شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
افتتاح متحف محمد محمود خليل وحرمه في مصر بعد عشرة أعوام من إغلاقه

افتتاح متحف محمد محمود خليل وحرمه في مصر بعد عشرة أعوام من إغلاقه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 23 أبريل 202111:43 ص

أعيد افتتاح متحف محمد محمود خليل وحرمه في مصر يوم الأحد 4 أبريل/نيسان، بعد عشرة أعوام من الإغلاق. المتحف مفتوح للجمهور، والدخول مجاناً طوال هذا الشهر.

افتتحت المتحف وزيرة الثقافة الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم، ووصفت المتحف بأنه " قيمة مضافة لقوة مصر الناعمة وباعتباره إثراء لبنيتها الثقافية، حيث يعد من أهم المواقع المتخصصة في العالم لما يضمه من مجموعات فنية نادرة، تشكل جزءاً من كنوز إبداعات الحضارة الانسانية".

تعدّ إعادة الافتتاح هذه جزءاً من خطة شاملة تهدف لتطوير المتاحف الفنية والوطنية في مصر وتشجيع المشاركة العامة، بالرغم من أن  مظاهر التطوير لا يبدو منها إلا إعادة افتتاح المؤسسات للجمهور.

متحف محمد محمود خليل وحرمه بالقاهرة. مصدر الصورة: وزارة الثقافة المصرية، محمد محمود خليل بك وإيميليان هيكتور لوس، مصدر الصور: نادية رضوان، تم نشرها في كتاب Les Modernes D’Egypte

كان حفل الافتتاح أقل من مستوى الحدث مقارنة بالضجّة التي صاحبت موكب المومياوات الملكية، وضم وزراء التخطيط والاتصالات والطيران المدني وعدداً من السفراء والأكاديميين والممارسين الثقافيين وأفراداً من الجمهور.

أعيد افتتاح متحف محمد محمود خليل وحرمه في مصر يوم الأحد 4 أبريل/نيسان بعد عشرة أعوام من الإغلاق. المتحف مفتوح للجمهور، والدخول مجاناً طوال هذا الشهر

لا يُعرف سوى القليل عن محمد محمود خليل بك وحرمه، المقيمين السابقين في القصر الذي سمّي المتحف باسمهم، ولا عن تاريخ القصر الذي سكنوه من قبل، باستثناء سبب إغلاقه الأخير - سرقة لوحة فان جوخ.

محمد محمود خليل بك

محمد محمود خليل، مصدر الصورة: حسام علوان، ومحمد محمود خليل مع الملكة فريدة في افتتاح معرض في المركز الثقافي الفرنسي يضم النحاتين الفرنسيين من القرن التاسع عشر، 25 فبراير 1939

كان محمد محمود خليل بك سياسياً  وجامعاً متحمساً للفنون، ولد لأب مصري وأم يونانية عام 1877. ذهب إلى المدرسة الفرنسية في القاهرة وسافر إلى باريس عام 1897 لدراسة القانون بجامعة السوربون. بعد التخرّج عاد للعمل في مجلس الشيوخ المصري، وأصبح رئيساً لمجلس الشيوخ من مايو 1938 إلى سبتمبر 1942، كما تولى منصب وزير الزراعة في عام 1937.

شارك خليل في تأسيس جمعية محبي الفنون الجميلة مع الأمير يوسف كمال، وأصبح رئيساً لها بين عامي 1924 و1925، وأصبح رئيساً للجنة الاستشارية للفنون الجميلة بوزارة التربية والتعليم في عام 1927.

أقنع محمد محمود خليل الملك فؤاد بضرورة إنشاء متحف للفن الحديث وقد كلفه الملك بهذه المهمة. في عام 1937، قام بتنظيم الجناح المصري في معرض باريس الدولي، حيث عرض فيه العديد من أعمال الفنانين المصريين في ذلك الوقت. بذل خليل جهوداً كبيرة لتعزيز التبادل الثقافي بين مصر وفرنسا، وانتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية للفنون الجميلة عام 1949 تقديراً لجهوده.

إميليان هيكتور لوس

التقى محمد محمود خليل بزوجته إميليان لوس عندما كان يدرس في باريس عام 1903، كانت فنانة فرنسية تدرس الموسيقى في الكونسرفتوار. أحبها وأحبت الفن واقتناء الاعمال الفنية، لذلك أصبح شغفه بها شغفاً بالفنون واقتناء الكنوز الفنية. تزوجها في نفس العام وعادا إلى مصر حيث عاشا في قصره بالجيزة عام 1915.

يضم المتحف 304 لوحة فنية لـ 143 فناناً، وحوالي 50 منحوتة. كما تضم مجموعة المتحف عدداً من الأعمال لفنانين مشهورين عالمياً، مثل فان جوخ، غوغان، رينوار، مونيه وغيرهم

لا يُعرف سوى القليل عن إميليان، بخلاف نشأتها الفرنسية المتواضعة، وفترة عملها المسرحي القصيرة في فرنسا، وحبها للفن والأشياء الجميلة. في بحثه عن خليل، يقتبس سمير رأفت عن منصور سميكة (الذي كان يعرفهما شخصياً: "كانت إميليان مغرمة للغاية بالملابس المصنوعة من الفرو مع هوس بالمجوهرات التي كانت ترتديها في كل المناسبات!"

محمد محمود خليل بك مع زوجته إميليان لوس في افتتاح معرض لجمعية محبي الفنون الجميلة، إميليان لوس (إلى اليمين) في بيتها، من كتاب حسن عثمان، القاهرة في باريس

مجموعة خليل الفنية

وحسب ما ادلى به الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، يوجد بالمتحف 304 لوحة فنية لـ 143 فناناً، وحوالي 50 منحوتة لـ 14 فنانًا. تضم مجموعة المتحف عدداً من الأعمال لفنانين مشهورين عالمياً مثل فنسنت فان جوخ، بول غوغين، بيير أوغست رينوار، كلود مونيه، هنري دي تولوز لوتريك، إدوارد مانيه، بيرث موريسو، رودين، إدغار ديغاس، يوجين ديلاكروا، بيتر بول روبنز، فرانز زافير وينترهالتر، من بين آخرين. وتشمل المقتنيات أيضاً عدداً من المزهريات والأواني الخزفية من فرنسا وتركيا وإيران والصين بالإضافة إلى التحف الصينية الدقيقة المصنوعة من الأحجار الكريمة.

(تفاصيل) جان أوغست دومينيك إنجرس، فاطيما، بول غوغين، الحياة والموت، 1889، فرانز زافير وينترهالتر، أميرة فغرام، تصوير نادين نور الدين

مجموعة خليل هي في الغالب مجموعة عالمية، بالإضافة الى عدد أقل بكثير من أعمال للفنانين المصريين. على الرغم من إبراز الأعمال الفنية الفرنسية من حيث قيمة وأهمية المجموعة، يمكن القول إن الأعمال القليلة للفنانين المصريين لا تقل أهمية عن الأعمال العالمية، بما في ذلك أعمال محمود سعيد، محمد حسن، يوسف كامل، طاهر العمري، صاروخان، إدمون صوصة، جورج صايغ، عفيفي وسعيد الصدر.

في كتابها Les Modernes D’Egypte، تقول نادية رضوان إن  محمد محمود خليل بك اشتهر بحبه للكاريكاتير وجمع العديد من الأعمال الساخرة. يجسد رسم كاريكاتوري له بريشة الفنان الأرمني المصري ألكسندر صاروخان، اهتمامات خليل الفنية. في تلك الرسمة، يصور محمد باشا وهو يلوح بالعلم المصري، متطلعا نحو برج إيفل العملاق. في رسم كاريكاتوري آخر لرخا، يظهر خليل أشعثاً، بملابس ممزقة، في إشارة على الأرجح إلى حقيقة أنه كان بخيلاً.

محمد محمود خليل بك بريشة ألكسندر صاروخان ضمن مقتنيات متحف محمد محمود خليل وحرمه، محمد محمود خليل بك بريشة رخا، مصدر الصور: fineart.gov.eg

رقم 1 شارع كافور عبر العصور

مبنى رائع على الطراز الفرنسي (آرت نوفو) يطل على النيل، متحف محمد محمود خليل وحرمه، رقم 1 شارع كافور كان هدية خليل لزوجته إميليان، التي أهدت القصر وممتلكاته للحكومة المصرية ليصبح متحفاً للفنون بعد وفاتها. بعد وفاة خليل تم الطعن في ملكية القصر عندما قدمت زوجته الثانية عقد زواج سري ودعوى أبوة. على الرغم من تأكيد أبوة الطفل، احتفظت إميليان بإرثها.

مسكن خليل في 1 شارع كافور (غير مؤرخ)، اعمال الترميم والتطوير في المتحف (حوالي التسعينيات)، مقال في الأهرام يعلن عن إعادة افتتاح المتحف، 1 مايو 1986

افتتح القصر لأول مرة كمتحف في عام 1962، تحت رعاية وزير الثقافة ثروت عكاشة. تم استخدامه للمكاتب التنفيذية للجمهورية المصرية خلال فترة حكم الرئيس السادات، ثم أعيد افتتاحه كمتحف في عام 1986.

 دعوة بدر الدين أبو غازي لحضور افتتاح المتحف عام 1962 الذي افتتحه ثروت عكاشة، الرئيس أنور السادات مع بدر الدين أبو غازي، مصدر الصور: د. عماد أبو غازي

في توثيقه لأرشيف بدر الدين أبو غازي، يروي الدكتور عماد أبو غازي تجربة والده مع المتحف. في عام 1971 طُلب من وزير الثقافة آنذاك، بدر الدين أبو غازي،  إخلاء متحف  محمد محمود خليل وحرمه لتحويله إلى مكاتب للرئاسة، حيث كان المتحف مجاوراً لمنزل الرئيس السادات.

واعترض أبو غازي على تسليمه لرئاسة الجمهورية، لأن المتحف أقيم بإرادة المالكين السابقين. كانت الوصية قد حددت أن يبقى القصر على حاله كما تركه خليل، وبالتالي لم يكن معارضة أبو غازي نقل الأعمال المعروضة فحسب، بل امتثالاً للإرادة. بعد تعديل وزاري وتقاعد أبو غازي لاحقًا، تم إخلاء المتحف وإرساله إلى قصر الأمير عمرو إبراهيم. فقط عندما تولى فاروق حسني حقيبة الثقافة، طلب ترميم المنزل وأعاد الأعمال إلى مكانها الصحيح.

تاريخ من إعادة الافتتاح

منذ افتتاحه لأول مرة، شهد متحف محمد محمود خليل وحرمه سلسلة من عمليات الإغلاق وإعادة الافتتاح، ويصطحب إعادة الافتتاح الإعلانات العامة في 6 مناسبات منفصلة على الأقل. في كل مرة يتم الإعلان عن إعادة الافتتاح كحدث مهم ومتوقع للغاية، ويتم التركيز على أهمية المجموعة وأعمال التطوير "الجديدة"، وترميم القصر والأعمال المعروضة، بالإضافة لإعادة النظر في تنظيم المتحف وإعادة صياغة الأعمال الفنية. لا يوجد تفسير واضح لهذا التاريخ من الإغلاق وإعادة الافتتاح، وربما ’لعنة خليل‘ هي السبب.

