يروون لنا القصص. غالباً سيدي كان يحب القصص التي تشي بالذكاء والتحايل، مثل حديدون والغولة، أما ستي فكانت تحب القصص مثل قصة جبينة، أو العجيّزة والحليبات".

"أطفال يسألون عن وطن ضاع"

جمع نبيل العريني، الكاتب في أدب الأطفال وقصص التراث الشعبي الفلسطيني، مجموعة حكايات كانت ترويها الجدات في كتابه "حكاوي ستي"، ويقول إنَّ كتابه المُصنَّف ضمن أدب الاطفال أو اليافعين يُشكِّل "وجبة دسمة" من التاريخ الجغرافيا، العادات والتقاليد، الفلكلور والتراث لتكون النتيجة هي الهوية الوطنية.

استلهم العريني فكرة كتابه، والذي لا يزال في مرحلة الطباعة، من قصص جدتيه لأمه وأبيه، ومروياتهن من التاريخ الفلسطيني الزاخر بالحكايا.

ويقول العريني لرصيف22 إن الدافع الحقيقي والأول وراء كتابتي لسلسلة "حكاوي ستي" دهشة ابنتيّ بيسان وجنين، اللتين وُلِدتا في المهجر، من أبوين لاجئين، وأجداد مهاجرين، وأقارب مشتتين في أنحاء هذا العالم، الدهشة والحيرة والحاجة الى الانتماء، الأرض والسماء والماء، جعلتهما تسألان عن وطنٍ ضاع في الوقت منذ أكثر من سبعة عقود، وأنا بصفتي أباً كان عليّ الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي يجب علينا غرس أجوبتها في أطفالنا.

وأضاف العريني: وجدتُ أنَّ "حكاوي ستي" سوف تسعفني بالإجابة عن هذا الكم الهائل من الأسئلة، كما يضمّ الكتاب الكثير من القصص التي كانت ترويها الأمهات والجدات لأطفالهن قبل النوم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image