شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مراجعة لرواية “كولونيل الزبربر”

مراجعة لرواية “كولونيل الزبربر”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 مايو 201604:58 م

يقدّم "الحبيب السائح" في روايته الجديدة "كولونيل الزبربر" تاريخ الجزائر الحديث، ابتداءً بثورة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي (1954-1962)، فالحصول على الاستقلال، وما تلا ذلك من أحداث، أبرزها "المحنة الوطنية" (1992-2002)، أو ما يعرف بالعشرية السوداء.

نحن إذاً أمام رواية تستلهم من التاريخ مادتها، ولكنها مع ذلك ليست رواية تاريخية، فالروائي لا يلجأ إلى سرد الأحداث التاريخية كما يمكن أن نقرأها في كتب التاريخ بل يروي تفاصيل هذه الحروب وبالأخص ما اعتراها من أخطاء وتجاوزات، ليقدّم صورة جديدة واقعية عنها، بعيداً عن الصبغة المثالية التي أُسبغت عليها، في محاولة لطرق أبواب المسكوت عنه.

مقالات أخرى:

الرواية تبدأ مع "طاوس الحضري"، التي يسلّم إليها والدها "فلاش ديسك" تتضمن مذكرات جدها "مولاي بوزفرة" الذي كان ضابطاً في جيش التحرير الوطني، وقد أورث هذه المذكرات لابنه "جلال الحضري" الملقب بـ"كولونيل الزبربر". هذه المذكرات حفزت الابن ليكتب مذكراته أيضاً، ليسلم الاثنين في ما بعد إلى ابنته. "وجدته في المكتبة واقفاً ينتظرني. رازني بعتاب عابر، كأني تأخرت عنه. سلّمني بشماله مفتاح "فلاش ديسك". نطق "تجدين فيه ملفاً واحداً مهماً". وتبسم "ذلك ما يمكن أن ترثيه مني"، وأمال عينيه نحو الكومبيوتر "أفرغته!"، ثم تبسّم بسمة أطول "غسلت مخه!" ووضعه على سطح المكتب. كنت أستطيع أن أرى ثلاث صور فوقه: أمي باية الهائلة الشباب، شقيقي ياسين بهدوء البحر، وأنا كما أحببت أن يراني هو، الوالد - كولونيل الزبربر".

هكذا تتناوب ثلاثة أجيال في سرد الرواية، لكن من خلال قراءة "طاوس"، فتتداخل الأزمنة والأحداث تداخلاً يجبر القارئ على أن يبقي تركيزه في أعلى مستوياته، خاصةً أن الفضاء المكاني الذي تدور فيه معظم الأحداث التاريخية هو نفسه: "جبل الزبربر" الذي كان معقلاً للثوار أثناء حرب التحرير، وأصبح مكاناً تتجمع فيه الجماعات المسلحة في التعسينيات، وكان هذا الجبل شاهداً على كل تلك الحروب.

تشير الرواية بجرأة إلى ما غيّبه التاريخ الرسمي، فيروي الجد "مولاي بوزفرة" عن التصفيات التي حصلت بين الجنود والضباط الجزائريين بعد الاستقلال بتهم الخيانة والانفصال، وكيف تمّت تصفية المتعلّمين الجزائريين ممن انضموا إلى الثورة بذريعة أنهم درسوا في مؤسسات فرنسية وبالتالي مشكوك في ولائهم. ما كان من الجد إلا أن انسحب من الحياة العسكرية والسياسية احتجاجاً على تلك الممارسات، وخاصة بعد إعدام أحد زملائه الضباط، "بعد الذكرى الثانية للاستقلال، غادر النقيب مولاي الحضري، المكنى بوزفرة، كل حياة لها علاقة بشؤون الدولة. لاحقاً، كان سيسجل أنه لن يبرأ من جرح إعدام العقيد شعباني "ذروة اللامسؤولية! خالص العبثية أيضاً!"، فشرف جندي مثله كان لن يسمح له بأن يزكي خرقاً فادحاً كالذي وقع في حق ذاك العقيد".

كما تسرد الرواية حياة الابن "جلال"، الملقب بكولونيل الزبربر، بدءاً من طفولته وذكرياته عن أبيه الغائب، مروراً بدراسته والتحاقه بأكاديمية عسكرية ثم تشكيله فصيلة مهمتها التصدي للجماعات الإرهابية المسلحة في فترة المحنة الوطنية، فيروي من خلال مذكراته الكثير من فصول الاقتتال الدموي، والذي يكون ابنه "ياسين" في عداد ضحاياه المباشرين، إذ يُقتل أثناء محاولة لتحرير بعض الرهائن من قبضة الإرهابيين.

رغم فضاء المعارك الذي تدور الرواية في فلكه، فإنها تمتلئ أيضاً بالكثير من الحديث عن الحب، الذي يبدو في معظم الأحيان شبيهاً بالأساطير. يشبك الكاتب قصص الحب الثلاث بعضها ببعض في فصلٍ آسر، تروي فيه "طاوس" ليلة عرس جدها "بوزفرة" وجدتها "رقية"، قبل اثنين وستين عاماً، كما ليلة عرس والدها "جلال" ووالدتها "باية"، وهو في برنوسه الأبيض وهي في "قميجتها" الحريرية البيضاء محفوفة بسبع شموع، كما تروي علاقتها هي "طاوس" بزوجها "حكيم"، في تداخلٍ بين القصص الثلاث يزيد أسطرة علاقات الحب هذه ويمنحها وهجاً فريداً، "خيّلت العمة لابن أخيها جلال والديه في لحظتهما تلك جنباً لجنب في قارب من ورق أخضر دخل بهما في فيض أفق أبهر ألواناً من تلك التي لا بدّ تمنياها من قبل ليلتهما الأولى، كلٌّ من مسافة بُعده عن الآخر، متناسيين ما كان عريسان، مثلهما، سينطقانه لبعضهما، كما لم ينطقه آدم لحواء، قالت العروس باية: "جلال أنا، سأحبك". حكيم، كان همس لي: "لأني أحببتك!".

يستمر وهج الحب هذا على امتداد صفحات الرواية، ويشفي أرواح الشخصيات مما علق بها من آثام الحروب وفظاعات القتال، مترافقاً مع قصيدة مغناة من الشعر الشعبي في الجزائر، يزيّن بيتٌ مختلفٌ من أبياتها نهاية كل فصل من فصول الرواية.

الحبيب السائح كاتب وروائي جزائري من مواليد 1952. اشتغل بالتدريس والصحافة، ثم تفرغ للإبداع الأدبي. له بضع مجموعات قصصية، وثماني روايات: "زمن النمرود"، "ذلك الحنين"، "تماسخت"، "تلك المحبة"، "مذنبون، لون دمهم في دمي"، "زهوة"، "الموت في وهران"، و"كولونيل الزبربر"، وقد ترجمت معظم رواياته إلى اللغة الفرنسية. كما فاز بجائزة الرواية الجزائرية عام 2003.

الناشر: دار الساقي/ بيروت

عدد الصفحات: 304

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات أو على موقع متجر الكتب العربية جملون


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard