من فكرة إلى حقيقة، يتحول اليوم مشروع المتحف الفلسطيني، "البيت" الذي يجمع الفلسطينيين في الداخل والخارج. ويتم افتتاحه في 18 مايو الجاري، في مدينة بيرزيت شمال القدس، في محاولة ليكون توثيقاً كاملاً للمعاناة الفلسطينية منذ بدايتها في ذكرى النكبة إلى الشتات الفلسطيني في العالم اليوم.
من قلب مدينة بيرزيت شمال القدس، إلى مخيمات اللجوء في مختلف أرجاء العالم، يقدّم هذا>المشروع فرصة لجميع الفلسطينيين لتعريف العالم إلى صراعهم المستمر لاستعادة أرضهم وتاريخ تشتتهم الطويل.
هذا المتحف الذي تبلورت فكرة تأسيسه عام 1998، هو مبادرة من أعضاء مجلس أمناء مؤسسة التعاون، تخليداً للذكرى الخمسين للنكبة وبهدف توثيقها كنقطة تحول في تاريخ فلسطين. ومؤسسة التعاون هي مؤسسة أهلية غير ربحية مستقلة تهدف إلى توفير المساعدة التنموية والإنسانية للفلسطينيين في الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة، ومناطق 1948، والتجمعات الفلسطينية في لبنان.
يقول جاك برسكيان Jack Persekian مدير المتحف وقيّمه العام إن "بعض التعديلات طرأت على الفكرة الأصلية مع مرور الوقت، إلا أن النكبة لا تزال في صلبها". وعن افتتاحه في مدينة بيرزيت، يشير برسكيان إلى أنه "لن يكون محصوراً بحدود جغرافية أو سياسية، وقد صمم ليكون مؤسسة عابرة للحدود لتذليل عقبات التنقل والحركة، لذلك نعمل على إنشاء شبكة مراكز تابعة للمتحف ستكون أداة وصل مع التجمعات الفلسطينية. إضافة إلى ذلك سيعمل المتحف من خلال شبكته الرقمية على التفاعل مع جمهوره أينما كان في العالم".
وكما للقضية الفلسطينية خصوصيتها، كذلك للمتحف الفلسطيني خصوصيته التي ستجعله مختلفاً عن أي متحف في العالم. فالوصول إليه ليس سهلاً وزيارته ستكون مستحيلة على عدد كبير من الفلسطينيين. لذلك تبرز أهمية وجوده الرقمي وشبكة الشراكات الدولية التي أخذ على عاتقه أن ينسجها، والتي من شأنها أن تجعله حاضراً في أي مكان في العالم، ليشكّل فضاءً لإبداعات وابتكارات المفكرين والباحثين والفنانين. كما أنه سيعمل على التواصل مع الفلسطينيين أينما كانوا، وعلى تسهيل التشبيك بينهم وبين مناصريهم والمهتمين بشؤونهم في مختلف أنحاء العالم.
الفن الفلسطيني في الافتتاح
ستكون ليلة افتتاح المتحف مفعمة بالتراث الفلسطيني ممزوجاً بأنماط فنية حديثة، وذلك في عدة عروض متلاحقة، يمر بها الضيوف في جولة على الذاكرة الفلسطينية كما تجسدها رؤية المتحف الثقافية.
جاءت فكرة العروض الفنية من المخرج المسرحي الفلسطيني أمير نزار زعبي، بمشاركة راقصين تقودهم مصممة الرقص سمر حداد كنج ومجموعة من الموسيقيين المنفردين من مختلف أنحاء فلسطين بقيادة الملحن فرج سليمان، إضافة إلى جمع من الفنانين الإيطاليين على رأسهم فنان الضوء ماركو نيريو روتيللي، ليقدم المتحف عروضاً فنية متنوعة وفريدة مستوحاة من فكرة تصميم مبنى المتحف وحدائقه والذي ينسجم مع الطبيعة الفلسطينية، ومستلهمة من مواد أرشيف المتحف الفلسطيني التي بُدئ ببنائها، ومن الهوية والثقافة الفلسطينيتين.
يعبر الضيوف بعد موسيقى الاستقبال والعرض الأول إلى فضاء زجاجي يفترش أرضيته مخطط لخارطة رمزية تشير إلى بعض أهم المدن والمخيمات في فلسطين والعالم. وتصل العروض الفنية أوجها، مع عمل الفنان الإيطالي ماركو نيريو روتيلي، الذي سيقدّم عرضاً ضوئياً أخّاذاً على واجهات المبنى الخارجية، تركّز مواضيعه على الهويّة والثقافة، وستُدمج معها كتاباتٌ عربية بخط اليد وأشعارٌ فلسطينية في عملٍ بصريٍّ استثنائي يحمل رسالة المتحف .
أول مبنى أخضر في فلسطين
المتحف الفلسطيني أول مبنى أخضر في فلسطين، يحصل على الشهادة الفضية في نظام الريادة العالمي في تصميمات الطاقة والبيئة، والذي يشار إليه بـLEED. وتعمل الحلول الخضراء المستخدمة في تشييد المبنى على تخفيض استهلاك المياه والطاقة بنسبة تصل إلى 23%.
صمم المكتب المعماري الإيرلندي هينيغان بينغ Heneghan Peng، وهو يقع على قطعة أرض تبلغ مساحتها 40 دونماً، وتصل مساحاته الداخلية إلى نحو 3800 متر مربع، وهو مستوحى في تصميمه من المدرجات التي تتميز بها التلال الفلسطينية.
يضم المتحف مجموعة من المرافق منها قاعة المعارض، والغاليري الزجاجي، والفناء التعليمي، الذي يشمل صفوفاً دراسية لعقد ورشات العمل المختلفة مع الأطفال والعائلات وغيرهم من الفئات المستهدفة، ومسرحاً خارجياً يتسع لنحو 400 متفرج، وقاعة عرض الأفلام، ومركزاً للأرشيف، ومقهى داخلياً وخارجياً يطل على ساحل البحر الابيض المتوسط. كما يشمل المبنى مكاتب للموظفين، ومخازن مجهزة بأحدث المعدات لحفظ الأعمال الفنية والمعروضات وغيرها من المرافق. وتتدرج في الجهة الغربية حدائق تشمل نباتات من البيئة الأصلية لفلسطين والمنطقة، ومنها الحديقة الريفية والحديقة الموسمية، وحديقة الأعشاب الطبية وحديقة النبعة، ومسار العبير.
يؤكد برسكيان أن "هناك كثيراً من النشاط والتنوع والإنتاج لدى الفلسطينيين، ولكن إلى حد ما لا يوجد ربط بين هذه الجهود. ودورنا هو إيجاد مساحة للبحث والحوار والنقاش وتبادل الآراء حول قضايا ملحة وآنية، بدءاً بالهوية، وانتهاء بالإنتاج الأدبي والفكري والثقافي لجميع الفلسطينيين. فنحن نؤمن أن الثقافة والفنون هي جسر يعيد ترابطنا كفلسطينيين".
يهدي المتحف العرض الأخير في الافتتاح، لكل من سقطوا شهداء وجرحى في صراعهم من أجل الحرية والعدالة والكرامة في فلسطين، ولأولئك الذين ابتلعتهم المنافي وسُلب حقهم في العودة، وأولئك الذين يقبعون ظلماً خلف قضبان السجون، ولكل الصامدين أمام حصارهم داخل فلسطين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...