شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
طفل البلكونة…مختص يحذر من “التسخين العاطفي” لأنه شكل آخر من تعذيب الطفل

طفل البلكونة…مختص يحذر من “التسخين العاطفي” لأنه شكل آخر من تعذيب الطفل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 يناير 201901:11 م

ردود أفعال غاضبة عمّت مصر بعد واقعة "طفل البلكونة" إثر تداول مقطع مصور تظهر فيه سيدة (هي الأم في هذه الواقعة) وهي تدفع بطفلها من نافذة منزل باتجاه بلكونة بدور علوي، معرضة حياته للخطر، لكن هذا الطفل يتعرض حالياً لخطر "أبشع" بحسب ما صرح به لرصيف22 استشاري الطب النفسي المصري البارز جمال فرويز الذي لفت إلى خطورة "التعامل الإعلامي غير المهني” مع هذه الحادثة ما عمّق الآثار النفسية السيئة التي يعانيها هذا الطفل حسب قوله.

عقب تداول المقطع المصور، ألقت السلطات المصرية القبض على هند الروبي (35 عاماً) والمعروفة إعلامياً بوالدة "طفل البلكونة" متحفظةً على الأبناء لعدم وجود الأب وقت الضبط. وتبين أن الأسرة تقطن الشقة رقم 8 بالطابق الثالث بالعقار رقم 13 بمنطقة "ابني بيتك" (مشروع حكومي سكني لمحدودي الدخل) في حدائق أكتوبر جنوب العاصمة المصرية القاهرة.

تتكون الأسرة من أب وأم وأربعة أطفال، ويعيش الأفراد الستة على دخل لا يتجاوز 300 جنيه مصري (17 دولاراً تقريباً) تجنيها الأم من عملها عاملةَ نظافة في مدرسة وتسعى للقيام بأعمال أخرى من بيع وشراء للمساهمة في إعالة أسرتها، فإيجار البيت وحده يكلف 800 جنيه (44 دولاراً)، بينما الأب عاجز عن العمل بسبب مرضه المزمن.

الأم تعترف بالخطأ

وعقب الإفراج عنها، ظهرت الأم باكيةً معترفةً بأنها "أساءت التقدير" وأنها "لا تتمنى سوى إسعاد أبنائها" ولم تكن ترغب في إيذاء ابنها أسامة (13 عاماً) الذي ظهر متدلياً من النافذة وأوشك على السقوط في برنامج مساء dmc على قناة تحمل نفس الاسم. تعامل البرنامج بمهنية عندما أكد رفضه استضافة الطفل الذي بقي منتظراً والديه في الكواليس، لصغر سنه.

أوضحت الأم مراراً أن ظروفها المادية كانت قاسية وكانت سبباً لموافقتها على عرض طفلها بمحاولة تسلق الشرفة لفتح المسكن لعدم قدرة الأسرة على تحمل تكلفة أعمال النجارة لفتح الباب، لافتةً إلى أن النيابة "تعاطفت" معها وأفرجت عنها عقب "دفاع ابنها عنها ورفضه مغادرة القسم دون أمه" وبعد “تعهدها كتابياً بعدم تعريض أطفالها للخطر مرةً أخرى".

خرج الأب في مقطع مصور أيضاً مدافعاً عن زوجته واصفاً ما حدث بأنه "أمر عادي" مشيراً إلى أن الأم "لم يكن أمامها خيار آخر" ومشدداً على أنها "تحبهم (أبناءها) ولا تتحمل أبداً أن تؤذيهم".

من جهتها، أعلنت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، أنها وجهت بإعداد تقارير شهرية عن أسرة الطفل، للاطمئنان على حسن رعاية الأبناء، إلى جانب الدفع بفريق بحث اجتماعي لمتابعة أوضاع الأسرة والتعرف على الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها ومحاولة تحسينها.

ورغم أنه لا مبرر لما أقدمت عليه الأم، إلا أن العديد من رواد التواصل الاجتماعي أبدوا بعض التعاطف معها عندما ظهرت وشرحت ملابسات ما حدث خاصة وأن تصوير الواقعة لم يكشف كل الحقيقة ولفت بعضهم إلى أن هذا الأمر يحدث بشكل متكرر في مصر وأن مواقع التواصل أحدثت الفارق هذه المرة.

معاناة من نوع آخر

حتى هنا قد تبدو الأمور عادية وقد يتصور البعض أن "مأساة" طفل البلكونة ربما انتهت، غير أن "معاناة" من نوع جديد لاحت عندما تدافعت القنوات التلفزيونية للاستفادة من الحادثة بإجراء مقابلات مع الأم وطفلها، البعض تعامل بمهنية كبيرة وعرض القصة ورفض الحديث مع الطفل عما حدث لعدم تذكيره به، لكن إعلاماً آخر سارع  باستغلال تعاطف الملايين مع القصة.

