شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "سدوم"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 مايو 201605:11 م

يتخذ الروائي عبد الحميد شوقي من مدينة سدوم العبرية الواردة في نصوص التوراة، عنواناً لروايته. وإن كانت المدينة القديمة قد حاق بها الهلاك الإلهي، لأنها غرقت في الرذيلة، إذ لم تستمع سوى "لصوت جسدها وغريزتها"، فإن الكاتب في روايته يعيد حكايتها، لكن على واقع بلاده "المغرب"، وعلى واقع أناس يعيشون في هذا الزمن، محاولاً خلق نظرة جديدة لتلك المدينة.

نظرة تدفع إلى تحرير الجسد وإطلاق رغباته وشهواته بعيداً عن الكبت، وبعيداً عن الزيف والاختباء خلف شعارات محافظة، نقولها في العلن، ونمارس عكسها في الخفاء.

مقالات أخرى

5 أفلام رسوم متحركة بمضامين سياسية عليكم مشاهدتها

اليأس العربي: لحظة مناسبة لاستعادة السريالية المصرية

هكذا يدعو الكاتب إلى تحرر الجسد لأنه الخطوة الأولى في سبيل تحقيق الإبداع: "أيها العالم.. نحن الذين ندمن النهار كأبدية لا ترحل... اترك لأجسادنا أن تعيد حكاية سدوم التي لم يدمرها فسادها، بقدر ما دمرها عدم قدرتها على رفع شهواتها إلى مقام القوانين التي لا ترتفع. لم تكن سدوم موغلة في درك الرذائل في الأسفار التوراتية فقط، كانت سدوم راقصتنا التي نتلوى تحت خصرها في الليل، ونرجمها ألف مرة في النهار".

تنقسم الرواية إلى 21 فصلاً، يتناوب السرد فيها بين سبع شخصيات، تشكّل شلة تطلق على نفسها اسم "الشلة السدومية". يجمع بينهم تطلعهم إلى تحرير ذواتهم وعيش حياة مختلفة. يلتقي هؤلاء باستمرار ويتبادلون الأحاديث في الإبداع، فهم جميعاً يعملون في هذا المجال. منهم الرسامة، والشاعر، والممثلة المسرحية والروائي والمخرج السينمائي. ويكون لكل واحد منهم حكايته التي حصلت في الطفولة، لكنها ظلت مختزنة في الذاكرة وموشومة في الروح، فينطلق السرد في كل فصل من لحظة حاضرة ويعود لكشف أسرار الماضي وأثره، وحكاياته المؤلمة، التي تشكّل عائقاً أمام كل فرد منهم في الانطلاق نحو تحررّه.

هكذا نقرأ قصة ميلاد الذي عملت أمه في الدعارة بسبب الفقر، فما كان من والده حين علم إلا أن قتلها. وقصة الراهب الذي يحمل أثر سفود حامي على جسده، بعد أن وضعته أمه على جسده لأنها رأته يمارس الجنس مع مراهق آخر. وقصة سامية التي أقامت علاقة جسدية مع أستاذها لكنه لم يستطع إشباع رغبتها فقامت بالإساءة إليه كثيراً، والإشارة إلى ضعفه الجنسي، وإذاعة الخبر بين الجميع، حتى دفعته إلى الانتحار.

وقصة أحلام التي ظلت تحتفظ في ذاكرتها بطعم جسد كمال منذ مغامرتهما الطفولية، وحين عاد من فرنسا بعد أن أصبح شاباً تعيد إحياء هذه الذكرى في ليلةٍ تكون ليلة جنس وبوح، يحكي فيها كمال عن حياته وعن والده الذي أصبح إرهابياً بعد سفرهم إلى فرنسا.

تشير الرواية إلى قضية الأمازيغ في المغرب، وإلى نضالهم للاعتراف بلغتهم الرسمية، واعتبارهم جزء أساسي من الهوية الوطنية، من خلال قصة أسلين الفتاة الأمازيغية التي تعمل ممثلة مسرحية، وتسعى مع إحدى المخرجات للإجابة عن سؤال: "كيف نفصل المسرح عن الأخلاق من أجل مسرح متحرر، مثلما نفصل الدين عن السياسة من أجل دولة مدنية؟ كيف نغيّر تصوّر الناس لجسد الممثل أو الممثلة؟".

يقترب الكاتب من تابو آخر من التابوهات في الكتابة، هو موضوع الدين والعلاقة مع الأديان الأخرى الموجودة في المغرب. إذ تنشأ علاقة غرامية بين كاميليا وشاب يهودي يدرس معها، وتحبل منه، ويكون ذلك مفتاحاً لنقاشات كثيرة حول الدينين المختلفين، ونظرة المجتمع لهذه العلاقة المحرّمة: "لم يكن ما بيننا شعور بالعار أو الفضيحة جراء هذا الحمل السِفاح. كثير من أصدقائنا في البعثة وقعت لهم المسألة نفسها واستمرت الحياة. كنا محصّنين وراء قيم الحضارة الليبرالية التي تجاوزت هذه السفاسف. كنت فقط أحاول أن أجد تبريراً لموقف ماما وبابا عندما تسامحا مع حملي، ولم يتسامحا مع ملّة الشخص الذي حملت منه".

تضيع الحدود في الرواية بين ما يجري حقيقة وما يجري في الرواية التي يكتبها الراهب، وما يجري في الفيلم الذي ينجزه النوري، أحد أفراد الشلة، إذ يطلق عليه اسم سدوم ويصوّر فيه هذا المجتمع. "سدوم ليست هناك في ذاكرة العهد القديم، سدوم مدينة متيقظة في حواسنا لاقتناص اللحظة العارية من كل أفق سماوي...". كما تتنوع الحكايات وتتعدد مستوياتها داخل الرواية، ويكون الجسد محور هذه الحكايات ومحرّكها، في سبيل البحث عن إجابة لسؤال يؤرق مجتمعاتنا اليوم: "ما الذي يخيف في الجسد لكي يصبح الجزء المقموع المحرّم الخفي في شخصية الفرد، والجزء الشيطاني المرتبط بالغواية والرذيلة والسقوط؟".

عبد الحميد شوقي كاتب مغربي من مواليد 1960، حاصل على إجازة في الفلسفة من كلية الآداب في الرباط، ويعمل أستاذاً للفلسفة. لديه ديوان شعر: "كنت أهيئ صمت الانتظار"، وأربع روايات: "خراب الحلم"، "الموت في رابينه"، "الموتى لا يعودون من السماء"، و"سدوم".

الناشر: دار الآداب/ بيروت

عدد الصفحات: 302

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية على موقع النيل والفرات ومتجر جملون
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image