بعد أكثر من 17 عاماً على أحداث 11 سبتمبر، لا تزال ألغاز كثيرة مخفية حول أخطاء رسمية وتجاوزات أمنيّة سبقت الاعتداء، والذي - حسب عدد من المسؤولين - "كان يمكن تفاديه" لو تمّ التعامل معها (الأخطاء) بجدية ومهنيّة.
مع اقتراب ذكرى الاعتداء، يسلّط كتاب "The Watchdogs Didn’t Bark: How the NSA Failed to Protect America" الجديد المتوقع نشره بالتزامن مع الذكرى، لمؤلفَيه جون دوفي وراي نوسيليسكي، الضوء على حقائق تمّ إخفاؤها، مستندين إلى تنقيب دقيق في التحقيقات الرسمية المتعددة عن الاعتداء بالإضافة إلى شهادات مسؤولين سابقين.
وفق ما أظهره الكتاب، الذي اطلع عليه وناقشه جيف ستين في "نيوزويك"، يتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (الأف بي آي) وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إيه) بحجب معلومات عنه، شديدة الأهمية، بينما يتبادل مسؤولون سابقون وحاليون الاتهامات، ملمحين إلى تواطؤ رسمي أمريكي - سعودي استمر بعد وقوع الاعتداء.
يبدو من الكتاب، أن "نظرية المؤامرة" الشعبية، يتبناها كذلك العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين، بينما تتصاعد حالة من الغضب الممزوج بالكآبة - لدى عدد من المسؤولين وأسر الضحايا- من الغموض الذي لا يزال يلف تفاصيل الاعتداء الذي أودى بحياة 2606 أشخاص.
"أنا حزين ومكتئب"
"من الأسهل دفن الحقائق غير المرغوب بها بدلاً من مواجهتها"... بهذا يبدأ ستين عرض الكتاب، ناقلاً عن علي صوفان، وهو أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في مكافحة الإرهاب، قوله "إنه شيء فظيع. نحن لا نزال نجهل ماذا حدث"، متهماً وكالة الاستخبارات المركزية بحجب المعلومات بشأن تحركات منفذي "القاعدة" المستقبليين للاعتداء.
بالنسبة لصوفان، كما للعديد من المسؤولين السابقين في الأمن القومي، فإن الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها بشأن الأحداث التي أدت إلى هجمات 11 سبتمبر 2001، تضاهي الأسئلة التي بقيت معلّقة حول اغتيال الرئيس جون كينيدي والتي بقيت من دون جواب. والأمر خطير، حسب هؤلاء، لأن "أحداث سبتمبر غيّرت العالم بأسره… لم يتمّ على إثرها غزو أفغانستان والعراق وتكسير الشرق الأوسط ومضاعفة النمو العالمي للجهاد الإسلامي فحسب، بل دفعت كذلك الولايات المتحدة لتصبح دولة بوليسية".
من جهته، عبّر مارك روسيني، وهو أحد اثنين من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي اللذين كانا منتدبين في "وحدة أسامة بن لادن" التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، قائلاً "أنا حزين ومكتئب حيال ذلك". وسبب ذلك زعمه أن مديري "السي آي إيه" منعاه وزميله بشكل غامض من إبلاغ قيادة "الأف بي آي" بوجود متآمرين من تنظيم "القاعدة" قد يشكلون خطراً مستقبلياً، في الولايات المتحدة، وذلك في عام 2000 ومرة أخرى في عام 2001.
يقول ستين إن دوفي كاتب يساري وناشط بيئي ونوسيليسكي صانع أفلام وثائقية، ولا يمكن اعتبارهما في مكانة صحافيين آخرين قاموا بفتح ثقوب لافتة في القصة الرسمية لأحداث سبتمبر، ومن بينهم لورنس رايت الذي ألف كتاب"The Looming Tower: Al-Qaeda and the Road to 9/11"، الحائز على جائزة "بوليتزر".
لكن الكاتبين، حسب ستين، نجحا في إيجاد فجوات وتناقضات ضخمة في القصة الرسمية، التي تعكس "فشلاً ذريعاً في ربط النقاط ببعضها".
لماذا حجبت "السي آي إيه" المعلومات؟
في عام 2002، كان جورج تينيت، مدير "السي أي إيه"، قد أقسم أمام الكونغرس بأنه لم يكن على دراية بالتهديد الوشيك، لأن الإشارة إلى الأخير جاءت في برقية لم تحمل وسم سري للغاية أو مستعجل فبقيت غير ملحوظة، "لم يقرأها أحد".
ولكن قصة تينيت تمّ دحضها بعد خمس سنوات، حين قام السناتور رون وايدن وكيت بوند بتقديم موجز تنفيذي للتحقيقات الداخلية التي أجرتها وكالة الاستخبارات في 11 سبتمبر، والتي ذكرت أن "ما بين 50 إلى 60 شخصاً يقرأون واحداً أو أكثر من كابلات الوكالة التي تحتوي على معلومات متعلقة بسفر الإرهابيين".
بعد نشر الموجز، جُنّ جنون ريتشارد كلارك، مستشار البيت الأبيض في مكافحة الإرهاب أثناء إدارة بيل كلينتون و جورج دبليو بوش. حتى ذلك الحين، كان كلارك يثق بتينيت، كزميل وصديق قريب، ومقتنع بأنه يقول الحقيقة.
مع اقتراب ذكرى أحداث 11 سبتمبر، يصدر كتاب جديد يسلّط الضوء على حقائق تمّ إخفاؤها، مستنداً على تنقيب دقيق في التحقيقات الرسمية المتعددة عن الاعتداء بالإضافة إلى شهادات مسؤولين سابقين...
يشك كلارك، وغيره من المطلعين، أن "السي آي إيه" كان لديها خطة عميقة تقتضي العمل على توظيف الحازمي والمحضار، وربما عناصر أخرى من "القاعدة"، كعملاء مزدوجين
وفي عام 2009، بعدما شعر باليأس من قلة اهتمام وسائل الإعلام بكتم "السي آي إيه" للمعلومات، كتب كلارك كتاباً عن الازدواجية بعنوان "Your Government Failed You"، لكن الأخير تم تجاهله إلى حد كبير، ولذلك عندما تواصل معه كل من دوفي ونوسيليسكي رحّب بهما بشدة.
في ذلك العام، قام الكاتبان بإجراء مقابلة مهمة مع كلارك. حينها، احتدم وهو يتهم كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات، بما في ذلك تينيت، بحجب معلومات مهمة عن "الأف بي آي" حول مخططات "القاعدة" وتحركاتها، بما في ذلك وصول نواف الحازمي وخالد المحضار، إلى مطار لوس أنجلوس الدولي في 15 يناير من عام 2000، وهما الشخصان اللذان كانا من بين الخاطفين لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية.
"اعتقدت، لفترة طويلة، أن البرقية وصلت إلى واحد أو اثنين من ضباط المكتب منخفضي الرتبة الذين لم يدركا مغزى المعلومات عن الحازمي والمحضار"، قال كلارك مستغرباً " لكن خمسين (أو ٥٥) من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية علموا بذلك، وبينهم تينيت وجميع الأشخاص الذين كانوا يتحدثون معي بانتظام، وأنا لم أعلم؟".
بعد كل هذه السنوات، لا يزال من غير الواضح سبب حرص "السي آي إيه" على الاحتفاظ بهذه التفاصيل الحساسة حول تحركات "القاعدة" في الولايات المتحدة وحجبها عن "الأف بي آي". يشك كلارك، وغيره من المطلعين، أن "السي آي إيه" كان لديها خطة عميقة تقتضي بالعمل على توظيف الحازمي والمحضار، وربما عناصر أخرى من "القاعدة"، كعملاء مزدوجين. وكانوا يتخوفون أنه في حال اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أن هؤلاء كانوا في كاليفورنيا كان سيأمر بالقبض عليهما.
