شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "أغانيات"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 مايو 201605:13 م

يقترب الكاتب اللبناني سامي معروف في روايته الثانية "أغانيات" من عالم السياسة والمال والجنس، مبرزاً ارتباط هذه العناصر الثلاثة بعضها ببعض، وكيف يوظفها شخص سياسي ذو نفوذ كبير، في سبيل تحقيق مصالحه ومشاريعه الخاصة، معتمداً على أربع سيدات يشكّلن بقصصهن حبكة الرواية.

"ريهام"، "جهينة"، "ذكريات"، "شروق"، بطلات الرواية وغانياتها، أربع من سيدات المجتمع الراقي في حياتهن العلنية، فمنهن الصحافية الناجحة، والطبيبة النفسية، والمغنية ذات الصوت الساحر، والراهبة التي كانت قد نذرت حياتها لله، قبل أن تتحوّل إلى طريق مختلف.

يحيك "جيلبير عزوري" الرجل السياسي، شباكه حولهن واحدة واحدة، ويقودهن لينغمسن في شبكة كبيرة من العلاقات، يحركها هو ورجاله، لتنفيذ مخططاته، معتمداً على الوسيلة التي لا تخيب أبداً: الجنس!

لكل من هذه النساء الأربع قصتها التي تحكيها الرواية، بدءاً بمغامرات المراهقة البريئة حتى الوصول إلى مستنقع الجنس، فيصبحن "عاهرات الطبقة اللوكس، أي المخصصات لعلية القوم"، ويدخلن غمار السياسة من هذا الباب. هكذا يبرز الكاتب العلاقة بين المرأة والسياسة، وكيف أن أهم القرارات تتخذ في أحضان العشيقات، وأخطر الأسرار يباح بها في حضرة اللذة، وأعظم القضايا تناقش على سرير الشهوات، "رغم محاولات الإقصاء والفصل بين المرأة وعالم القيادة، إلا أن الجنس اللطيف، بقي دائماً وأبداً، على صلة عميقة بمجتمع صناعة القرار منذ عهد كليوباترا وشجرة الدر وثيودورا وماري أنطوانيت وجوزفين... وإلى زمننا الحالي. فعند الحديث عن علاقة النساء بالعروش والكراسي لا نجد فرقاً بين الشرق والغرب، شمال وجنوب، أو بين بوذي وكونفوشي، أو مسلم ومسيحي".

تُبنى الراوية على حبكة تعتمد على التشويق، دون تقيّد واضح بالزمن، إذ تتنقل الفصول بين أزمان مختلفة فتكشف أجزاء وتخفي أخرى للفصول التالية، وتراوح هذه الفصول بين سردٍ يكمل الأحداث، ورسالة تكتبها "ريهام" وهي في المصحّ العقلي، وتوجهها للرئيس. ولكن أيّ رئيس؟ لا إجابة عن هذا السؤال، فالصفات التي تسبغها على هذا الشخص من عدل وحكمة ونزاهة وأخلاق، تجعلنا نشعر وكأنها تخاطب "السياسيّ الحلم" الذي ليس له وجود، ذاك البعيد عن قذارات السياسة ونجاستها، والذي همّه الأول والأخير أن ينقذ البلاد من الفساد الذي استشرى فيها.

هكذا تمضي أقسام الرسالة بين جنبات السرد، مناقشةً قضايا عميقة بأسلوب فلسفي ينمّ عن ثقافة واسعة وتأمل وتفكّر بعيدين، وتكون الثيمة الأبرز حضوراً هي مفهوم السياسة وتاريخها وتأثيرها في حياة الناس ومعاشهم، "السياسة! نسرٌ قديم قدم الأيام، ذو رسالة طيبة، تواكبه طيور جناساتٍ جميلة هي الأخرى: القيادة، التخطيط، الإدارة، التدبير، الإصلاح، الرؤية والرؤيا... سائس السفينة ربّانها، قائد الجيش يسير به إلى النصر، الوزير يدير وزارته لتؤدي مهامها بشكل أفضل. وكذلك أيضاً ربّ البيت هو القائد والمدبّر لحاجات أسرته. السياسة ضرورة وحاجة. ولكنها في العصر الحديث، يا فخامة الرئيس، "ممسوخ مهجّن" و"سحر أسود" صنّعته أيدي السحرة الساسة في الغرف المعتمة. السياسة هنا فن التخابث والمناورة، التكتيك والبازار، اللعب بالمتناقضات وحرب المصالح".

تصل حبكة الرواية إلى ذروتها بعد أن يُقتل "ديب عساكر"، وتتهم "جهينة" بقتله ويزج بها في السجن. لكن يظهر أن القاتل الحقيقي ليست زوجته "جهينة" التي اعترفت بالجريمة لتنتهي من حياتها البائسة، بل شخصٌ آخر، يبقى مجهولاً، وتبقى دوافعه غامضة، حتى الفصل الأخير حين تتكشف كل الألغاز.

هذه الحادثة، إضافة إلى كثرة الأعداء حول "جيلبيرت" الذي يدير كل هؤلاء الغانيات والرجال، وخصوصاً عداوته القديمة مع "السيد ح. ص" وتربص كل منهما للآخر وتحيّن فرص الانتقام، سيحرك كل الخيوط، ويجمعها في مؤامرة مزدوجة، يستخدم فيها كل طرف أساليبه وحيله للإيقاع بالخصم، في تصعيد درامي شائق.

تنتهي الرواية بنهاية الرسالة الطويلة التي تكتبها "ريهام" لفخامة الرئيس المجهول، ليبقى السؤال الذي تدور حوله الرواية معلقاً دون إجابة واضحة، وهو في الحقيقة السؤال الذي يهجس به كل مواطن مقهور في عالمنا العربي: "سؤالي الأخير والخطير، يحضرني الآن يا سيدي الرئيس، وسامحني إن كانت رسالتي طويلة مملة، هو: عندما يكون القوي كبيراً... وعالياً جداً... والقانون جرادة أمام مارد عظمته، وقد علّمنا التاريخ أن الحق يقف وقفة شاهد زور خائف إلى جانب القوي، أيبقى للضعيف بعدُ حق يطالب به، ومن ذا الذي يعطيه حقه؟".

سامي معروف رسام وشاعر وروائي لبناني، واعظ ومرشد روحي واجتماعي في السجون. صدرت له بضعة كتب قصصية للأطفال، وديوانان "ذبيحة شفاه" و "قبور الشهوة"، وروايتان: "رقصات التيه" و"أغانيات".

الناشر: دار الآداب/ بيروت

عدد الصفحات: 318 

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات أو على موقع متجر الكتب العربي جملون


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image