لعنة خليل

بناءً على بحثه، يروي حسين أ. ح. عمر عن خال جدته، محمد محمود خليل، و’لعنة خليل‘. كان جد خليل إبراهيم خليل باشا مدمناً على الخمر وإشكالياً، ويقال إن أبناءه أرادوا ان يقتلوه، لكن ابنه الأصغر محمود رفض المشاركة في هذه المؤامرة وأخبر والده. عندما اكتشف إبراهيم باشا حرم أبناءه من الميراث، وعند وفاته قسّمت ثروته على شقيقين بدلاً من أن تقسم بالتساوي بين أبنائه الكثيرين. كان يُعتقد أن الثروة ملعونة، وكبرت الأجيال الشابة على اعتقادهم أنهم إذا أخذوا أي شيء من آل خليل، فهو ملعون. كدليل على هذه اللعنة، يصف عمر أنه عندما تلقت خالة والدته لوحة من إميليان، سقط سقف منزلها.

الأيدي الناعمة

لقطات من فيلم الأيدي الناعمة، 1963

كان قصر خليل موقعاً للفيلم الكوميدي "الأيدي الناعمة" عام 1963، بطولة صباح، أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، مريم فخر الدين وليلى طاهر، والمقتبس من مسرحية لتوفيق الحكيم تحمل نفس الاسم. في الايدي الناعمة، أحمد مظهر هو أمير منزعج يكافح من أجل أن يتأقلم مع مصر الناصرية الاشتراكية ما بعد الثورة.

القليل من قصة الفيلم تشير إلى المقيمين السابقين في القصر، على الرغم من أن عنوان الفيلم يلمّح إلى نوع الشخصية الأرستقراطية ذات الأيدي الناعمة، بسبب قلّة العمل. ربما يكون تصوير شخصية الأمير البغيضة مستوحى منهم، لأنه وفقاً لحسين عمر، محمد محمود خليل بك وزوجته إميليان، كانا كلاهما شخصيتين مزعجتين إلى حد ما بكل المقاييس.

هناك أيضاً إشارة إلى المشهد الفني في القاهرة الذي لعب فيه هذا القصر وأصحابه السابقون دوراً مهماً. جيهان (شخصية مريم فخر الدين)، إحدى بنات الأمير، فنانة تعمل من أجل لقمة العيش. يتم تكليفها برسم أعمالها وتبيعها بانتظام مقابل أجر كبير.

زهور الخشخاش وإعادة الافتتاح الأخير

لمدة عشر سنوات، تم إغلاق المتحف بعد سرقة لوحة فان جوخ بعنوان "زهور الخشخاش"، والتي تم قطعها من إطارها وسرقت من المتحف في أغسطس 2010. نفس اللوحة سُرقت من نفس المتحف في عام 1977 لكنها استُعيدت بعد عقد من الزمان.

بدأت أعمال التطوير في عام 2014 وشملت عدة مراحل من البناء لتحديث معدات المتحف، بما في ذلك شبكات التهوية والتكييف وأنظمة الكهرباء والمياه. تم ترميم الأعمال الفنية، بالإضافة إلى إعادة تغيير وتحديث سيناريو العرض المتحفي. وتم أيضاً تعزيز الإجراءات الأمنية، من خلال تركيب أنظمة كاميرات جديدة ودمج طرق التأمين العالمية التي تتبناها أكبر المتاحف في العالم.

لقطة من الجولة الافتراضية لمتحف محمد محمود خليل وحرمه متاحة على الإنترنت عبر موقع الفنون الجميلة التابع للحكومة المصرية

تتوفر جولة افتراضية عبر الإنترنت عبر موقع الفنون الجميلة التابع للحكومة في حال عدم استطاعة الذهاب إلى المتحف نظراً للظروف الحالية. من غير الواضح إذا كان قد تم تحديث هذا العرض وإذا ما يعكس الترميم الجديد وإعادة تغيير سيناريو العرض الجديد، لكنها تظل جولة ممتعة. قم بزيارة متحف محمد محمود خليل وحرمه شخصياً إذا أمكنك ذلك، أو اطلع على كنوز مجموعة خليل الجميلة وأنت مرتاح في منزلك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard