"على عكس الإمارات والبحرين، السعودية لها مكانة خاصة في المنطقة، وهناك العديد من العوامل التي يجب مراعاتها قبل أن تتمكن من تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
هذا ما قالته الخبيرة السعودية في علوم الاتصال والإعلام، نجاة السعيد، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، مبرزةً أن السعودية مسؤولة ليس أمام شعبها فحسب وإنما أيضاً تجاه 1.7 مليار مسلم حول العالم باعتبارها مهد الإسلام وحاضنة اثنتين من أقدس المدن لدى المسلمين.
تعتقد السعيد، التي تؤيد التطبيع وشاركت الشهر الماضي في أول ندوة تجمع صحافيين إسرائيليين وعرباً، أن قرار السعودية "ليس مجرد مسألة دولة وشعبها" وأنه ينبغي أن تتأكد السعودية أولاً أن قراراً بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يحظى بـ"موافقة شعبها والعالم الإسلامي" قبل اتخاذه.
واعتبرت أنه للقيام بذلك، يجب على القيادة السعودية أولاً "التغلب على سنوات العداء التي خاضها العالم الإسلامي مع إسرائيل"، لافتةً إلى أن هذا لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها.
يدرك المسؤولون الإسرائيليون ذلك، وهم يحلمون باللحظة التي تعلن فيها المملكة تطبيع العلاقات إذ سيكون ذلك نقطة تحول جذرية تزلزل الشرق الأوسط. قبل ساعات، وصفت نائبة رئيس بلدية القدس فلور حسن ناحوم، لقناة CNBC الأمريكية، السعودية بأنها "الحوت الأبيض" في اتفاقات السلام الإسرائيلية في الشرق الأوسط. قصدت بذلك أنها شيء مرغوب فيه ولكن يصعب تحقيقه.
"تغيير العقليات حول الصراع قبل التطبيع"
منذ الهجوم الكاسح الذي شنه الدبلوماسي السعودي المخضرم والأمير البارز في الأسرة الحاكمة، بندر بن سلطان، الأسبوع الماضي، على القيادات الفلسطينية على مر العقود واتهامه لهم بنكران الجميل والرهان على الأطراف الخاسرة وتفويت الفرص التاريخية للسلام وإثارة القلاقل في الدول العربية وحتى بالتآمر بعضهم على بعض، زادت التكهنات حيال اقتراب الرياض من اللحاق بحليفتها الإمارات في ركب التطبيع.
قرار السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل "ليس مجرد مسألة دولة وشعبها" بل ينبغي أن يحظى أولاً بـ"موافقة السعوديين والعالم الإسلامي" قبل اتخاذه، وخبيرة سعودية تقترح "تغيير العقليات حول الصراع" الفلسطيني الإسرائيلي
برغم الإشارات المتكررة إلى صعوبة تحقق هذا الأمر ما دام العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز على قيد الحياة، نظراً لدعمه الكامل للقضية الفلسطينية وتمسكه بقيام دولة فلسطينية وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قبل أي خطوة إيجابية تجاه دولة الاحتلال، رأى مراقبون ومحللون أن الانتقاد العلني غير المسبوق من مسؤول سعودي بارز للفلسطينيين ينذر بـ"خط رسمي جديد لدول الخليج، وإعادة صياغة التاريخ على نحو يقوّض النضال الفلسطيني بأكمله، ويمهد للعالم العربي تقبل تطبيع سعودي وشيك".
لم تُخف السعيد نفسها أن ما قاله بندر مؤشر إلى أن السعودية ومنطقة الخليج "فقدا صبرهما" مع القادة الفلسطينيين، وبدآ يتساءلان علانيةً عمّا إذا كان "الدعم غير المشروط" للقضية الفلسطينية يضر المنطقة أكثر مما ينفعها. وهو مؤشر كذلك إلى إحباط القيادة السعودية من علاقات القادة الفلسطينيين الوثيقة مع إيران وتركيا وقطر، وهي دول تعتبرها المملكة أعداءها.
