شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عصبة

عصبة "الإسلام العلمانيّ" كمرجعيّة لمحاصرة اللاجئين في ألمانيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 6 مارس 201902:06 م

مؤخرًا، وقّعت شخصيات من أصول تركية وعربية وكردية - يصفهم الإعلام الألماني بالمفكرين- على مبادرة "الإسلام العلماني". من بين هذه الشخصيات أسماء ستخيف أي لاجىء مسلم يعيش في ألمانيا نظراً إلى سيرة بعض هؤلاء الموقعين ومواقفهم تجاه المسلمين والعرب.

قبل الحديث عن غاية المجموعة وسيرة بعض مؤسسيها، لا بدّ من التطرق إلى المصطلح "إسلام علماني"، الذي يحيل فورًا إلى نظرة المؤسسين التي ربما تجد أن الإسلام على الضد من العلمانية، وضد حقوق الإنسان، وهذا أمر غريب أن يتهم من ينتمي إلى مجموعة ما - يفترض أنها الإسلام هنا- هذه المجموعة بنقيصة بل نقائص، ثم يدعي أنه جاء مصلحًا لها.

لم نجد ألمانًا بوذيين مثلًا "تجرأوا" على الحديث عن بوذية علمانية أو تحدث ألمان يهود عن يهودية علمانية مثلًا، رغم تشابه اليهودية والإسلام في كثير من الأصول والأحكام الفقهية والممارسات الشرعية وكذلك بعض التفضيلات السلوكية والاستهلاكية.

لا أحد يعرف غاية عصبة "الإسلام العلماني" سوى زيادة حظوظها في مؤتمر الإسلام في ألمانيا الرابع، إذ جاء الإعلان عنها قبل أيام من انعقاد المؤتمر في الشهر الأخير من العام المنصرم 2018، وهي بالتالي تبدو مجموعة ضغط في مواجهة الإسلام المحافظ، كما ورد في بيان الجماعة، إذ انتقدت ما وصفته بهيمنة المنظمات الإسلامية "المحافظة" على مؤتمر الإسلام الحكومي، وعبّرت عن رفضها "بسبب تحفظات ديمقراطية" الاعتراف الرسمي بهذه المنظمات كممثلة لمسلمي ألمانيا لدى السلطات، ودعت إلى "جعل الإسلام المدني المعاصر" في ألمانيا بعيدًا عن تأثير الحكومات والمنظمات الأجنبية من جميع النواحي. رغم أن قلة من شخصيات المجموعة ربما تريد بالفعل تحقيق ما نسميه "ألمنة" المسلمين، أي جعلهم ألمانًا وقطعهم عن أصولهم الثقافية عبر ممارسة ضغوط إضافية عليهم لإدماجهم في المجتمع الألماني.

وبالالتفات إلى سيرة المؤسسين والموقعين على المبادرة، نجد على سبيل المثال أستاذاً جامعياً وباحثاً من أصول سورية دعا أكثر من مرة لمحاصرة اللاجئين السوريين، معتبرًا إياهم أميين قادمين للحصول على المعونة المالية، وانتهى إلى اتهامهم بالعداء للسامية. وبينهم كاتب عربي يصدر الكتاب تلو الكتاب مهاجمًا الإسلام متهمًا إياه بالفاشية لدرجة أن كاتبًا ألمانيًا رد على هذا الكاتب متهمًا إياه بالجهل والوقاحة والتربح أو الاسترزاق من الهجوم على أقلية في المجتمع الألماني... وهو أمر مخالف للدستور الألماني ويعاقب عليه القانون... ومن بين أعضاء المبادرة سيدة تطالب بالضغط على المسلمين في ألمانيا كوسيلة لإصلاح الإسلام رغم اعترافها أنها منشقة عن الإسلام وناقدة له... ورغم عدم دراستها للإسلام بشكل وافٍ، كما تعترف هي في لقاء مع قناة تلفزيونية ألمانية.

ولو اعتبرنا أن مبادرة "الإسلام العلماني" أسست لوظيفة اجتماعية تنويرية للمسلمين في أوروبا، فلصحّ تسميتها عندئذ بـ "مبادرة مسلمين ليبراليين"، شرط أن يعترف هؤلاء الموقعون بأنهم مسلمون أصلًا ويحترمون عقيدة الإسلام، لكن الحقيقة أن هؤلاء لا يحترمون لا الإسلام ولا المسلمين، عدا كونهم لا يعتبرون أنفسهم مسلمين، أو على الأقل ينفرون من وصفهم بالمسلمين، ومواقفهم تشير إلى أنه قد يكون لهم دور تفجيري "للمجتمع المسلم" الألماني في لحظة ما بسبب انتقادهم المتتالي لعقائد المسلمين ورموزهم.

وكما جرت العادة أثناء الحرب الباردة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الغربي من حيث استقطاب مثقفين ومفكرين استُخدمت آراؤهم ضمن الحملات النفسية والإعلامية ضد المعسكر الآخر، فمن المرشح أن تتحول هذه المجموعة "الإسلام العلماني" إلى عامل توتر محلي في كل بلد أوروبي على حدة، وإقليمي على المستوى الأوروبي العام، إذ يمكن استخدام المجموعة أو الزج بها في الصراع الدائر بين الإعلام وجماعات المصالح الأوروبية من جهة، وبين الجاليات المسلمة وعموم المسلمين الأوروبيين المستقلين الذين يرفضون تصنيفهم ضمن "الجالية" أو الغيتو المسلم من جهة ثانية.

تحرص جهات مختلفة على تكريس النعت "الجالية المسلمة" كمفهوم شاذ عن الاجتماع الطبيعي للاجئين غير الأوروبيين الذين وصلوا أوروبا وفضلوا البقاء فيها، وتحولوا مع الوقت إلى مواطنين أوروبيين، لكن اليمين والمعسكر الفاشي الآخذ بالصعود والإعلاميين المضللين يصرون على حشرهم في مفهوم عنصري أو طائفي من خلال مصطلح "الجالية المسلمة"، وهو مفهوم غير صحيح من ناحية أنه لا يوجد بلد في العالم اسمه الجمهورية أو المملكة أو البلد الإسلامي جاء منه هؤلاء المهاجرون، كي يُسمّوا باسمه، مثلما لا يُطلق على الأوروبيين في مصر وصف الجالية المسيحية أو الجالية الأوروبية، كما أنه وصف مخطىء من ناحية أن هؤلاء المهاجرين العرب والأفارقة والشرق أوسطيين أصبحوا مواطنين أوروبيين يحملون جنسيات بلدانهم الجديدة.

إن تطوير الوعي المسلم لا يكون بالنيل من رموز الإسلام ولا يتم من أشخاص يعادون الإسلام والمسلمين، فمن نافل القول إن أشخاصاً، هذه خلفياتهم ومواقفهم، لا يمكن أن تكون تعاليمهم محترمة من المسلمين ولن يستمع إليهم أي مسلم باستثناء من يتبعهم، بل سيكون لهم دور عكسي بما يخص تطوير وعي المسلمين، وهو دور قام به في سورية مفكر سوري، اسمه نبيل فيّاض، الذي أدّت أفكاره النقدية الموجهة للإسلام والمسلمين إلى موجة عكسية رمت آلاف الشباب السوري في أحضان التطرف والتشدد الديني، فكان بحق الأب الروحي غير المباشر للقاعدة وداعش في سورية.

في الحقيقة لا يمكن أي إصلاح أن يتم داخل الإسلام إلا بيد أشخاص من داخل الإسلام يتماهون معه، ويقرأونه بحيادية ويحرصون على مبادئه الأساسية، كما يحرصون على مشاعر المسلمين، من دون ذلك لن يكون بالإمكان إجراء أي إصلاح أو تطوير على الإسلام أو على وعي المسلمين في الغرب، وتحديدًا في ألمانيا، وعلى العكس، فمع كل تصريح أو موقف لهذه العصبة أو لأحد أعضائها، مهين أو ناقد للإسلام سيزداد عدد المتشددين المسلمين في ألمانيا، وسيذهب بعض الشباب إلى التطرف، وربما يسافر للالتحاق بداعش أو بتنظيمات تشبهها يمكن أن تولد في المستقبل في سياق الوضع العالمي المتوتر وتنامي سوء الفهم الغربي للعالم العربي الإسلامي الذي يبدو أنه صار تجارة رابحة ترتبط على الأقل بمصالح البترول والنفوذ الغربي، أي بعموم الاستراتيجية الغربية تجاه العرب وشعوب الشرق الأوسط.

اليمين والمعسكر الفاشي الآخذ بالصعود والإعلاميين المضللين يصرون على حشرهم في مفهوم عنصري أو طائفي من خلال مصطلح "الجالية المسلمة"، وهو مفهوم غير صحيح من ناحية أنه لا يوجد بلد في العالم اسمه الجمهورية أو المملكة أو البلد الإسلامي جاء منه هؤلاء المهاجرون.
مع كل تصريح أو موقف لهذه العصبة أو لأحد أعضائها، مهين أو ناقد للإسلام سيزداد عدد المتشددين المسلمين في ألمانيا، وسيذهب بعض الشباب إلى التطرف، وربما يسافر للالتحاق بداعش أو بتنظيمات تشبهها يمكن أن تولد في المستقبل في سياق الوضع العالمي المتوتر.
خطورة مبادرة الإسلام العلماني المؤلفة حديثًا في ألمانيا، بأن هذه العصبة تعود إلى كونها توفّر مرجعية فكرية للفاشية الألمانية الجديدة الموجهة هذه المرة ضد اللاجئين وعبرهم ضد كل المسلمين في ألمانيا.

وبالعودة إلى مبادرة الإسلام العلماني المؤلفة حديثًا في ألمانيا، فخطورة هذه العصبة تعود إلى كونها توفّر مرجعية فكرية للفاشية الألمانية الجديدة الموجهة هذه المرة ضد اللاجئين وعبرهم ضد كل المسلمين في ألمانيا، فكلما احتاج الإعلام الألماني إلى تبرير مواقفه العنصرية لجأ إلى أقوال هؤلاء ومواقفهم، فهم كمثل الذخيرة المتوفّرة دومًا والجاهزة للتلقيم في مدفعية الإعلام والدعاية النفسية.

وكانت باكورة المناسبات التي تم استخدام هذه العصبة فيها استخدامًا مريبًا أدى إلى تأجيج الصراع بين الحكومة والمسلمين الألمان، دعوتهم في شهر كانون الأوّل/ ديسمبر 2018 من قبل وزير الداخلية الألماني لحضور مؤتمر الإسلام في دورته الرابعة. ناقش المؤتمر موضوع الجالية الإسلامية وتمويل الجوامع وتدريب الأئمة، ثم تفجرت مسألة لحم الخنزير المقدّم للمؤتمرين وأغلبيتهم طبعًا من المسلمين، وربما كان هذا تماشيًا مع علمانية هذه المجموعة التي تجعلهم يتسامحون مع لحم الخنزير، (وهو أكبر المحرمات من الإسلام، المجمع عليه كلياً دون استثناء من جميع المذاهب والطوائف الإسلامية، وربما كان المحرم الوحيد المجمع عليه، فبقية المحرمات عرضة ل أخذ ورد ووجهات نظر واجتهادات مختلفة) هذه المسألة أدّت إلى إحداث بلبلة داخل حزب ألماني كبير انتهت إلى استقالة أحد أعضائه المسلمين.

وفي مسألة "الجالية المسلمة" ويقصد بها غالباً الأتراك المسلمين الألمان، وربما يضاف إليهم المغاربة والعرب المسلمون الألمان، وقد التحق بهم قبل سنوات قليلة لاجئون من سورية وأفغانستان، فهذه الجالية تستحق مفكرين ليبراليين عرباً وأتراكاً أفضل من المجموعة المذكورة أعلاه، فكل منهم على حدة، كان له موقف على الأقل ينتقص فيه من عقيدة ورموز المسلمين، بل إن بعض هؤلاء المفكرين كان يحرض على اللاجئين المسلمين كأنما يدعو لطردهم أو معاقبتهم بقوانين جائرة.

هؤلاء المهاجرون الهاربون من الديكتاتوريات سواء الدينية أو العلمانية في بلدانهم، يقعون في أرض اللجوء تحت رحمة ديكتاتورية أفكار عنصرية تقودها عصبة من مفكرين هم بدورهم، ويا للمفارقة، هاربون من ديكتاتوريات بلادهم السياسية أو الدينية، وبدل الانشغال في تفكيك المنظومة الفكرية والإعلامية للديكتاتورية التي تنمو في ظلالها كل أنواع الإرهاب والقمع والتخلف، ينشغلون في تحطيم الضحايا المسلمين وملاحقتهم كما لو أن كثيرين - الحكام العرب الفاشيين والإعلام الالماني واليمين الصاعد، كل لمصلحته الخاصة - يريدون شراء جلود رؤوسهم بثمن بخس.

هكذا يبدو أن مجموعة الإسلام العلماني الألمانية ليست في الحقيقة سوى محاولة متسرعة لتسلق السلطة من زاوية ممانعة ومشاكسة خصوم عبر مزايدات ورفع سقف المطالب، لتحسين صورتهم مقابل الإساءة، ليس فقط  إلى ما وصلت إليه منظمات عريقة أسسها لاجئون للدفاع عن وجودهم وثقافتهم، بل أيضًا الإساءة إلى واقع اللاجئين في ظلّ هبة شعبوية يمينية ضد الإسلام والعرب، وبهذا فهذه الجماعة "العلمانية"، يا للأسف، ليست سوى عقوبة للمسلمين والمهاجرين العرب ولمليوني لاجىء من الشرق، من إيران وأفغانستان ومليون مهاجر من شمال أفريقيا يعيشون كلهم في ألمانيا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image