يلتقط أنفاسه بصعوبة، يُطلق آهات تحمل مواجع الدهر وتُرافقه في سيارة الأُجرة التي يقودها أنبوبة أوكسجين لتواسي تعبه أثناء صعود زبون ونزول آخر. هو مريض القلب، اللبناني السبعيني حامد سليمان المعروف بـ "أبو علي" والذي يُبرر المشهد الذي تداوله روّاد التواصل الاجتماعي بأنه "لم يتعوّد الاعتماد على أحد"، مُضيفاً بالعاميّة: "من لمّا الله خلقني وأنا أتِّكل على نفسي". قال أبو علي الذي يُعيل أسرة من ثلاثة أولاد وزوجة إن ظروف الحياة تُجبره على العمل من أجل العيش في هذا العمر، مُضيفاً في حوار قصير نشرته صفحة "هادي للإنتاج" على فيسبوك: ربيت وشقيت وتعبت وكأني ما ربيت ولا عملت شي. ولفت إلى أنه "وحيد" اليوم، ترتبط حياته بـ "قنينة أوكسجين" على حد وصفه، موجهاً شيئاً من اللوم إلى أبنائه الذين "لن يشعروا به حتى ينجبوا"، بحسب قوله، مُضيفاً: الولد لا يهتم بوالديه إن كان هُناك شيء ما في رأسه. ولكن أبو علي لا يلوم دولته على وضعه الاقتصادي المُتدني (28.5% من اللبنانيين يعيشون دون خط الفقر) ولم يتطرّق إلى مشروع قانون ضمان الشيخوخة الذي يقبع في أدراج مجلس النواب مُنذ عام 2008 نظراً لتشعّب الخلافات حول مضمونه.
"لك شو عملتي يا عمو والله أنا ما بحب كون تقيل على حدا"...سائق تاكسي سبعيني يُعلّق بجانبه أنبوبة أوكسجين
"كيف يُمكن لأحد أن يرى مشهد مثل هذا ويتمالك أعصابه؟ هذا ما حاولت فعله أثناء ركوبي السيارة لسببين: لم أكن أُريد كسر خاطره ولأن ما كان يطلع الحكي"
معقول ما عندك ضمان شيخوخة يا عم؟
يوم الأربعاء الماضي، نشرت الشابة هديل إسماعيل صورته للمرة الأولى عبر حسابها على فيسبوك مُتسائلة "كيف يُمكن لأحد أن يرى مشهد مثل هذا ويتمالك أعصابه؟"، لافتةً إلى أن "هذا ما حاولت فعله" أثناء ركوبها في سيارة أُجرة أبو علي لسببين: لم تكن تُريد "كسر خاطره" ولأن "ما كان يطلع الحكي"، على حد تعبيرها. وأشارت هديل، وهي مُحامية وطالبة دراسات عُليا في قانون الأعمال في الجامعة اللبنانية، إلى أن أسئلة عدة أرادت أن تطرحها عليه، أهمها "معقول ما عندك ضمان شيخوخة يا عم ونحن بالـ 2019؟" مؤكدة أنها لم تطرح عليه أي سؤال ولم تحاول حتّى معرفة اسمه أو مكان سكنه للمُساعدة بسبب "عزة النفس" التي رأتها فيه. ?sfns=mo أضافت هديل في منشورها: ما بينقال غير يا عيب الشوم على كل شخص مسؤول عن الحالة التي وصل إليها العم..على كل مسؤول ينادي بمصلحة البلد ومصلحة المواطن عالفاضي. تقول لرصيف22 إنها شعرت بعد تداول الصورة التي التقطتها بأن "واجبها البحث عنه"، وهذا ما دفعها لتسأل عنه في المكان ذاته الذي التقته فيه، قائلةً: "حين قلت لهم في موقف السيارات أُريد التواصل مع الرجل الذي يضع أنبوبة أوكسجين في سيارته، أوصلوني إلي ضيعته (قريته)". "اييه اتذكرتك لك شو عملتي يا عمو والله أنا ما بحب كون تقيل على حدا"، هذا ما نقلته هديل على لسانه، قائلةً إنها اعتذرت له عن أي "إزعاج أو إحراج"، مُضيفة: أخبرته أنه من حقه أن يرتاح! كشفت هديل في منشور آخر أنها وصلت إلى منزله عند نحو السادسة من مساء الجُمعة ولكنه لم يكن قد عاد إليه بعد. "وصل وهو يردد آخ هلكت اليوم هلكوني"، تقول هديل، مُشيرةً إلى أن السبب يعود لإجراء إحدى المحطات التلفزيونية مُقابلة معه مُطالبة إياه بأن يقود سيارته أثناء التصوير وهو يضع الأوكسجين، مُضيفة: تعطلت سيارته واضطر إلى أن يعود وحده. وعلّقت دون ذكر اسم المحطة أنه كان بإمكانها مُساعدته من دون استغلال حالته من أجل سبق صحفي. ودعت هديل من يستطيع مُساعدة أبو علي بالتواصل مع زوجته من أجل تغطية تكلفة الدواء شهرياً مع الأوكسجين (400 ألف ليرة لبنانية، نحو 265 دولاراً)، وتكلفة استئجار ماكينة الأوكسجين شهرياً (100 ألف ليرة)، وتكلفة فاتورة كهرباء الدولة شهرياً (150 ألف ليرة) وتكلفة فاتورة اشتراك الكهرباء (271 ألف ليرة) وتكلفة ما لم يُسدد بعد من أقساط مدرسة ابنته (500 ألف ليرة).أنت السابق ونحن اللاحقون
يقول المدوّن والصحافي اللبناني أحمد ياسين لرصيف22 "المشهد عبارة عن صورة مصغّرة لوضع شريحة لبنانية واسعة أصبح الفقر رفيقها، مع انعدام الطبقة المتوسطة لمصلحة تنامي ثروات فئة لبنانية قليلة"، لافتاً إلى أننا، بالرغم من مأسوية الصورة، "سنشهد صوراً أسوأ منها"، على حد تعبيره. أضاف أن لبنان يعاني من ضائقة اقتصادية "مهولة" مع تراجع في واردات القطاع السياحي الخدماتي وإهمال القطاعات الأخرى من صناعية وزراعية، موضحاً أن المسؤولين يُحاولون عبثاً تشجيع السياحة، "لكن بوجود وجهات سياحية أكثر نمواً في الشرق الأوسط وبأسعار أقل، لا حياة للسياحة اللبنانية". وأكّد ياسين "لا ضمان شيخوخة في لبنان"، لافتاً إلى أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن تحمّل التكاليف. ووجّه رسالة لأبو علي: أنت السابق ونحن اللاحقون والمذنب هو المسؤول.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.