"الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"، وردت هذه الكلمات على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وتسببت في شن هجوم شديد عليه مع اتهام صريح له بـ"الإسلاموفوبيا" أي كراهية الإسلام.
جاء حديث ماكرون، الذي أسهب فيه بانتقاد "الانعزالية الإسلامية" في فرنسا و"مشروع المجتمع المضاد" الذي يسعى إليه الإسلاميون الراديكاليون، في خطاب مرتقب لعرض خطته لمواجهتهما، أرجئ مراراً، في وقت شديد الحساسية تتصاعد فيه المخاوف من التهديدات الإرهابية في فرنسا.
كما يتزامن الخطاب مع تعرض الرئيس الفرنسي لهجمة من اليمين واليمين المتطرف اللذين يتهمانه بالتراخي، ومن اليسار الذي يندد بوصم المسلمين لأسباب انتخابية، وفق وكالة فرانس برس.
ويعتبر مسؤولون فرنسيون أن بلادهم تواجه مشكلات بسبب "تشدد إسلامي ترعرع في الداخل" منذ سنوات. وهم يعتبرون رفض الرجال مصافحة النساء وفصل موعد النساء عن الرجال في حمامات السباحة وفرض النقاب على صغيرات لا تزيد أعمارهن أحياناً عن الرابعة وانتشار المدارس الدينية، دليلاً على هذا "التشدد".
"الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"... ماكرون يهاجم "النزعة الانفصالية" ومشروع "المجتمع المضاد" لدى مسلمي فرنسا ويقول إنه يرغب في ترسيخ "إسلام مستنير". اتهام له بـ"الإسلاموفوبيا" والنفاق وعدم القدرة على قول الأمر نفسه عن اليهود
وكان باكستاني قد نفذ اعتداءً بالساطور الأسبوع الماضي قرب المقر السابق لصحيفة "شارلي إيبدو" الهزلية فيما تُجري محاكمة المتهمين في قضية الهجوم على الصحيفة عام 2015 والذي قام خلاله إسلاميّان متشددان بتصفية 12 من أعضاء هيئة تحرير الصحيفة لنشرها رسوماً مسيئة للرسول محمد.
"إسلام ماكرون المستنير"
والإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا العلمانية. لكن ماكرون قال إن "النزعة الانعزالية" لدى المسلمين في بلاده أدت إلى "تسرب الأطفال من المدارس" و"تطوير ممارسات رياضية وثقافية" خاصة بالمسلمين و"التلقين العقائدي وإنكار مبادئنا على غرار المساواة بين الرجال والنساء".
لكنه شدد في الوقت نفسه على أنه لا ينبغي الخلط بين الإسلام والتطرف الإسلامي، متحدثاً عن رغبته في ترسيخ "إسلام مستنير" في بلاده.
وذكّر بوضع تونس قائلاً: "شاهدوا صديقتنا تونس، وهي ليست النموذج الوحيد. قبل 30 عاماً كان الوضع مختلفاً جذرياً في تطبيق هذا الدين وطريقة عيشه". ولفت إلى "التوترات التي نعيشها في مجتمعنا، الذي يعد بلا شك من بين الأكثر تعلماً وتطوراً في المنطقة".
Emmanuel Macron: "L'Islam est une religion qui vit une crise aujourd’hui, partout dans le monde" pic.twitter.com/cOqR4ordzY
— BFMTV (@BFMTV) October 2, 2020
ويتضمن مشروع ماكرون المعلن لمواجهة "الانعزالية الإسلامية" و"المجتمع المضاد" عدة إجراءات تركز على مجال التعليم وتنظيم عمل أئمة المساجد داخل البلاد.
خلال خطابه من ضاحية ليه موروه الفقيرة، التي يسكنها 30 ألف نسمة في باريس، قال ماكرون: "لا أود أن يكون هناك أي التباس أو خلط للأمور. لكن لا بد لنا من الإقرار بوجود نزعة إسلامية راديكالية تقود إلى إنكار الجمهورية".
ثم أعلن بضعة إجراءات بينها إلزام أي جمعية تطلب إعانة عامة بالتوقيع على ميثاق العلمانية، وتعزيز الإشراف على المدارس الخاصة التابعة لطائفة دينية، وفرض قيود صارمة على التعليم المنزلي.
ويدرس 50 ألف طفل في المنزل، بحسب السلطات الفرنسية. ونبه الرئيس الفرنسي إلى أن التعليم المنزلي، بداية من العام الدراسي 2021، سيكون "مقتصراً بشكل صارم على المتطلبات الصحية على وجه الخصوص"، أي الذين يتعذر ذهابهم إلى المدارس بداعٍ صحي.
وشرح: "كل أسبوع، يبلغ مديرو المدارس عن حالات أطفال خارج النظام التعليمي بالكامل... كل شهر، يغلق محافظون ’مدارس’ يديرها غالباً متطرفون دينيون"، لافتاً إلى وجود أولياء أمور يرفضون مشاركة أطفالهم في دروس الموسيقى أو السباحة.
وشدد ماكرون على أن مشروع القانون الذي يتضمن إجراءاته المقترحة سيُعرض في 9 كانون الأول/ديسمبر المقبل على مجلس الوزراء، مبرزاً أن هدفه هو "تعزيز العلمانية وترسيخ المبادئ الجمهورية" وذلك "بعد 115 سنة من المصادقة النهائية على قانون 1905".
ولم ينكر مسؤولية السلطات في السماح بتطور ظاهرة "تحول الأحياء إلى معازل"، مضيفاً "قمنا بجمع السكان حسب أصولهم، لم نبذل جهداً كافياً في سبيل الاختلاط، وإمكان الانتقال الاقتصادي والاجتماعي. (لقد) بنوا مشروعهم على تراجعنا وتخاذلنا".
هدفه "تعزيز العلمانية وترسيخ المبادئ الجمهورية"... الرئيس الفرنسي يطرح مشروعه لمواجهة "الإسلام الراديكالي" في فرنسا، مستحدثاً إجراءات صارمة في نظام التعليم وتنظيم عمل أئمة المساجد
ثم دعا إلى "فهم أفضل للإسلام" وتعليم اللغة العربية، متمنياً صعود "إسلام يكون في سلام مع الجمهورية" وخالياً من "التأثيرات الخارجية".
الرقابة على دور العبادة
ونبّه ماكرون كذلك إلى أنه سوف يتم تعزيز الرقابة على تمويل دور العبادة، وتشجيع الجمعيات الدينية الإسلامية على تغيير نظامها، ووضع حد لـ"نظام التعتيم"، على حد وصفه.
وأردف: "المسألة ليست مسألة ‘حظر‘ التمويل (الخارجي) بل تنظيمه". وقال إن قانونه سيتضمن "آلية تمنع الانقلاب" لمنع استيلاء متطرفين على المساجد.
وقال ماكرون إنه كان قد أعلن في شباط/ فبراير الماضي إنهاء نظم الأئمة المبتعثين في غضون أربع سنوات. وهناك 300 إمام من تركيا والمغرب والجزائر في المساجد الفرنسية.
وأضاف أن بلاده ستعوض هذا النقص بالاتفاق مع "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، المحاور الرئيسي باسم المسلمين مع السلطات العامة، الذي تعهد الانتهاء "في غضون ستة أشهر على الأكثر" من إعداد برنامج "تدريب الأئمة" في فرنسا.
وختم ماكرون: "علينا معاً، المشاركة في صحوة جمهورية، والتصدي لأولئك الذين يبتغون الفصل فيما بيننا".
اعتراض وهجوم عليه
في تصريح لوكالة رويترز، قال رئيس جمعية مسلمي فرنسا، عمار الأصفر، إنه "غير واثق" بوجود ضرورة لقانون جديد كالذي أعلن عنه ماكرون، مشيراً إلى أن تطبيق القوانين الحالية يمكن أن يؤدي إلى النتيجة نفسها.
وفيما أبدى اعتراضه على "المفردات" التي استخدمها ماكرون، قال: "هذا خطاب يحاول الإشارة إلى خطر، وأنا لا أتفق مع هذا على الإطلاق. في تعبير ‘النزعة الإسلامية‘ كلمة إسلام وأعتقد أنه كان بإمكانه التحدث عن التطرف أو الأصولية. لا يمكن لأحد أن يوصم جميع المسلمين".
رافضاً خطاب ماكرون و"مفرداته"... رئيس جمعية مسلمي فرنسا عمار الأصفر: "هذا خطاب يحاول الإشارة إلى خطر. في تعبير ‘النزعة الإسلامية‘ توجد كلمة إسلام وأعتقد أنه كان بإمكانه التحدث عن التطرف أو الأصولية. لا يمكن لأحد أن يوصم جميع المسلمين"
وغرد البروفيسور اللبناني أسعد أبو خليل: "ما لا يرد عن ماكرون في لبنان أنه إسلاموفوبي مثل معظم الطبقة الحاكمة في فرنسا. تصوّر لو أنه قال هذا الكلام عن اليهوديّة؟ كان قد جُرِّم وفقاً للقانون الفرنسي. ومثل الإسلاموفوبيين الفرنسيّين، يريد (ماكرون) تعزيز العلمانيّة فقط في مواجهة دين واحد. إقرأوا كتابات جون سكوت عن نفاق علمانية فرنسا".
وانتقد الصحافي المصري أسعد طه مفردات الرئيس الفرنسي، قائلاً: "كانوا يقولون ‘المتطرفون المسلمون‘. اليوم يتهمون الإسلام مباشرة كدين... الذي يوجه الاتهام نسي جرائم بلده في البلاد التي احتلتها… المتطرفون يتهمون الناس بالتطرف".
وعبر وسم #ماكرون_يسيء_للاسلام، هاجم العديد من المعلقين العرب الرئيس الفرنسي الذي ذكروه بماضي بلاده الاستعماري. واعتبر بعضهم أنه يلقي باللوم على الإسلام والمسلمين في "فشله" بإدارة بلاده.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.