لدى الباب، وبعد تفتيش حقيبتك، تطالعك لوحة تقرأها على مهل، ريثما ينتهي الموظف من تسجيل معلوماتك ويبيعك بطاقة الدخول، تقول إن الزيارة لحديقة المتحف فقط، وإن أبواب الأجنحة الداخلية منه مغلقة.
يتكون الباب الفاصل بين الحديقة وبقية المتحف من جزء من واجهة قصر الحير الشرقي، وقد أغلق باب هذا القصر والمتحف معه بسبب تصاعد الصراع العسكري في دمشق وبضع محافظات سورية عام 2012. وتم تعيين مدير جديد للمتحف وتكليفه وضع خطة عمل لحفظ الآثار السورية من النهب والتهريب جراء الحرب، كما حصل سابقاً في متحف بغداد الوطني أثناء الغزو الأمريكي سنة 2003.
إخفاء الكنوز
يضم المتحف 6 أقسام، أو متاحف فرعية: متحف عصور ما قبل التاريخ، متحف الآثار السورية القديمة، متحف الآثار الكلاسيكية (يوناني، روماني، بيزنطي)، متحف الآثار العربية الإسلامية، ومتحف الفن الحديث، وأخيراً متحف الهواء الطلق، المؤلف من الحديقة.
وفي ظل ازدهار سوق التحف الأثرية السورية، فإن المتحف الوطني يعد، إضافة إلى آلاف المدن والمواقع الأثرية في سوريا، الجائزة الكبرى، وذلك بسبب موجوداته الكثيرة والتنوعة، لناحية الحقبات الزمنية التي يغطيها (والتي تبدأ من الحيوانات المنقرضة وإنسان النياندرتال)، وتجعله من أهم المتاحف في الشرق الأوسط والعالم، أو بسبب القطع الأثرية التي تنقل إليه باستمرار لحمايتها من النهب أو التدمير على أيدي المتطرفين، كما فعل تنظيم داعش في بضع مدن ومتاحف سورية وعراقية حتى الآن.
في حديث لميدل إيست آي Middle East Eye في العام الماضي، قال مدير المتحف د. عبد الكريم مأمون، إن "الموظفين يعملون منذ عامين على إخفاء كنوز المتحف"، مشيراً إلى الرغبة في أن لا "نكرر تجربة العراق"، الأمر الذي حرم السوريين وغير السوريين من مشاهدة شتى القطع الأثرية والفنية الموجودة في المتحف. وعملية إعادة تحف استغرق إخفاؤها أكثر من عامين، قد تتطلب وقتاً أطول من عامين. النتيجة، تحول المتحف الوطني الذي كان من أهم الوجهات السياحية غير الدينية في المدينة، إلى حديقة يتجول فيها الطلاب وتتناثر فيها قطع أثرية لا تجذب انتباه أحد من زوار "الحديقة" كما يبدو.
التاريخ مطلاً على التاريخ
معظم السوريين، خصوصاً المقيمون في دمشق، يتذكرون المتحف الوطني من الرحلات المدرسية، والتي كانت تضم غالباً زيارة إلى المتحف الحربي أيضاً. القطع الأثرية المختلفة اختفت من العلب الزجاجية والمنصات، أغلقت الأبواب على الأجنحة التي مرت منها أقدام مئات الآلاف من طلاب المدارس، ولم يتبقَ من الآثار للتفرج عليه سوى تلك المتروكة في حديقة المتحف. لا خوف كبير على هذه القطع الأثرية، بسبب حجمها الذي يصعّب مهمة سرقتها، كما أن غالبيتها مكررة، أي توجد نسخ كثيرة منها في بضع مناطق من البلاد.
مقالات أخرى
رحلة إلى الجامع الأموي في دمشق
تم تعزيز أمن المتحف بإضافة أبواب فولاذية وكاشفات قنابل، يمكنكم عند المرور بالقرب من الحديقة رؤية عشرات القطع الأثرية المتناثرة في شتى أنحائها. وفي الجزء الجنوبي الغربي منها، تمكث بركة ماء تشغلها بطتان تنافسان الآثار في جذب الزوار إلى الحديقة. يقع المتحف بالقرب من مقر رئاسة جامعة دمشق، وعدد من الكليات التابعة لها، وبالقرب من أحد مراكز انطلاق المواصلات العامة، وهذا ما يجعله مجاوراً لأشد نقاط الازدحام في دمشق، ومعظم زواره حالياً هم من طلاب الجامعة.
استراحة للعابرين
من ميزات المكان هدوؤه، وكونه من البقع القليلة في دمشق التي يمكن فيها التصوير من دون مضايقة، كما عملت لفترة في حديقة المتحف كافتيريا متواضعة، وكانت تكتظ أيام دوام كليات الجامعة، فكان يجد الكثير من الطلاب فيها مكاناً صالحاً للدراسة في وسط المدينة، أو انتظار موعد الامتحانات، إضافة إلى كون أسعارها منخفضة مقارنة بالمقاهي غير الجامعية في المنطقة. هذه الكافتيريا اليوم مغلقة، وكراسيها المكومة داخل جدرانها، التي هي عبارة عن شوادر شفافة، تبقي لدى روادها القدامى بعض الأمل بإعادة استثمارها وافتتاحها.
إضافة إلى إغلاق الكافتيريا، أزيلت الكثير من المقاعد المخصصة للزوار من الحديقة، وأصبح الجلوس ممكناً فقط على بعض المقاعد الحجرية الأثرية، والأدراج الكبيرة التي تتوزع في شتى أنحاء الحديقة. عدد زوارها أقل من السابق، وبالكاد يبدو على وجوههم أدنى اهتمامٍ بالآثار المحيطة بهم. لا لوحات تشرح عن الآثار المعروضة، ولا جولات للزوار ينظمها المتحف. تتوزع القطع الأثرية، التي تراوح بين إسلامية ورومانية وسورية، مجاورة جدران المتحف، أو متوسطة الأشجار الباسقة التي تملأ الحديقة، فيختفي بعضها عن النظر أحياناً.
ربما كان من المفيد ذلك الارتباط بين زيارة المتحف الوطني والمتحف الحربي، إذ يساعد الكثير من السوريين الفخورين بتاريخ بلدهم الشديد الثراء، على فهم سبب حرمانهم من زيارة 5 أجنحة تختصر داخلها أكثر من 10 آلاف عام، وسبب اضطرار طفل النياندرتال للاختباء من جديد بعد أن خرج من قبره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...