في خطوة تحذو فيها حذو جارتها الأوروبية فرنسا، تعتزم ألمانيا افتتاح أول دورة تدريبية للأئمة على أراضيها في نيسان/ أبريل المقبل، في مسعى إلى "اجتثاث التطرف" في البلد الذي كان يستورد الأئمة من بلدان إسلامية، على رأسها تركيا.
وصف الباحث الإسلامي رؤوف سيلان "أول دورة تدريبية للأئمة في ألمانيا" والتي من المقرر أن تستضيفها جامعة أوسنابروك الحكومية، بأنها "خطوة حيوية في مكافحة التطرف"، وفق ما نقلته صحيفة "التلغراف". وتتطلع ألمانيا إلى إرسال أئمة أجانب إلى بلادهم في الربيع.
مخاوف من "الدعاة السلفيين المتطرفين"
لفت سيلان، وهو أحد مؤسسي مشروع تدريب الأئمة، إلى أنه "لا يزال 90% من الأئمة (في ألمانيا) يأتون من الخارج"، وأنهم "لا يتحدثون الألمانية والثقافة الألمانية غريبة عليهم"، مستدركاً بالقول إن "الشباب المسلمين يريدون أئمة يتحدثون الألمانية".
"خطوة حيوية في مكافحة التطرف"... جامعة حكومية تستضيف "أول دورة تدريبية للأئمة" في ألمانيا في نيسان/ أبريل المقبل أملاً في الاعتماد على أئمة ألمان عصريين يؤمنون بـ"التعددية الاجتماعية" لا "دعاة سلفيين متطرفين"
خلال صلاة الجمعة مثلاً، تبدو المنطقة المحيطة بمسجد "Şehitlik" -أحد أكبر مساجد برلين، الذي بُني على الطراز العثماني التقليدي- وكأنها ركن منسي في إسطنبول، حيث تصدح مكبرات الصوت باللغة التركية ويُحيي المصلون الأكبر سناً بعضهم بعضاً باللغة التركية.
تغيّر الأمر قليلاً في الأشهر الأخيرة إذ بدأ إمام جديد في تقديم الخطبة باللغة الألمانية للمرة الأولى في تاريخ المسجد الكبير. مع ذلك، يبقى الإمام تركياً.
لكن البروفيسور سيلان يعتقد أن متطلبات العصر تفرض وجود أئمة ألمان إذ قال إن "النوع القديم من الأئمة كان موجهاً لتلبية احتياجات الجيل الأول من المسلمين المهاجرين الذين قدموا إلى ألمانيا في ستينيات القرن الماضي"، مبرزاً أن معظم المسلمين الحاليين في ألمانيا وهم من الجيل الثالث لأولئك المهاجرين لا يتحدثون اللغة الأم لأجدادهم بشكل جيد.
علاوةً على ذلك، هو يرى خطراً في أن يلجأ هؤلاء الشباب المسلمون إلى الأئمة الناطقين بالألمانية مثل "الدعاة السلفيين المتطرفين". قال: "هؤلاء الدعاة السلفيون يتحدثون عادةً الألمانية ويفهمون كيفية إكساب الإسلام صبغة شعبية. يتحدثون لغة الشباب ويمكنهم الاستجابة لاحتياجاتهم، بينما الأئمة من الخارج غير قادرين على استيعاب عقلية الشباب".
للرجال والنساء… السنة والشيعة
لن تقتصر دورة إعداد الأئمة على تدريب تقليدي للأئمة باللغة الألمانية، وإنما سيتم تعليمهم كيفية إقامة الصلوات بما في ذلك صلاة الجنازة، جنباً إلى جنب مع دروس حول التعددية الاجتماعية والتطرف على نحو يمكنهم من حماية الشباب المسلم منه.
وبشكل لافت ستكون فرصة التسجيل في الدورة مفتوحة للمسلمين السنة والشيعة وحتى الرجال والنساء.
يخشى البعض مثل هذه الدورات أن تمثل محاولة لفرض أفكار ثقافية غربية على الإسلام، لكن إدارة مسلمين لهذه الدورة قد تجلب بعض الطمأنينة. علماً أنها تحظى بتأييد ودعم المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.
تتميز خطوة تدريب الأئمة في ألمانيا عن نظيرتها في فرنسا إذ بدأت انطلاقاً من رغبة المجتمع المسلم لا الحكومة، كما أنها ستكون متاحة للمسلمين السنة والشيعة، الرجال والنساء منهم
أوضح رئيس المجلس أيمن مزيك: "لا يوجد إسلام محافظ أو ليبرالي... هذه مفاهيم سياسية. الإسلام إيمان، عقيدة. لا تظهر هذه الأسئلة إلا عندما تبدأ في تسييس الإسلام".
وقال شاب ألماني مسلم لتلغراف إنه "لا يوجد في الإسلام ما يقول إنه لا يمكن أن يكون هناك أئمة من النساء"، متابعاً "من الأفضل أن تؤم المرأة نساءً، وأن يؤم الرجل المصلين الرجال. لكن لا يوجد سبب يمنعهن من الدراسة (ليصبحن إمامات)". وعبّر آخرون عن دعمهم لخطوة تدريب أئمة في ألمانيا، مؤكدين رغبتهم في وجود "إمام ألماني".
تدريب أئمة أوروبا لمواجهة التطرف
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، دعا تشارلز ميشال، السياسي البلجيكي رئيس المجلس الأوروبي، إلى إنشاء معهد أوروبي لتدريب الأئمة كوسيلة مقترحة لمحاربة التطرف. لكن الكثيرين سخروا من فكرته، برغم ذلك أشعلت نقاشاً في أوروبا ردحاً من الوقت.
"لا يوجد إسلام محافظ أو ليبرالي... هذه مفاهيم سياسية. الإسلام إيمان، عقيدة. لا تظهر هذه الأسئلة إلا عندما تبدأ في تسييس الإسلام".
في فرنسا، التي تستضيف أكبر جالية مسلمة في أوروبا وكانت قد تعرضت لهجمات إرهابية أحالتها إلى "التطرف الإسلامي" خلال الأشهر الماضية، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن خطط لبدء تدريب أئمة فرنسا والتوقف عن استيراد الأئمة، الأمر الذي كان يتم عادةً من دول عدة، بينها المغرب والجزائر وتركيا. علماً أن مقترح "تدريب الأئمة في فرنسا" كان قد تقدّم به، منذ سنوات، حسن شلغومي، رئيس مؤتمر أئمة فرنسا.
اللافت في خطوة تدريب الأئمة في ألمانيا، أن التحرك قادهُ أبناء الجالية المسلمة وليس الحكومة، التي وافقت على توفير التمويل للخطوة.
كذلك يتعلق الأمر في ألمانيا بما قد يطلق عليه تدخل أو نفوذ حكومات أجنبية وليس فقط محاربة التطرف إذ أدت عقود من الاعتماد على الأئمة الأجانب إلى اعتماد الجالية المسلمة في ألمانيا على الحكومات الأجنبية. أكبر رب عمل فردي للأئمة في ألمانيا هو "ديتيب"، الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، وهو وكالة حكومية تركية تدرب الأئمة وتدفع رواتبهم وتقرر حتى متى يغادرون ألمانيا.
وكان سياسيون ومعلقون ألمان قد عبّروا عن مخاوفهم بشأن التأثير المحتمل لتركيا على المجتمع المسلم في ألمانيا تبعاً لنفوذ "ديتيب" خلال السنوات الماضية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون