بين خطاب السلطات البحرينية التي تتغنّى بعهدٍ من الإصلاح، بعد إطلالة ملك جديد تسلّم زمام الحكم في البلاد عام 1999، وخطاب المعارضة، التي تعيش صراعاً مع العائلة الحاكمة تجلت معالمه في الحراك الشعبي عام 2011، أين هو البحرين السياسيّ اليوم؟
للبحرين (المملكة حديثاً) تاريخ يمتدّ إلى ما قبل الميلاد بأربعة آلاف عام، عندما نشأت حضارة دلمون. كانت محطة على طريق التجارة بين الغرب والشرق، وتوالت على حكمها الإمبراطوريات الأكادية، والأخمينية العربية، والبارثية، والساسانية حتى بلوغ الإسلام حين حكمتها قبائل عربية مستقلة، ثمّ قبائل عربية عيّنها الفرس.
سيطر البرتغاليون على البحرين-الجزيرة التي كانت تسمى “دلمون” ثم “تايلوس” ثم “أوال” إلى أن سُمّيت البحرين في القرن السادس عشر. كانت تمتد من الكويت شمالاً على مرّ الساحل الشرقي للجزيرة العربية وصولاً إلى سلطنة عُمان اليوم، إلا أن البريطانيين الذين استولوا على المنطقة في القرن التاسع عشر، مدى عقود طويلة، قسموها وأداروها حتى عام 1971، حينما انسحب آخر جندي بريطاني في 14 أغسطس معلناً استقلال البحرين، فتسليم الحكم لقبيلة آل خليفة القادمة من “الزبارة” في قطر عام 1783، عقبَ معركة مع حاكمها “نصر مذكور”.
تقطن البحرين تركيبة من السكان العرب، معظمهم مسلمون، المختلطة أصولهم بالدول المجاورة، فمنهم من يعود أصله إلى الغالبية الشيعية (آل بيت الرسول محمد ص)، ومنهم من يمتد أصله إلى القبائل العربية النجدية، فيما تختلط أصول البقية بعائلات عراقية وإيرانية، وكذلك هندية وباكستانية. فالبحرين كانت ولمّا تزل على طريق التجارة العالمي بين الغرب والشرق، وتمتزج فيها هذه الأصول وفروعها سواء بسواء.
تتجاوز نسبة الأجانب الذين يعيشون في البحرين نصفَ سكانها، من عربٍ وشرق آسيويين وأوروبيين. وفي السنوات الأخيرة، عمدت حكومة البحرين لتجنيس آلاف العرب والآسيويين من الطائفة السنية، لتغيير ديمغرافية البحرين التي تغلب عليها الطائفة الشيعية.
استولت الإمبراطورية البريطانية على منطقة الخليج في القرن التاسع عشر، واعتبرت البحرين كما هي اليوم (أرخبيلاً من 33 جزيرة) إمارة مستقلة عن الدول المجاورة، وأرسلت أسطولاً لحمايتها، حتى الاستقلال في 1971، إثرَ تسليمها إلى حكم آل خليفة الذين حكموها وفقاً لنظام قبليّ.
كان آل خليفة، بعد أن دخلت البحرين حرباً على حاكمها، قد فرضوا الضرائب على أصحاب الأراضي، واستولوا على أراضٍ أخرى، مما خلق عداوة بينهم وبين سكان البحرين الأصليين، ممتهني الصيد والزراعة والتجارة. بقي الحال كما هو عليه حتى جاء البريطانيون فسنّوا القوانين، ونظموا العلاقة بينهم وبين آل خليفة واستطاعوا ضبط إيقاعها في بعض الأحيان، إلا أنها بقيت متوترة، تظهر حقيقتها على السطح بين الحين والآخر طوال القرن الماضي.
الثورات والحراك السياسي النشط في البحرين، منذ الخمسينيات، أدّيا إلى الضغط باتجاه تأسيس دولة ديمقراطية يحكم فيها الشعب من خلال البرلمان (عام 1973) إلا أن ذلك لم يطل، عندما حلّ الأمير السابق البرلمان عام 1975. عاد الملك الجديد عام 2011 بعصر جديد من الديمقراطية، لكن البرلمان الحالي، بغرفة معينة وأخرى منتخبة، لم يمنح الشعب السلطة في إدارة البلاد. وتتحكم الدوائر الانتخابية الموزعة بطريقة تمكن الحكومة من إدارتها بالغالبية التي تصل إلى البرلمان، مما يجعل القرار محصوراً بيد السلطة الحاكمة.
بحسب العائلة الحاكمة، إن الصراع الدائر في البحرين طائفيّ، ولإيران يد فيه. في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كانت مصر، وفقاً للسلطات، وراء الاحتجاجات، كما كان الداعم الرئيسي للثائرين في السبعينيات، هو الاتحاد السوفياتي السابق.
لكن المعارضة البحرينية ترفض اتهامها بالتبعية إلى الخارج، وتؤكد أن مطالبها وطنية ومشروعة، متمثلة في تطبيق الملكية الدستورية والمساواة بين المواطنين ومحاربة الفساد، وحكومة منتخبة، وأمن للجميع وقضاء عادل، كلّ هذه المطالب جاءت في وثيقة المنامة المتمسكة بها منذ أكثر من عامين.
بالإضافة إلى العائلة الحاكمة، هنالك قوى معارضة تتمثل في جمعيات سياسية تعمل تحت قانون الجمعيات في البحرين وعددها سبع. خمسٌ منها متحالفة في مواقفها وتحركاتها وفعالياتها، فضلاً عن جمعيات موالية للحكم تتحرك عندما تحتاج الحكومة لمن يدعمها ويتكلم بلسانها ويدافع عنها.
جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الشيعية، هي أبرز جمعيات المعارضة، متحالفة مع جمعيات تتبنى التيار الليبرالي، وأخرى تابعة للتيار القومي، بالإضافة إلى جمعية التيار الوحدوي الناصري. أما الجمعيات القريبة من السلطة، فأبرزها جمعية تجمع الوحدة الوطنية التي تتغنى بتنوعها الطائفي، إلا أن خطابها يدافع عن الطائفة السنية فقط.
منذ القرن التاسع عشر، كانت البحرين حاضنة من الحاضنات البريطانية، وبقيت كذلك حتى الاستقلال عام 1971، إلا أن التبعية للغرب لا تزال قائمة بوجود الأسطول الخامس للجيش الأمريكي على أرض البحرين منذ أكثر من سبعين عاماً، والذي تعتبره الولايات المتحدة من أهم أساطيلها، فيما تعتبره دول الخليج حاميها من العدو الجار، إيران.
وبرغم أن البحرين عضو في مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه، لا تختلف مواقفها عن مواقف الشقيقة الكبرى، السعودية بل تتطابق معها دائماً، برغم اختلاف هذه المواقف بين السعودية وبقية دول الخليج في شأن جميع الملفات.
البحرين دولة خليجية مستقلة في سيادتها وحكمها، ولكنها تميل إلى الارتباط بالمملكة العربية السعودية في مواقفها الخارجية والداخلية. فرضت السعودية قوتها كجزء من الأزمة البحرينية الداخلية عام 2011، عندما أرسلت قواتها إلى البحرين للمشاركة في قمع الاحتجاجات التي خرجت مطالبة بالتغيير والإصلاح.
على ذلك، فإن المملكة الكبرى قد وضعت الصغرى تحت عباءتها، وأعلنت حماية حكمها، مخافة انتقال أي تغير ديمقراطي من الجزيرة إلى المملكة عبر الساحل الشرقي السعودي.
كان النظام في البحرين يفتخر بالمشروع الإصلاحي الذي جاء به الملك مطلع العقد الماضي، والذي نصّ على الانتقال الديمقراطي، إلا أن عدم تطبيق النصوص والبنود المعلنة أثار استياء المعارضة، فدعت لتغيير هذا الوضع بالوسائل التي أتيحت لها كـ”قانون الجمعيات السياسية”، أو عبر أروقة البرلمان والتظاهرات والاحتجاجات بما يسمح به القانون، إلا أن ذلك كله لم يجدِ في إحداث التغيير المطلوب.
وجاء الربيع العربي ليحرك عجلة المطالبات المحلية المأزومة من جديد وينقلها للشارع، لكن البحرين كانت الدولة العربية الوحيدة التي نُسيت من الربيع العربي بعد تسليط الإعلام الضوءَ على العنف الدائر في سوريا وليبيا واليمن التي انطلقت ثورات شعوبها في فترات متقاربة جداً.
البحرين في سياستها الخارجية تحابي حلفاءها الغربيين (المملكة المتحدة والولايات المتحدة) كما تتبع في الغالبية العظمى من سياساتها السعودية، فهي على سبيل المثال مع الانقلاب العسكري في مصر، إلا أنها لم تعلن الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً على أرضها، وتركت الإخوان الذين يتقلدون مناصب إدارية ووزارية في أماكنهم حتى اليوم.
وقفت البحرين بشدة ضد النظام السوري، كما فعلت شقيقاتها الخليجيات، إلا أنها مع تفاقم الصراع على أرض الشام، هددت كل من يشارك في الحرب الدائرة هناك من حاملي جنسيتها، وأمرتهم بالعودة إلى حضنها واعدة بتقديم النصح والتأهيل.
لا تتوانى الحكومة البحرينية عن اتهام إيران بالوقوف وراء زعزعة الأمن في المنطقة بشكل عام والبحرين بشكل خاص، ودعمها التحركات الانفصالية والانقلابية في البلاد، جاعلة منها العدو الذي تحشد لمواجهته في كل وقت.
يرتبط الإصلاح السياسي في البحرين والانتقال من الأزمة السياسية إلى رحاب الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بالحل على المستوى الإقليمي، ذلك أن الحل في البحرين مرتبط بحل الأزمة السورية، وباستقرار الأوضاع في مصر، وكذلك التنازلات التي ستقدمها إيران في مناطق أخرى في المنطقة.
الأزمة البحرينية خرجت من كونها داخلية، والدليل على ذلك تمطيط الحكم في القبول بالجلوس إلى طاولة الحوار الجاد مع المعارضة والأطراف الأخرى في المجتمع منذ ثلاث سنوات، برغم الدعوات المستمرة والمتواصلة من الغرب للقيام بذلك.
تعتمد البحرين بما يزيد على الثمانين في المئة من دخلها القومي على النفط، ولكنها في الوقت عينه لا تفصح عن عوائدها من هذا المصدر المهدد بالنضوب خلال الثلاثين عاماً المقبلة. عملت خلال العقد الماضي على تقوية مكانتها كمركز مالي مهم في الشرق الأوسط معتمدة على تشريعاتها ومعاييرها العالمية فيما يتعلق بقطاع المال والأعمال، إلا أن هذا القطاع وغيره من القطاعات تأثر جرّاء الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
كما أن التجنيس السياسي الذي أثقل كاهل البلاد بمصروفات كبيرة، لم يتم التخطيط لاحتوائه، بالإضافة إلى أن ارتفاع المصروفات على الأمن أدى إلى تكبد البحرين ديناً عاماً بلغ 13.5 مليار دولار، مشكلاً بذلك نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...