شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "عقل سيئ السمعة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 مايو 201605:12 م

تتناول الكاتبة السعودية "زينب حفني" في روايتها السادسة "عقل سيئ السمعة" موضوع الإصابة بمرض نفسي وراثي، والصعوبات التي تواجه الإنسان بسبب ذلك في حياته، ووطأة المعاناة التي يضطر لتحمّلها، فكيف إذا كان المصاب بذلك المرض امرأة، وفي مجتمع منغلق ومحافظ؟ هذا هو السؤال الذي تحاول الكاتبة طرحه، وإثارة النقاش فيه. 

تبدأ الرواية من اليوم الذي تحتفل فيه "وجدان" بعيد ميلادها الثالث والثلاثين، وحيدة، دون من يؤنسها أو يحتفل معها، سوى الذكريات التي تتراصف على سطور الرواية، لنتعرف من خلالها على أسباب المقطع الغريب الذي تفتتح به البطلة: "لم أحب أحداً في حياتي كما أحببت أمي. ولم أكره أحداً في حياتي كما كرهت أمي. هي تستحق أن أحبها وأن أكرهها في الوقت نفسه. تتأرجح مشاعري بين نقيضين تجاهها. أمي التي كانت سبباً مباشراً لوجودي في الدنيا، وهي كذلك منبع تعاستي. معادلة صعبة قد لا يتقبّلها الكثيرون!".

وخلال السرد نعلم أن البطلة ورثت عن أمها "ذهان الهوس الاكتئابي"، التي ورثته الأم أيضاً من الجدة. هكذا نقرأ حكايتين متداخلتين تناقشان المرض نفسه، حكاية الأم "جميلة" والابنة "وجدان"، اللتين تعيشان في مجتمع شرقيٍّ قاسٍ، ينظر إلى المرأة المصابة بمرض نفسي نظرة دونية، ولا يتسامح أو يتعاطف معها.

مقالات أخرى

"نساء الشرق الأوسط" في شريط جنسي

تأثير اليهود في الأغنية الشعبية التونسية

غير أن توريث المرض ليس هو سبب كره الابنة لأمها، بل بالأحرى هو مفتاح التصالح وفهم تعقيدات الماضي وتصرفات الأم غير المبررة، إذ إن "وجدان" تحتفظ في ذاكرتها بذكريات مؤلمة من أيام الطفولة، فقد رأت أمها تمارس الجنس مع قريب العائلة في غياب الأب، كما حاولت في إحدى المرات قتل ابنتها خنقاً، وفي مرات عديدة حاولت الانتحار. هذا كله جعل الطفلة تكن مشاعر الكره لأمها وتصرفاتها، لكن إصابتها هي بالمرض كشفت لها دوافع الأم.

تفرد "حفني" لكل شخصية من شخصيات الرواية مساحة لتحكي الحدث من وجهة نظرها، هكذا نقرأ محاولة خنق الأم لطفلتها بدايةً كتصرف غريب تسرده ذاكرة الطفلة، ثم نقرأ أسباب الأم في الفصل الذي يلي، وموقف الأب ومشاعره من هذا في الفصل الثالث، فتكتمل الصورة بعد جمع أجزائها، "أصوات مبهمة كانت تناديني وتلحّ عليّ بالذهاب إلى غرفة وجدان. تطلب مني تخليص ابنتي من العذاب الذي ستتعرض له في كبرها. (...) صرت أردد... لن أدعها تصبح صورة مني. لن أدع ابنتي تعيد تمثيل مشاهد حياتي. الأسلم أن أريحها من عذاباتها القادمة لا محالة. وجدت ذراعي تطبقان على عنقها. استيقظت مربيتها على وجدان وهي تصرخ بنبرة مكتومة، وتضرب السرير بساقيها".

تسلط الكاتبة الضوء على الأثر السلبي الذي يتركه موقف الناس وطريقة تعاملهم مع حالات الأمراض النفسية، على الأشخاص المصابين بها، فتروي كيف عارضت عائلة "حامد" زواجه "جميلة" بعد معرفتهم بمرضها، ويتكرر الأمر نفسه مع الرجل الذي تحبه الابنة "وجدان"، لكن الفرق بين الحالتين أن "حامد" الذي سيصبح في ما بعد والد "وجدان" يحارب الجميع في سبيل حبه، ويبقى مع المرأة التي اختارها حتى لحظة مماتها، سانداً وداعماً وعطوفاً، في حين تفشل "وجدان" في إيجاد حبيب يكون كأبيها، يحبها ويصبر على مرضها ويحارب الدنيا من أجلها، ويكون ذلك سبباً في ازدياد وضعها سوءاً. "حضرت في ذهني صورة أمي، عندما كان أبي يوصد باب البيت الخارجي بالمفتاح بعدما تكررت حالات خروجها من البيت بدون وعي منها. أتذكر صراخها الليلي، وكيف كان أبي يضع رأسها في حجره ويقرأ لها آيات من القرآن الكريم. من يهبني رجلاً مثل أبي، يهدهد جنوني، ويرفعني بحبّه إلى أعلى مراتب السعادة، ويضعني في قلبه بمكانة القديسين؟".

ورغم أن الخط السردي للرواية يدور حول عائلة "وجدان" فإن الكاتبة تجنح قليلاً عن هذا الخط وتروي حكايات فرعية قصيرة، عن صديقات البطلة، مثل "سهى" الفتاة الثرية المصابة أيضاً بمرض نفسي، والتي تنشأ بينها وبين "وجدان" علاقة جنسية مثلية. كما تستحضر "حفني" الكاتبة "فرجينيا وولف" في فصلٍ أخير، وتجري مقاربةً بين بطلتها و"وولف"، موحّدةً نهايتها مع النهاية التي اختارتها الكاتبة البريطانية لمعاناتها مع مرضها النفسي.

زينب حفني كاتبة سعودية من مواليد مدينة جدة عام 1965، حاصلة على بكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة الملك عبد العزيز. عملت في عدد من الصحف والمجلات، وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية، منها: "نساء عند خط الاستواء" التي صدرت عام 1996، وأثارت الكثير من اللغط بسبب جرأة المواضيع التي تضمنتها، وهذا ما أدى إلى مصادرة النسخ ومنع الكاتبة من السفر في ذلك الوقت. ترجمت بعض قصصها إلى عدد من اللغات الأجنبية. كذلك صدرت لها ست روايات: "الرقص على الدفوف"، "لم أعد أبكي"، "ملامح"، "وسادة لحبّك"، "سيقان ملتوية"، و"عقل سيئ السمعة".

الناشر: نوفل، دمغة الناشر هاشيت أنطوان/ بيروت 

عدد الصفحات: 184 

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية على موقع نوفل - هاشيت أنطوان وعلى موقع نيل وفرات


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image