وصرحت لصحافيين: "هناك الكثير من الإحباطات التي شعر بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والحكومة السعودية من الفرص التي أضاعتها السلطة الفلسطينية". واعتبرت أن السعودية ودول الخليج أصبحت تركز على مصالحها الخاصة أكثر من الدفاع عن القضية الفلسطينية، خاصةً أن غالبية الأجيال الحالية -الشباب- مهتمة بالقضايا المحلية مثل التعليم والتوظيف.
اتفق مع هذا الرأي، الأكاديمي الإسرائيلي إيال زيسر، المدير السابق لمركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط، الذي قال في مقال عبر "يسرائيل هيوم" المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تعليقه على هجوم بندر: "على مدى عقود، أخذ الفلسطينيون دعم الدول العربية أمراً مسلماً به، وطالبوا بتلبية كل نزواتهم مهما كان الثمن. لكن هذه الأيام ولت. يقدم الحكام العرب الآن مصالحهم الخاصة على مصالح الفلسطينيين، وقد أدى ذلك إلى حقبة جديدة: عصر التطبيع والسلام مع إسرائيل".
برغم التحديات العديدة التي تصعب التطبيع على السعودية، وصفته السعيد بأنه "أمر ممكن، لكنه يبدأ أولاً بتغيير العقليات بشأن الصراع"، معبرةً عن ثقتها بالدبلوماسية السعودية. قالت: "أعتقد أنهم إذا كانوا يريدون شيئاً ما، فيمكنهم فعله".
تحولات القيادة السعودية حيال التطبيع
يبدو أن هذا ما يحدث بالفعل إذ شرع قادة مثل الأمير بندر في التعبير علناً عن الضيق من الفلسطينيين، فيما الموقف الرسمي هو عدم إقامة علاقات مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية.
ومنذ صعود بن سلمان إلى السلطة، ارتفعت التوقعات بقرب تطبيع الرياض العلاقات مع إسرائيل قبل أن تشير وثيقة إسرائيلية إلى تعثر هذه الخطى واستعادة الملك سلمان هذا الملف من ابنه وولي عهده، مع ترجيحات بأن الضرر الذي لحق بالمملكة جراء الاغتيال الوحشي للصحافي المعارض جمال خاشقجي كان عاملاً مؤثراً في ذلك.
في الأثناء، لم يتوقف "الذباب الإلكتروني" السعودي، الذي يعتقد إلى حد كبير أنه يتبع بن سلمان، عن الحشد ضد الفلسطينيين.
لكن استدعاء أمير سعودي في مكانة بندر للهجوم علناً على الفلسطينيين اعتبر "تصعيداً كبيراً" من جانب بن سلمان، برغم أن بندر لم يكن الأول. فمن قبله تم استخدام أمير بارز آخر ودبلوماسي مخضرم شغل، كما بندر منصبي سفير المملكة لدى واشنطن ورئيس الاستخبارات، هو الأمير تركي الفيصل.
عقب إعلان اتفاق التطبيع الإماراتي، كتب الأمير المقرب من الملك سلمان في صحيفة "الشرق الأوسط": "إذا كانت أي دولة عربية يناهزها اللَّحَاق بدولة الإمارات، فيجب أن تأخذَ الثمنَ في المقابل، ولا بُدَّ أن يكون ثمناً غالياً".
"90% من منشورات العرب عن التطبيع سلبية، و95% منها تنتقد الإمارات، و45% ترى التطبيع ‘خيانة‘"... محاولات لإظهار تأييد شعبي بين العرب للتطبيع تُكذبها بيانات وزارة إسرائيلية
ومنذ بُث هجوم بندر، روج له "الذباب الإلكتروني" السعودي بالإضافة إلى العديد من المؤثرين والكتاب ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية.
بالتوازي، هناك محاولات لإظهار رأي عام عربي أو خليجي مؤيد للتطبيع. مطلع الأسبوع، نشرت "سكاي نيوز" الإماراتية نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة "زغبي" الأمريكية زعم أن "أغلب المواطنين العرب يؤيدون" التطبيع، موضحةً أن النسب شملت "59% من السعوديين والأردنيين، و58% من المصريين، و56% من الإماراتيين".
