المدرسة اليوم ليست ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، ولكن رواسبها لا تزال محفورة في ذاكرة من عايشوها. لطالما كان التعليم في العالم العربي، بطريقة مباشرة أو لا، أداة من أدوات الحكم. كسر الإرادة، العاصية بالفطرة، يبدأ في هذا "الصرح"، وهناك يتعلم المواطن الانصياع للمعلم أولاً، ثم الامتثال للقائد. تتشكل علاقته بالسياسة، بمكانة الحاكم، وبالسلطة. في هذا الملف، يستذكر 5 كتّاب من المغرب، الجزائر، سوريا، مصر والسودان، حادثة طبعت ذاكرتهم، عن تلك الأيام التي شكلت وعي آلاف المواطنين، وعن حقبة تلقين تتغيّر معالمها اليوم.
أعطوني أسرع حصان، لقد قلت الحقيقة للملك
عبد الرحيم الخصار، المغرب
أطفال "الخيرية" كانوا يلبسون زيّ العساكر ويحملون سلاحاً من خشب في أعياد العرش "المجيدة" و أعياد "الشباب" و"المسيرة الخضراء"، ونحن كنا نحمل الرايات ونهتف بالأناشيد في الساحات وفي الشوارع، ونمجّد الرجل الأول في البلاد بتلك الجملة التي ما زالت تملأ أفواه الفقراء: "عاش الملك".
على الحائط أكتب "مدرستي جميلة، نظيفة ومتطورة"
نائل الطوخي، مصر
قال لنا معلم الديانة في المدرسة جملة بليغة ذات مرة. كنا في نهاية المرحلة الإعدادية، في حوالي الثالثة عشرة. طلب منا ألا نفتي عندما يسألنا أحد سؤالاً في الدين. والفتيْ (الإفتاء) في العامية المصرية الحديثة يعني إطلاق الأحكام بغير علم. "أوعى تفتي". وكالعادة من أي معلم ناجح، طرح علينا الأمثلة "لو حد سألك على العادة السرية، حرام ولا حلال، قلّه حرام على طول. أوعى تفتي". شكراً لمعلم الديانة. علّمْتنا فعلاً ألا نفتي بغير بيّنة، ولكن ماذا كانت بينتك؟
سيرة الألم الابتدائي
رستم محمود، سوريا
حين دخلت المعلمة الصف في أول يوم لنا في المدرسة، ساد صمت طويل بيننا. وزّعت نظراتها يميناً وشمالاً وصرخت بكل قوتها فجأة: "قيام"! فوقف طالب واحد. ثم أعادت الكرّة مرة أخرى: "ولك قيام يا بهايم"! لكن دون أية جدوى، حيث ظلّ واقفاً الطالب نفسه فقط. ستحتاج المعلّمة إلى خمس دقائق من التحديق في جدول أسماء الطلاب، لتكتشف بأن الطالب الواقف كان الطالب الوحيد الذي يفهم العربية بين الطلبة الأربعين.
دولة المدرسة
رانيا المأمون، السودان
صفعتنا الدهشة وأثارنا العجب والتعجب. التفت كلّ منا نحو الآخر، وسؤال قلق سُطّر على صفحات العيون المستفهمة: كيف تجرّأ هذا التلميذ على أن يقول للمعلم: "لا، هذا خطأ"؟ كيف واتته الشجاعة ليقول هذا؟ بل ما هذه "الوقاحة" ليظنَّ أنه يعرف أكثر من المعلم! صاحبَ هذه الأسئلة إعجابٌ بذكاء هذا التلميذ وحصافته.
يوم ضربني الرئيس الشاذلي
عبد الرزاق بوكبة، الجزائر
كان عمري تسعة أعوام حين قال لنا مدير المدرسة الوحيدة في القرية، سنة 1986، إنّ علينا أن نحضر بعد أربعة أيام باكراً إلى المدرسة ليتمّ نقلنا في حافلة خاصة إلى مدينة المنصورة حتى نشارك في الاستقبال المعدّ للرئيس الشاذلي بن جديد، الذي سيزور ولايتنا، برج بوعريريج، ليدشن مشاريع، ويعلن عن أخرى. وقد طُلب منا أن نختار أحسن ثيابنا لنكون في مستوى المناسبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...