منع دخول بالجملة
يوم أمس، نشر مدير "المؤسسة العربيّة للحريات والمساواة" على حسابه في "تويتر" ما يلي: من شارك في المؤتمر، بغض النظر عن جنسيته، هويته الجندريّة، نشاطه المهنيّ… يبدو أنه ممنوع من دخول لبنان. توضح مديرة المركز الإعلامي في المؤسسة ميرا عبد الله، في حديث لرصيف 22، أن عناصر الأمن العام حين حضروا إلى الفندق طلبوا جوازات سفر المشاركين جميعاً وسجّلوا أسماءهم. اكتشفنا لاحقاً قضية منع الدخول، حين قدم شخصان إلى لبنان (كانا في "ندوى 2018") للمشاركة في اجتماع، ومُنعا من الدخول.بعد مرور أشهر على منع المؤتمر، لا يبدو أن القضيّة قد انتهت هنا. جديدها، منع من شاركوا فيه من دخول لبنان، حتى لو كانت عودتهم إلى البلاد غير مرتبطة بأي نشاط له علاقة بـ"المؤسسة العربية للحريات والمساواة"
عند سؤاله عن الخطوات التي تُحضّرها المؤسسة رداً على إجراءات الأمن العام، تحدث قزي عن شكوى رُفعت إلى مسؤولين في الأمم المتحدة، بموازاة التواصل مع السلطات اللبنانية ومع نواب لم يبدوا أي حماس للحديث علناًقد يأتي منع شخصين من الدخول إلى لبنان في إطار المصادفة، لكن عبد الله تؤكد أن عراقيّة وصلت للمشاركة في نشاط في لبنان لا علاقة له بالمؤسسة مُنعت من الدخول أيضاً، وكذلك باحثة كنديّة كانت مشاركة في المؤتمر وأرادت العودة إلى لبنان منذ حوالي الأسبوعين لمُتابعة أبحاثها حول قضايا الجندر… وكان بانتظارها منع دخول. تتابع عبدالله لتقول إن شاباً أردنياً كذلك، أراد دخول لبنان منذ أيام قليلة ولم ينجح بدوره. ما يجمع هؤلاء الستة الذين قصدوا لبنان آتين من مصر وتونس والعراق والأردن وكندا كان مشاركتهم في المؤتمر، بينما سمعوا من الأمن العام أن منع الدخول مفتوح من دون أن يُقدّم لهم سبباً واضحاً يُبرّره. حاولت المؤسسة التواصل مع الأمن بعدة طرق، وبشكل أساسي عبر "هيومن رايتس ووتش" التي تربطها معها علاقة شراكة، من دون الوصول إلى تفسير واضح لهذا المنع.

ماذا بعد؟
عند سؤاله عن الخطوات التي تُحضّرها المؤسسة رداً على إجراءات الأمن العام، تحدث قزي عن شكوى رُفعت بالتعاون مع "هيومن رايتس ووتش" إلى مسؤولين في الأمم المتحدة، بموازاة التواصل مع السلطات اللبنانية ومع نواب في البرلمان لم يبدوا أي حماس لطرح الموضوع علناً. وكانت "هيومن رايتس ووتش" قد حذّرت الشهر الماضي من تدخل قوات الأمن اللبنانيّة في أنشطة حقوقية متعلقة بالجندر والجنسانية في انتهاك واضح للحماية الدولية لحقوق الإنسان. ولفتت المنظمة الدولية إلى أن الشكوى قُدِّمت إلى المقررَين الخاصين المعنيَّين بكل من الحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات وحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وإلى خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بالحماية ضد "العنف والتمييز على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية" (التوجه الجنسي والهوية الجندرية).المزاعم "الأخلاقيّة" واستثناء "الآداب العامة"
في 25 أكتوبر الماضي، وجّهت "هيومن رايتس ووتش" رسالة إلى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، عبّرت فيها عن المخاوف من تدخل الأمن العام، طالبة توضيحات حول موقفه من قانونية النشاطات الثقافية أو المناصرة في لبنان التي تتناول قضايا الجنسانية والجندر.
هي ديناميكيّة معقّدة تطبع العلاقة بين هيئة العلماء المسلمين وبين السلطتين الأمنيّة والسياسيّة تُظهر أن التضييق والتهويل، تحديداً في أمور الجندر والجنسانيّة، قد تحوّلا إلى نمطوحاول اللواء إبراهيم تبرير تدخل الأمن العام في مؤتمر "ندوى" بأن الراعي لم يقم بـ"تنظيم ورقة بيان"، مستشهداً بقانون "الاجتماعات العمومية" اللبناني لسنة 1911. غير أن التوجيه الدولي، وبحسب "هيومن رايتس ووتش"، حول حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات ينص على أنه حتى في حال كان من المفترض إشعار السلطات مسبقاً بالنشاط، فإنه ليس هناك حاجة إلى إذن للتجمع السلمي في مجتمع ديمقراطي. بالعودة إلى هيئة العلماء المسلمين، فكانت قد قدّمت كذلك شكوى رسميّة ضدّ برنامج "المؤسسة العربيّة للحريات والمساواة" للحماية من فيروس نقص المناعة المكتسب، مدعية أنه يشجع على الفجور. واستجابة للشكوى، استدعت قوى الأمن الداخلي مدير المؤسسة جورج قزي إلى التحقيق في ديسمبر الماضي. قبل ذلك، ظهرت هيئة العلماء في مناسبات مختلفة مع احتجاز قوى الأمن الداخلي أحد الناشطين والضغط لإلغاء النشاطات المتعلقة بـ "بيروت برايد" في مايو الماضي، ومن بينها أمسية شعرية، أمسية غنائية، نقاش حول الصحة والإيدز، وورشة عمل حقوقية… مع كل حدث من هذا النوع، يظهر ميل لدى الجهات المعنيّة لتصويره كشأن خاص (مقارنة بدول أخرى)، والتأكيد على أن "لبنان يحترم حقوق الإنسان"، ولكن... ما تزعمه الهيئة من "تضافر النيات الحسنة والعقول النيرة والجهود الخيرة" في كل مرة تُنصّب نفسها فيها "سلطة أخلاقيّة"، يُظهر أن الأمر أبعد ما يكون عن النوايا الحسنة والجهود الخيّرة. هي ديناميكيّة معقّدة تطبع العلاقة بين هيئة العلماء المسلمين وبين السلطتين الأمنيّة والسياسيّة تُظهر أن التضييق والتهويل، تحديداً في أمور الجندر والجنسانيّة، قد تحوّلا إلى نمط.