كشفت أرقام نشرتها شبكة "سي إن إن"، الأحد 3 فبراير، تزايداً كبيراً في أعداد اللاجئين السعوديين في العالم، على نحو غير مسبوق في العصر الحديث، ما اعتبرته الشبكة الأمريكية نتاجَ "سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القمعية".
لكن قبل التطرق إلى تقرير سي إن إن وخلاصاته المهمة، لا بد من التذكير بأن مصادر حقوقية دولية ترجح هروب نحو 1000 فتاة وامرأة سعودية سنوياً من السعودية، لكن لا يتمكن جميعهن من البقاء في الخارج، بل يعشن فصولاً صعبة بسبب إجراءات بعض المطارات في محطات "الترانزيت" في دول لها علاقات متينة مع السعودية مثل تايلاند التي رحلت مرارا عشرات الهاربات وأعادتهن إلى السعودية قاطعةً السبيل أمام وصولهن إلى وجهاتهن النهائية.
وتضع السعودية تطبيقاً على هواتف الرجال الذكية اسمه "أبشر" وهو تطبيق لإنجاز المعاملات عن بعد إلا أنه يقدم ميزة إضافية للرجال: مراقبة النساء الواقعات تحت إمرتهم.
وحتى نفهم قصة رهف القنون مثلاً ولماذا نجحت في الهروب، علينا أن نتذكر أن تطبيق أبشر يمكن الرجال من وقف رحلات الفتيات نحو الهروب فور تلقيهم إشعارات على هواتفهم بمغادرتهن دون علمهن، لهذا تسعى بعض الهاربات إلى الهرب أثناء قضاء إجازتهن مع أسرهن وليس العكس.
دون ولي أمرها وفور تقديم الفتاة السعودية جواز سفرها لمغادرة البلاد، تصل رسالة نصية "أس أم أس" إلى هاتف ولي أمرها تعلمه بأنها على وشك السفر، ومن تقوم بإرسال تلك الإرسالية هي وزارة الداخلية.
بعض النساء قمن بسرقة هواتف الرجال في أسرهن وغيرن الرقم السري وقمن بأنفسهن بإرسال رسائل موافقة على سفرهن وكأن صاحب الهاتف الرجل هو من وافق، غير أن هذه الحيلة ليست آمنة لأن بإمكان الرجل التفطن لذلك لو عاد إلى إعدادت هاتفه. لهذا تفضل فتيات تغيير الرقم الذي ترسل عليه الداخلية الرسالة النصية التحذيرية، فتصلهن الرسالة عوض أن تصل إلى ولي الأمر.
قصص نساء كثيرات لم تنته نهاية سعيدة، العديد منهن تم ترحيلهن، لهذا نشأت رويداً رويداً شبكات تعاون مع السعوديات الهاربات، وهذا ما سعت سي إن إن لكشف إحدى الناشطات فيه وكيف ساعدت رهف القنون على إنجاح هربها.
نورا...شبكة علاقات قوية
عرض تقرير سي إن إن قصة فتاة سعودية تعيش في سيدني بأستراليا، يلجأ إليها بعض السعوديين الراغبين في الهروب من المملكة بفضل ما تتمتع به هذه الفتاة من علاقات جيدة مع وسائل الإعلام العالمية ومع المنظمات الدولية المختلفة.
وبحسب تقرير الشبكة رن هاتف "نورا"، التي رفضت الكشف عن اسمها الحقيقي لأسباب أمنية، قبل عدة أسابيع، وحين ردت قالت لها المتصلة: "أريدك أن تساعديني، أريدك أن تتحدثي إلى الناس نيابة عني"، المتصلة كانت المراهقة السعودية رهف القنون التي حظيت باهتمام دولي كبير الشهر الماضي بعدما تحصنت بغرفة بفندق مطار بانكوك ورفضت العودة إلى عائلتها قائلة إنها تسيء معاملتها، قبل أن تمنحها مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين وضع لاجئة وتوافق كندا على منحها اللجوء.
قالت القنون لـ "نورا"، إن جواز سفرها صودر في أحد مطارات بانكوك، وإن السلطات التايلاندية تهدد بترحيلها. أنهت "نورا" المكالمة مع "رهف" ثم توجهت إلى حديقة عامة في سيدني، ومن هناك بدأت تجري من هاتفها اتصالات مع وسائل الإعلام العالمية.
تقول "نورا" إنها لم تقابل القنون أبداً في حياتها، ولم تعرفها من قبل، مضيفة أنها لم تكن في حاجة لمعرفة القنون لتفهم صعوبة الموقف الذي تمر به، لأن نورا بدورها هربت من السعودية قبل فترة وتعلم جيداً القمع الذي تواجهه النساء هناك.
تحكي نورا كيف التقطت هاتفها وتحدثت إلى وسائل الإعلام عن رهف لأنها تعيش في بلد حر على حد تعبيرها، مضيفة "أنا في دولة لن تسجنني بسبب ما كنت أقوله عبر الهاتف".
وبحسب نورا فإن القضية لم تكن تتعلق برهف، بل بجميع النساء السعوديات، مؤكدة "إذا طلبت مني أي امرأة سعودية المساعدة، كنت سأفعل الشيء نفسه، بنفس التصميم".