عندما تلاشت "خدعة" تجنيد وكالة الاستخبارات لهؤلاء، أخفى تينيت التفاصيل عن كلارك خشية أن تُتهم الوكالة "بالمخالفة والإجحاف"، على حد قول كلارك، الذي يزعم أن ذلك "هو التفسير المنطقي الوحيد بأنهم لم يطلعونا على شيء قبل الهجوم".
مناصرون لكلارك
كان تينيت مع اثنين من نوابه في مكافحة الإرهاب، ريتش باي وكوفر بلاك، قد أصدروا بياناً يصفون فيه نظرية كلارك بأنها "متهورة وخاطئة بشكل كبير". لكن الآن، وعبر الكتاب الجديد، يبدو أن لدى مستشار البيت الأبيض السابق مؤيدين.
وجد الكاتبان أن عملاء رئيسيين سابقين في مكافحة الإرهاب وموظفين سابقين في مكتب التحقيقات الفيدرالي لديهم شكوك عميقة بشأن ادعاء تينيت. العنصر الوحيد الذي لا يتفقون عليه مع كلارك هو أن يكون تينيت مسؤولاً.
بحسب دايل واتسون، نائب رئيس قسم مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، على سبيل المثال فـ "على الأرجح حجبت المعلومات من دون دون معرفة تينيت وباي وبلاك. قد يكون المسؤولون عن الحجب هم مسؤولي وحدة اسامة بن لادن التابعة لوكالة السي آي إيه".
لكن بات ديمورو، وهو مسؤول سابق بدرجة أكبر في مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي، يتبنى رأي كلارك تماماً لجهة اتهام تينيت، وقد قال "ليس لدي أدنى شك في أن قرار حجب المعلومات كان على أعلى مستوى في الوكالة"، لكنه لم يستطع الجزم بالسبب الذي جعل الوكالة تمتنع عن إرسال المعلومات، ولغاية اليوم.
التواطؤ السعودي المزعوم
من جهة ثانية، غطى الكتاب جانب التواطؤ السعودي الرسمي مع المعتدين. قدم الكاتبان تحديثاً حول ما تم كشفه عن الدعم السعودي لـ"القاعدة" في السنوات الأخيرة.
في عام 2004، قالت لجنة 9/11 الرسمية إنها لم تعثر على أي دليل على أن "الحكومة السعودية أو المسؤولين السعوديين الكبار قد موّلوا تنظيم القاعدة".
بعد عام من ذلك، فتح تقرير المفتش العام لوكالة الاستخبارات، الذي تم حجبه بشدة، نافذة أخرى، قائلاً إن "بعض ضباط الوكالة تكهنوا بأن المتعاطفين داخل الحكومة (أي المتطرفين الدينيين) ربما كانوا قد دعموا بن لادن. وكشفت التحقيقات اللاحقة أن مسؤولين من وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة كانوا يساعدون بنشاط الخاطفين على الاستقرار في كاليفورنيا".
دفعت هذه المعلومات مئات من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر إلى رفع دعاوى ضد الحكومة السعودية في محكمة اتحادية في نيويورك العام الماضي، مطالبين بتعويضات مالية غير محددة.
قال أندرو مالوني، محامي العائلات، لمجلة "نيوزويك" الأسبوع الماضي "لقد اعترفت الاستخبارات السعودية بأنها كانت على علم بهوية الشخصين… كانت تعرف أنهما من القاعدة منذ اليوم الأول لوصولهما إلى لوس أنجلوس. لذا فإن أي ادعاء من الحكومة السعودية بالقول (نحن فقط نساعد جميع السعوديين في الولايات المتحدة) هي خاطئة. لقد كانت تعرف الحكومة تعرف، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية تعرف أيضاً".
يشير تقرير "نيوزويك" إلى أن المملكة قامت بتسليم ما يقرب من 6800 صفحة من الوثائق، "معظمها باللغة العربية"، بينما يقوم فريق مالوني بعملية الترجمة.
يعلّق مالوني قائلاً "هناك بعض الأشياء المثيرة للاهتمام في الوثائق، وهناك كذلك بعض الفجوات الواضحة"، ويلفت إلى إنه سيعود إلى المحكمة في أكتوبر للضغط من أجل الحصول على مزيد من الوثائق.
من جهة ثانية، كشف المحامي أنه سيطالب بعزل مسؤولين سعوديين، خاصة فهد الثميري، وهو مسؤول قنصلي سابق في لوس أنجلوس وإمام مسجد كولفر سيتي في كاليفورنيا، الذي كان يزوره المعتديان وعناصر أخرى من "القاعدة"، حسب الادعادات الأمريكية.
في عام 2003، تم اعتراض الثميري بعدما هبط في لوس أنجلوس على متن رحلة جوية من ألمانيا وتم ترحيله من الولايات المتحدة "بسبب ارتباطات إرهابية مشبوهة"، لكن المشكلة، حسب مالوني، أنه لا يزال يعمل لصالح الحكومة في الرياض.
في أبريل الماضي، طلب مالوني من مكتب التحقيقات الفيدرالي الحصول على وثائق عن الثميري وعمر البيومي، وهو جاسوس سعودي مشتبه به في الولايات المتحدة كان على اتصال أيضاً بالمعتدين، لكن المكتب لم يستجب، وعليه يعتزم المحامي في 11 سبتمبر المقبل تقديم "طلب رسمي لإلزام مكتب التحقيقات الفيدرالي" بإصدار الوثائق.
وتأتي تصريحات المحامي بعدما اتهم ستيفن مور، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي ترأس التحقيق الذي أجراه المكتب حول اختطاف الطائرة التي توجهت إلى البنتاغون، لجنة 11 سبتمبر بتضليل الرأي العام عندما قالت إنها "لم تعثر على أدلة".
وكتب مور موضحاً ادعاءه بالقول "كان هناك دليل واضح على أن الثميري قدم المساعدة للحازمي والمحضار"، شارحاً "بالاستناد إلى الإثبات في تحقيقنا، كان بيومي نفسه عميلاً سرياً ومرتبطًا بالمتطرفين ومن بينهم الثميري"، الذي لم يكن التحقيق الأمريكي معه معمقاً ودقيقاً.
دعم ترامب مستبعَد
أهداف مالوني الإضافية، حسب الكتاب، ليست فقط موظفي ووثائق "الأف بي آي" و"السي آي إيه" ووزارة الخارجية الأمريكية ووزارة المالية والكثير من الوكلاء السابقين، بل أيضاً أولئك الذين عملوا في "وحدة بن لادن" التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية. وعنهم قال مالوني "هؤلاء لن يتحدثوا إلينا أبداً أو سيتحدثون فقط إلينا إذا حصلوا على نوع من الحصانة الشاملة"، موضحاً أن "الوصول إليهم ربما يتطلب الأمر التنفيذي من الرئيس دونالد ترامب، وهو للأسف مستبعد بالنظر إلى دعم إدارته القوي للسعودية".
قد يكون هناك دعم عام لمساعي مالوني، حسب تقرير "نيوزويك" الذي ذكّر باستطلاع للرأي عام 2016 توصل إلى أن 54.3 في المئة من الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة تخفي شيئاً عن هجمات سبتمبر.
كما أشار التقرير، نقلاً عن الكتاب، إلى وجود عدد كبير من "المحققين" في 11 سبتمبر ممن يعتقدون بـ"نظرية المؤامرة" التي تفترض أن الهجمات كانت "عملاً داخلياً" من قبل إدارة بوش و/ أو إسرائيل، وساعدت فيه من خلال متفجرات زرعت في أحد أبراج مركز التجارة العالمي.
وفي النهاية، يذكّر التقرير بالمحاولات السعودية لتجنب الإشارة إلى علاقاتها مع الخاطفين، ففي العام الماضي، تم اكتشاف وكلاء من السعودية يقومون بحملة علاقات عامة بشكل سري في محاولة لعرقلة مشروع قانون في الكونغرس يسمح لمجموعة من أسر ضحايا 9/11 بمقاضاة المملكة عن الأضرار.
وكانت مجموعة من العائلات قدمت، في سبتمبر الماضي، شكوى من 17 صفحة إلى وزارة العدل الأمريكية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...