بهدوء شديد يُفتح باب قاعة المحكمة في كوبا، ويدخل خالد شيخ محمد، الذي تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية العقلَ المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، بملامح مختلفة تماماً عن ملامحه في الصورة الشهيرة التي انتشرت في وسائل الإعلام قبل نحو 16 عاماً، حين كان ممتلئ الجسم، أشعَرَ، يرتدي قميصاً أبيض بكمين قصيرين، هكذا تصفه صحيفة الغارديان في تقرير لها، نشر السبت، تناولت فيه كيف غيرت السنوات الطويلة ملامح شيخ محمد وجعلت من أفراد عائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر يتقدم بهم العمر كذلك دون أن يحصلوا على إجابات شافية بشأن ذويهم الذين فقدوهم.
وتصف الصحيفة البريطانية أحدثَ جلسات محاكمة المتهمين، التي عقدت الاثنين الماضي، قائلةً إن شيخ محمد بعد دخوله قاعة المحاكمة جلس بجوار محاميه وحادثه بصوت هامس، كان حليق الرأس يرتدى قبعة أفغانية من الصوف، ونمت لحيته فكانت كثيفة برتقالية اللون بفعل صبغها بالحناء، وامتدت اللحية حتى وصلت إلى ردائه الأبيض.
واعتقل خالد شيخ محمد في باكستان في العام 2003، وتم احتجازه وتعذيبه في "مواقع سوداء" سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "السي آي إيه"، في أفغانستان وشرق أوروبا ثلاث سنوات، قبل أن يتم نقله جواً إلى خليج غوانتانامو، المعسكر الأمريكي الذي يقع جنوب شرقي كوبا بحسب الصحيفة.
وبالقرب من المعتقل نفسه عقدت محكمة عسكرية خاصة بأحداث 11 سبتمبر، التي تعد أكبر قضية جنائية في تاريخ الولايات المتحدة من حيث عددُ ضحاياها المقدر بنحو 3 آلاف قتيل، لكن رغم أهمية هذه المحاكمة إلا أن الغارديان تقول إن المحاكمات فيها تتقدم ببطء شديد بعد سبع سنوات من بدئها.
بعد دقائق من وصول خالد شيخ محمد، وصل متهمون آخرون، هم على التوالي وليد بن عطاش، الذي يُزعم أنه أدار معسكرَ تدريبٍ للقاعدة في أفغانستان حيث درب فيه اثنين من المشاركين في هجمات 11 سبتمبر، ورمزي بن الشيبة، وهو مواطن يمني متهم بالمساعدة في تنظيم الخدمات اللوجستية للهجوم، وكانا يترتديان سترتين للتمويه في المحكمة، وكانا سيشاركان في الهجمات، كما يقول الادعاء، لو تمكنا آنذاك من دخول الولايات المتحدة.
ثم دخل قاعةَ المحكمة عمار البلوشي، ابن أخ خالد شيخ محمد، الذي يُزعم أنه لعب دوراً مهماً في تمويل المشاركين في هجوم 11 سبتمبر وتنظيم تدريب لهم في مدرسة للطيران، والمتهم الخامس الذي وصل المحكمة كان مصطفى أحمد الهوساوي، وهو سعودي متهم بالقيام بدور مهم في الهجمات، حيث حصل على الأموال نقداً وعلى بطاقات الائتمان وووفر الملابس لمنفذي الهجوم.
ووجهت للمتهمين الاتهامات لأول مرة في العام 2008، لكن بدأت إجراءات المحاكمة العسكرية رسمياً في العام 2012، بعد أن أصبح المتهمون في سن متقدمة، بينما مات بعض الشهود.
قصر الزجاج
تصف الغارديان قاعة المحاكمة بأنها تحوي طبقات من الزجاج والستائر السميكة التي تفصل المتهمين عن عائلات الضحايا.
وتنقل الصحيفة عن كاثي باول الذي كان ابنها سكوت يعمل مقاولاً في البنتاغون حين اصطدمت طائرة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 77 بالمبنى، قولها إنها قررت منذ سنوات ترك واشنطن العاصمة حيث كانت تعيش والانتقال إلى مدينة أخرى في محاولة لنسيان فقدان ابنها في ذلك الحادث المروع.