بعد الاتصال الذي جاءها من القنون بدأت نورا ولمدة يومين في التدوين على وسائل التواصل الاجتماعي، عن قوانين الوصاية المقيدة في السعودية، وعن القانون السعودي الذي يمنح الرجال قدراً كبيراً من الإفلات من العقاب، مما يجعل الاعتداء المنزلي على النساء منتشراً على نطاق واسع.
وتؤكد الفتاة السعودية أن اللجوء أصبح "فكرة شائعة جداً في المملكة".
وبحسب "سي إن إن" فإن اللجوء تضاعف بعد حملة ولي العهد السعودي للقضاء على المعارضة في البلاد، بعد أمره باعتقال العشرات من رجال الدين البارزين والمحللين ورجال الأعمال والأمراء، فضلاً عن المدافعين عن حقوق المرأة الذين تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب، وكل هؤلاء تتهمهم السلطات باتهامات عدة منها "الارتباط المشبوه مع كيانات أجنبية".
وتنفي السعودية تعذيبها نشطاء وتقول إنها "تحترم القانون”.
وفقاً لآخر إحصاءات المفوضية، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين في العام 2017، 2392، واستضافت خمس دول غالبية هؤلاء السعوديين، واستقبلت الولايات المتحدة (1143) ،وكندا (453)، وأستراليا (191)، والمملكة المتحدة (184)، وألمانيا (147).
عرض تقرير سي إن إن قصة فتاة سعودية تعيش في سيدني بأستراليا، يلجأ إليها بعض السعوديين الراغبين في الهروب من المملكة بفضل ما تتمتع به هذه الفتاة من علاقات جيدة مع وسائل الإعلام العالمية ومع المنظمات الدولية المختلفة.
حتى نفهم قصة رهف القنون مثلاً ولماذا نجحت في الهروب، علينا أن نتذكر أن تطبيق أبشر يمكن الرجال من وقف رحلات الفتيات نحو الهروب، فور تلقيهم إشعارات على هواتفهم بمغادرتهن دون علمهن، لهذا تسعى بعض الهاربات إلى الهرب أثناء قضاء إجازتهن مع أسرهن وليس العكس.
مصادر حقوقية دولية ترجح هروب نحو 1000 فتاة وامرأة سعودية سنوياً من السعودية، لكن لا يتمكن جميعهن من البقاء في الخارج، بل يعشن فصولاً صعبة بسبب إجراءات بعض المطارات في محطات "الترانزيت" في دول لها علاقات متينة مع السعودية مثل تايلاند.
شبح القنصلية
وفي التقرير نقلت "سي إن إن" عن الناشط السعودي يحيى عسيري، المقيم في لندن، تأكيده أن كل خدمات مكاتب المملكة في الخارج محظورة على كل من ينتقد السياسات السعودية، قائلاً: "من المستحيل تماماً أن أذهب إلى السفارة السعودية، رفضت الذهاب من قبل، وبعد واقعة اغتيال خاشقجي (الصحافي السعودي الذي قتل في قنصلية بلاده باسطنبول في أكتوبر الماضي) أصبح قراري نهائياً".
وفي العام 2013، ذهب عسيري، وهو عضو سابق في القوات الجوية الملكية السعودية، إلى المملكة المتحدة لدراسة حقوق الإنسان، ثم تقدم بطلب اللجوء بعد عام، وهو الآن لاجئ سعودي، ويقول إن وضعه يسمح له بالابتعاد عن المسؤولين السعوديين تماماً، مما يبعد عنه الخطر الذي تعرض له خاشقجي حين دخل قنصلية بلاده للحصول على الأوراق التي تسمح له بالزواج.
وتقول "سي إن إن" إن عدد اللاجئين السعوديين على مستوى العالم في ارتفاع ملحوظ في السنوات الأخيرة، ففي العام 1993، وهو العام الأول الذي سجلت فيه حالات طالبي اللجوء السعوديين، كان هناك سبعة لاجئين سعوديين فقط، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقد حصلوا على الإقامة في الأردن واليونان والسويد.
لكن وفقاً لآخر إحصاءات المفوضية، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين في العام 2017، 2392، واستضافت خمس دول غالبية هؤلاء السعوديين، واستقبلت الولايات المتحدة (1143) ،وكندا (453)، وأستراليا (191)، والمملكة المتحدة (184)، وألمانيا (147).
وتظهر إحصاءات المفوضية أن هناك زيادة ملحوظة في عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين منذ العام 2015، وهو العام الذي ظهر فيه الأمير محمد بن سلمان، في المشهد السياسي للمملكة، وكان وقتها في التاسعة والعشرين من عمره.
من جهته يقول الباحث في منظمة هيومان رايتس ووتش آدم كوغل للشبكة الأمريكية إن "هناك أشخاصاً يهربون من القمع السياسي ولهذا علاقة واضحة بمحمد بن سلمان وما فعله، وأعتقد أن أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء الذي ترونه هنا يدل على ذلك".
في المقابل، تنقل الشبكة عن مؤسس المؤسسة العربية للأبحاث في واشنطن علي شهابي، الذي تصفه الشبكة بأنه مؤيد سياسات بن سلمان، قوله إن "هذه الأعداد (أعداد اللاجئين) ليست ذات أهمية من الناحية الإحصائية"، مضيفاً أن "الإصلاحات الاجتماعية التي قدمها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان غيّرت الأوضاع وخصوصا أوضاع النساء بصورة هائلة"، وفق تعبيره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...