يتناقض هذا تماماً مع دراسة حديثة أجرتها وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، بيّنت أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي العرب كانوا أقل حماسة تجاه التطبيع مع إسرائيل. بيانات الوزارة الإسرائيلية أكدت أن 90% من منشورات العرب على مواقع التواصل الاجتماعي كانت سلبية حيال التقارب بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين من جه أخرى.
كما انتقدت 95% من المنشورات التي علقت على الأمر دولة الإمارات، ورأى 45% منها أن اتفاق إبراهام "خيانة".
كذلك أكدت نتائج "المؤشر العربي" أن 78% من المواطنين العرب (وأكثريتهم من الخليجيين والسعوديين) لا يزالون يرون أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، كما يرفض 88% منهم أن تعترف بلدانهم بدولة الاحتلال أو أن تطبّع العلاقات معها.
في السياق نفسه، تجدر الإشارة إلى ما ذكره مسؤولون عرب لـ"وول ستريت جورنال"، في الشهر الماضي، بشأن زيارة صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه جاريد كوشنر إلى المملكة بغية الضغط على الملك وولي عهده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن في ظل معارضة الأب، أخبر الأمير محمد كوشنر بأن أقصى ما يمكن للمملكة فعله حالياً هو جعل البحرين الصغيرة تشارك في صفقة.
ويعتقد أن دور المملكة في تنسيق التطبيع المتزايد حالياً وصل إلى "انخراطها في حملة إعلامية شاملة" -كما حصل من بندر والمعلقين السعوديين على هجومه على الفلسطينيين- لا تهدف فقط إلى إضفاء الشرعية على اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، بل إلى الترويج لنسخة مختلفة من تاريخ المنطقة وترسيخها. وهي نسخة منقحة تنقيحاً يخدم السياسات الخليجية التطبيعية حتى يتسنى لها -أي للرياض- اختيار الوقت المناسب لتتخلى عن عقود من الإجماع العربي وتؤسس علاقاتها مع إسرائيل.
الخطير في محاولات "طمس القضية الفلسطينية" و"شيطنة الفلسطينيين" شعباً أو قيادةً، عدم امتلاك الجانب الفلسطيني قنوات للرد على هذه الاتهامات.
"النضال الفلسطيني ميؤوس منه؟"
الخطير في محاولات "طمس القضية الفلسطينية" و"شيطنة الفلسطينيين" شعباً أو قيادةً، عدم امتلاك الجانب الفلسطيني قنوات للرد على هذه الاتهامات. كما أن الفلسطينيين غير قادرين بالأساس على الرد على الاستفزاز السعودي المتعمد إذ سيقابل أي رد منهم باتهامات أخرى كـ"الجحود ونكران الجميل".
بدا أن الهدف الرئيسي من مقابلات بندر الثلاث عبر قناة "العربية" السعودية توجيه رسالة تهديد إلى الفلسطينيين، مفادها "أنتم وحيدون. اهتموا بشؤونكم الخاصة ولا تسببوا لنا أي مشاكل". يُفهم هذا من الاستنتاجات الثلاثة التي بنى عليها روايته للتاريخ: طالما فوّت الفلسطينيون الفرص لحل أزمتهم، الفلسطينيون هم السبب الرئيسي للكثير من الاضطرابات والصراع في العالم العربي، المملكة فعلت كل ما في وسعها لمساعدة الفلسطينيين لكنهم لا يريدون مساعدة أنفسهم. لذلك يجب علينا إعطاء الأولوية لمصالحنا الخاصة".
هنا، تبرز خطورة استثمار الجهد السعودي الهائل في تحويل الفلسطينيين إلى "أعداء لا يريدون التخلي عن الصراع مع إسرائيل". لأن ذلك لا يطمس حقيقة القضية والنضال الفلسطينيين فحسب، بل يهدد بإلغاء الوجود الفلسطيني كلياً خاصةً أن الشعب السعودي ليس المستهدف وحده من ذلك الجهد وإنما شعوب المنطقة بأكملها. مراراً، أصرّ بندر على تصوير الفلسطينيين على أنهم "متآمرون بطبيعتهم" و"مهووسون بطعن بعضهم بعضاً في الظهر"، وهذا ما يجعل من نضالهم أمراً ميؤوساً منه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...