توقعت السيدة الأمريكية أن يأخذ القانون مجراه منذ فترة طويلة، أما الآن وهي في الخامسة والثمانين من عمرها، باتت تعاني مشاكل صحية عديدة ومع ذلك لم تصدر المحكمة أي أحكام بخصوص القضية.
تقول كاثي إنها تأتي إلى غوانتانامو خصيصاً كي تعرف السبب الذي جعل هذه القضية تتلاشى من ذاكرة الأمة.
تقول السيدة إن كل ما تريده هو العدالة، مضيفة: "أعتقد أنه مضت فترة طويلة، لماذا لا نستطيع أن ننتهي من كل هذا؟".
وتنتقل عائلات الضحايا والقضاة والمحامون والمراقبون المعتمدون على متن طائرة مستأجرة قبل يومين من الجلسة، ويصلون إلى الشاطئ الشرقي لغوانتانامو حيث تم إنشاء قاعة المحكمة.
وفي السنوات الأخيرة لاحظ أهالي الضحايا وجود عمال بناء في المعسكر الأمريكي، يقومون بإنشاء بنايات جديدة، وهذا مؤشر على أن المحاكمة ستستمر لسنوات طويلة أخرى ولن تنتهي الآن حسب تقديراتهم، خصوصاً بعد أن علموا أن الحكومة الأمريكية تطور المنطقة بمبلغ يصل إلى 14 مليون دولار، وتقوم بإنشاء مبنى جديد لمحامي الدفاع، وخلية احتجاز كبيرة.
وفشل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في إغلاق المعسكر الأمريكي، حيث يوجد 40 سجيناً حالياً واجه 12 سجينا فقط منهم اتهامات محددة، بينما البقية معتقلون دون اتهامات، ومنهم خمسة تم الحكم بإخلاء سبيلهم رسمياً لكن لم يتم الإفراج عنهم.
كيف غيرت السنوات الطويلة ملامح شيخ محمد وجعلت من أفراد عائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر يتقدم بهم العمر كذلك دون أن يحصلوا على إجابات شافية بشأن ذويهم الذين فقدوهم.
منذ سنوات يشكو ناجون من هجمات 11 سبتمبر وذووهم من بطء وتيرة المحاكمات ووصفوها بـ “المحبطة" وفي العام 2013 توقع إطفائي أميركي نجا من حادث البرج الشمالي حين حضر إحدى الجلسات الإجرائية أن تلك المحاكمات قد "لا تنتهي أبداً".
محاكمات محبطة
في يناير 2018، أمر الرئيس الحالي دونالد ترامب بإبقاء سجن غوانتنامو مفتوحاً وتنبأ بأنه "في حالات كثيرة" يمكن شحن المزيد من الإرهابيين المشتبه بهم إليه، لكن منذ ذلك الحين لم يصل أي سجناء جدد إلى المعسكر الذي تقول منظمات عدة إن التعذيب فيه يمارس بمنهجية.
كشف تقرير الغارديان أن استمرار المحاكمات منذ سنوات طويلة جعل بعض المحامين والمدعين العامين والمراقبين وحتى أسر الضحايا والمتهمين يتعرضون لمشاكل صحية قد تتسبب في تأجيل جلسات المحاكمة، فعلى سبيل المثال تخطى بعض المحامين سن السبعين.
ومنذ سنوات عديدة يطالب مدعون أميركيون بتسريع محاكمة المتهمين الرئيسيين الخمسة في هجمات سبتمبر، معتبرين البطء في إجراءات التقاضي لا يخدم مصالح العدالة.
وشهدت المحاكمة المقرّرة منذ مايو 2012، عراقيل عدة بدءاً بالجدل حول طبيعة المحكمة، مدنية أم عسكرية، إضافة إلى معوقات إدارية وقانونية أبرزها التجسس على لقاءات المعتقلين بمحاميهم.
ومنذ سنوات يشكو ناجون من هجمات 11 سبتمبر وذووهم من بطء وتيرة المحاكمات ووصفوها بـ “المحبطة" وفي العام 2013 توقع إطفائي أميركي نجا من حادث البرج الشمالي حين حضر إحدى الجلسات الإجرائية أن تلك المحاكمات قد "لا تنتهي أبداً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...