واستضافت الإعلامية المثيرة للجدل ريهام سعيد الطفلَ أسامة وأسرته، وخلال لقائها تعاملت مع الطفل بقسوة فبدأت بسؤاله "زعلان من ماما ولا لأ؟" ليجيب الطفل نافياً، فأعادت السؤال بصيغة أخرى: عندما كنت تصرخ وهي تصرخ بوجهك (بطريقة مش كويسة) لم تكن خائفاً؟ فلم يرد، فعادت تسأله: لماذا فعلت والدتك هذا؟ فأجاب بأنه لا يعرف، فسألته من جديد: لماذا وقفت إلى جانبها في النيابة ولم تغضب منها؟ فارتبك أكثر ولم يرد. فعادت لسؤالها الأول: هل تحب والدتك؟ فأجاب: لا، لتكرر السؤال ثلاث مرات "مبتحبش مامتك”؟ وهو يصر على الإجابة نفسها. وتظهر بعد ذلك وهي تتجه إلى الأم قائلةً: "زعلان منك أوي".

 غير أن الطفل ظهر في عدة مقابلات مصورة أخرى عبّر فيها عن حبه لوالدته معلناً أنه نادم على  "استهتاره" بنسيان مفتاح مسكنهم ما ألحق بالأسرة كل هذا الضرر غير أن المذيعة تعمدت تذكيره بالتفاصيل المؤلمة للواقعة للحصول على "سبق" وتصريحات مغايرة لما سبق أن قاله.

 رواد مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا أداء المذيعة التي مارست ضغطاً شديداً على طفل هش مثّلت قصته موضوعاً إخبارياً حول العالم، وظهرت فيها أمه بصورة “الأم المستهترة” ما يجعله أكثر هشاشة نفسياً لا سيما في علاقته بأمه التي حاولت المذيعة هزها بعنف.

مختص نفسي لرصيف22: "من المؤسف أن تصبح اللقطة أو الضجة المحرك الرئيسي للإعلام الذي تعد وظيفته الأساسية الكشف عن مشكلات المجتمع لحلها وليس للتربح منها وتعميقها"
مختص نفسي لرصيف22 يتحدث عن واقعة طفل البلكونة في مصر وكيف تم استغلال الطفل إعلامياً من بعض المذيعين من باب "التسخين العاطفي" وتأليب الطفل على أمه، وهذا بحد ذاته "تعذيب من نوع آخر يستهدف الطفل ويؤخر علاجه".

التسخين العاطفي في الإعلام أخطر من جريمة الأم

لمعالجة الإعلامية لواقعة طفل البلكونة، جعلت من جمال فرويز استشاري الطب النفسي يحذر في تصريح لرصيف22: "من المؤسف أن تصبح اللقطة أو الضجة المحرك الرئيسي للإعلام الذي تعد وظيفته الأساسية الكشف عن مشكلات المجتمع لحلها وليس للتربح منها وتعميقها" مضيفاً "الإعلامية المذكورة لم تفكر بصحة الطفل النفسية أو سلامه الداخلي أو الأسري للحظة واحدة قبل أن تُقدم على ذلك".

وأوضح فرويز أن "هذه المقابلة أدت إلى استعادة ذكريات سيئة لدى الطفل ما ينشط ويرسخ الأزمة داخله" معتبراً أن ما قامت به المذيعة "تسخين (أي حشد وشحن عاطفي) عبر توجيه أسئلة بها قدر من التوجيه العاطفي وهو أمر أكثر قسوة على الطفل من اختبار المحنة نفسها".

وأضاف: "قد لا يكون إجراء المقابلات أزمة كبيرة في حالة الطفل من البداية لكن التناول غير الإنساني أو المهني سيضر به دون شك لاسيما وأن هذه المادة المصورة ستظل تطارده ما يتطلب ضرورة إبعاده من الآن وصاعداً عن أي شيء يذكره بما حدث"، مردفاً "الأم أخطأت لا شك في ذلك، لكن ما فعلته هذه الإعلامية (جريمة أكبر) بحق الطفل المسكين وبحق مهنة الصحافة".

وشدد فرويز على أن "هذا الطفل يحتاج الآن أن يحاط بالكثير من الدعم النفسي، لا بد أن ينسى الحادثة برمتها. كما أن التقارب بين الطفل وأمه ضرورة حتمية عقب ما تعرض له في هذه المقابلة…إنه بحاجة ماسة لقضاء مزيد من الأوقات السعيدة"، معتبراً "المطالبات بأم بديلة غير علمية وغير مناسبة في هذه الحالة أبداً".

واختتم قائلاً: "الأسبوع القادم ستنشغل هذه الإعلامية وغيرها عن الطفل ولن يتذكروه باحثين عن (مصيبة أخرى)، بينما لن يتمكن الطفل من نسيان ما جرى وما قاله والمحزن أن الأم نفسها لن تنسى ما قاله طفلها عنها رغم كل ما حدث" مستطرداً "هذا سيعمق الأزمة بينهما دون شك.. فحتى لو كان الطفل في قرارة نفسه غاضباً مما حدث فإنه لم يعد قابلاً لتخطي الأزمة بعد ما قاله".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image