أصدر الرئيس البرازيلي المنتخب حديثاً جائير بولسونارو قراراً عجيباً بحل وزارات الثقافة والرياضة والتنمية الاجتماعية ودمجها جميعاً في وزارة واحدة في البلد الذي اشتهر برقصة السامبا ولعبة كرة القدم ورياضة الكرة الشاطئية وهو موطن الكتّاب ماشادو دي أسيس وخورخي أمادو وأندريا ديل فويغو ولويس روفاتو وميلتون حاتوم وطبعاً باولو كويلو ما أثار غضباً في البرازيل واستغراباً خارجه.
تسلم بولسونارو الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف منصبه مطلع العام الجاري، بعد أن فاز في الانتخابات بفارق كبير عن منافسه فيرناندو حداد مرشح حزب العمال اليساري في الانتخابات التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ليصبح رسمياً الرئيس الـ 38 للبرازيل.
وكان هناك تخوف داخلي وعالمي من آراء ومواقف وسياسات الرئيس الذي اعتاد إطلاق تصريحات عنصرية ضد النساء والمجتمع المثلي والبرازيليين من أصل أفريقي، غير أن قراره بدمج وزارات حيوية ومؤثرة في المجتمع البرازيلي اعتبر الأكثر عبثاً على الإطلاق.
الوزارة الجديدة ستعرف باسم "وزارة المواطنة" وسيتولاها أوسمار تيرا وزير التنمية الاجتماعية في عهد سلف بولسونارو ميشال تامر. ويشدد تيرا على أن الوزارات "اندمجت ولم تحل بشكل تام" كما يعترف بأن خبرته الثقافية “محدودة".
كما يفترض أن يتولى خوسيه هنريك بيريس الذي عمل سابقاً مدير قسم الفنون والثقافة بمعهد العلوم الإنسانية التابع للجامعة الاتحادية في بيلوتاس إلى جانب عمله كصحافي إذاعي، رئاسة القسم الثقافي في الوزارة المشتركة.
وليس من العجيب أن يعين بولسونار تيرا وبيريس مسؤولين عن الثقافة وكلاهما من أنصار إدخال تعديلات على قانون Rouanet الصادر عام 1991 والذي يسمح باقتطاع 1% من دخل الأفراد والمؤسسات لصالح الأنشطة الثقافية. واعتاد الرئيس الجديد مهاجمة القانون الذي يعد الممول الرئيسي للحوافر الثقافية في البلاد معتبراً أنه "يهدر موارد الدولة" متوعداً بشروع حكومته “بمراقبة التنازلات الصارمة".
أما تيرا فقال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إنه ينبغي "وضع تعديلات بالتشريع يساعد على معرفة أين وكيف يتم إنفاق كل المبالغ المستقطعة".
وانتقد تيرا، الذي درس الطب، قادة "الفنون" البرازيليين قائلاً إن "خبرتي الثقافية الوحيدة هي معرفة كيف تلعب الباريمباو (آلة إيقاعية أحادية الوتر عادةً ما تعزف أثناء ممارسة رقصة الكابويرا)" في إشارة إلى عجزهم عن نشر الثقافة، غير أنه اعتذر لاحقاً عن تعليقه عبر حسابه الرسمي على فيسبوك.
وكانت وزارة الثقافة البرازيلية قد أنشئت في العام 1985، وسبق حلها في عام 2016، غير أن ميشال تامر أعادها في العام نفسه عقب احتجاجات عديدة من قادة الثقافة والفن في البلاد.
ولم يكن حل وزارة الثقافة مفاجأة للخبراء حيث كان الفنانون هدفاً لمؤيدي بولسونارو الذي قام بتطبيق سياسات ثقافية جديدة تنفيذاً لوعوده بإحداث "تغييرات جذرية في البلاد".
تاريخ ثقافي عريق
ورغم أنه لم يتضح بعد مدى تأثر المؤسسات الثقافية التي تمولها الحكومة الفيدرالية في البرازيل بالتغييرات التي طرأت على وزارة الثقافة هناك، إلا أن العديد من أعضاء المجتمع الثقافي البرازيلي "قلقون" بشأن الاتجاه الجديد للبلاد.
ويصف ميندز وهو تاجر قطع فنية برازيلي بارز، ما يحدث بـ "أنه وقت مظلم للغاية في البرازيل" التي تعرف بأنها "حديقة الثقافة اللاتينية".
ويخشى أن تؤثر قرارات بولسنارو على تمويل مهرجانات وكرنفالات برازيلية شهيرة غنية بالرقص والموسيقى مثل مهرجان "فليبلو الثقافي الدول" الذي يُقام في مدينة سالفادور في ولاية باهيا في شمال البرازيل وكانت تدعمه وزارة الثقافة البرازيلية ويستقبل كُتاباً برازيليين وآخرين مِن موزمبيق وغانا وغينيا بيساو. وقد يؤثر إلغاء وزارة الثقافة سلباً على العديد من المؤسسات الثقافية الهامة مثل "بيت جورجي أمادو" التي تستخدمها البلدان عادةً لنشر ثقافتها والتعريف بهويتها وتاريخها في العالم، وهو ما لا يدركه رجل عسكري مثل بولسونارو.
والثقافة البرازيلية واحدة من أكثر الثقافات ثراءً في أمريكا اللاتينية ومن ألمع أسمائها جورجي آمادو (1912-2001) الذي يعرف بعراب الرواية البرازيلية واللاتينية أيضاً ومن أبرز رواياته المحصول الأحمر أو "غابرييلا.. قرنفل وقرفة".
وطبعاً ماشادو دو أسيس (1839- 1908) الذي يشبهه البعض بشكسبير البرازيل وغوتة البرازيل، وكذلك إقليدس داكونيا (1866- 1909) وحديثاً باولو كويلو الاسم الأبرز بين مبدعيها الذي حقق أدبه رواجاً عالمياً غير مسبوق.
يوجد أيضاً العديد من الأدباء والشعراء البرازيليين من أصول عربية نظراً لهجرة الكثير من العرب إلى البرازيل والاستقرار وسط سكان البلد الذين ينتمون لأصول عدة من بينهم إلياس فرحات وجورج مدور وجميل منصور حداد.
وكان صالون باريس للكتاب الذي يستقبل نحو 200 ألف زائر سنوياً وقرابة 1200 ناشر من 50 بلداً للكتاب قد اعتبر البرازيل من أكثر دول العالم تقدماً في مجال الكتابة الروائية عام 2015 وكرم 48 كاتباً برازيلياً أبرزهم، دوشيكو بوارك، ومارسيلو باك سوانا بولا مايا، وبولو سكوت، بالإضافة إلى كتب باولو كويلو الأشهر عالمياً وقبله جواكيم ماريا مشادو، إحدى أشهر المؤسسات (1839-1908) وكلاريس ليسبكتور (1920-1977)، وفيليب هيرش صاحب مسرحية "لعبة الورق".
ومن القرارات المثيرة للرئيس البرازيلي إغلاق وكالة تابعة لوزارة التعليم سعت إلى تعزيز التنوع في المدارس والجامعات العامة. وتعيين داماريس الفيس وهي قسّيسة إنجيلية سابقة وزيرة لشؤون المرأة والأسرة وحقوق الإنسان، اشتهرت بمواقفها المحافظة فيما يتعلق بحقوق المرأة والأقليات. الوزيرة الجديدة تؤمن بأن "المرأة خُلقت لكي تكون أُمّا وهي تناهض الإجهاض وتكرر أنه "حان وقت الكنيسة لكي تحكم المجتمع".
أصدر الرئيس البرازيلي المنتخب حديثاً جائير بولسونارو قراراً عجيباً بحل وزارات الثقافة والرياضة والتنمية الاجتماعية ودمجها جميعاً في وزارة واحدة في البلد الذي اشتهر برقصة السامبا ولعبة كرة القدم ورياضة الكرة الشاطئية وهو موطن الكتّاب ماشادو دي أسيس وخورخي أمادو وأندريا ديل فويغو ولويس روفاتو.
من القرارات المثيرة للرئيس البرازيلي إغلاق وكالة تابعة لوزارة التعليم سعت إلى تعزيز التنوع في المدارس والجامعات العامة. وتعيين داماريس الفيس وهي قسّيسة إنجيلية سابقة وزيرة لشؤون المرأة والأسرة وحقوق الإنسان، اشتهرت بمواقفها المحافظة فيما يتعلق بحقوق المرأة والأقليات.
يسير بولسونارو على خطى الرئيس الأمريكي الذي اعتبره في أحد التصريحات "مثله الأعلى" فقرر نقل سفارة بلاده إلى القدس باعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، كما يسير على خطاه في اتخاذ القرارات المثيرة للجدل والغضب أيضاً حتى بات البعض يسميه "ترامب البرازيلي".
من العجيب ألا يكون هناك وزارة للرياضة في بلد وصفه الصحافي الإنجليزي إليكس بيلوس بأنه "بلد يتنفس كرة قدم. وينام على كرة القدم، من اللاعب سقراط إلى بيليه إلى نيمار. إنه عقد برازيلي طويل ولؤلؤي يبعث على الشغف والإثارة حتى تحوّلت هذه اللعبة ذات الجذور الإنجليزية إلى ثقافة برازيلية يومية".
على خطى ترامب
ويسير بولسونارو على خطى الرئيس الأمريكي الذي اعتبره في أحد التصريحات "مثله الأعلى" فقرر نقل سفارة بلاده إلى القدس باعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، كما يسير على خطاه في اتخاذ القرارات المثيرة للجدل والغضب أيضاً حتى بات البعض يسميه "ترامب البرازيلي".
وانتخب البرازيليون الضابط السابق بالجيش على أمل أن يضع بلادهم على المسار الصحيح بعد سنوات سادتها فضائح الفساد وشملت الرؤساء، إلا أن قسماً كبيراً من البرازيليين يتخوف من تحول البلد في عهده إلى الديكتاتورية بعد أن عادت إلى الديمقراطية في عام 1985 بعد أكثر من 20 سنة من حكم العسكر.
ومنذ توليه الحكم، عكف بولسونارو على تعيين ضباط سابقين في وزارات مهمة بحكومته، وهو الذي طالما عبر عن حنينه إلى زمن الحكم العسكري في البرازيل والسياسات المتشددة التي اتبعهتها الحكومة في فترة شهدت سجن الآلاف وتعذيبهم واصفاً إياها بأنها "مرحلة مجيدة من تاريخ البرازيل".كما تعهد بتسهيل حصول وامتلاك السلاح لجميع المواطنين.
وكان الرئيس الجديد ينوي دمج وزارتي الزراعة والبيئة معتبراً أن ذلك يساهم في تخفيف البيروقراطية التي يواجهها المزارعون، غير أن نشطاء البيئة انتفضوا ضده ما اضطره للتراجع خاصة مع احتجاج وزيري الزراعة والبيئة على تلك الخطوة.
كما اعتزم بولسونارو الانسحاب من اتفاقية باريس لحماية البيئة كما ترامب رغم أنه كان وعد بالتخلي عن هذه الفكرة قبل أيام من الجولة الثانية من الانتخابات، فيما صرح وزير البيئة ريكاردو ساليس الاثنين أن الرئيس يؤيد بقاء البرازيل في اتفاقية باريس المناخية "في الوقت الحالي".
ومن العجيب ألا يكون هناك وزارة للرياضة في بلد وصفه الصحافي الإنجليزي إليكس بيلوس بأنه "بلد يتنفس كرة قدم. وينام على كرة القدم، من اللاعب سقراط إلى بيليه إلى نيمار. إنه عقد برازيلي طويل ولؤلؤي يبعث على الشغف والإثارة حتى تحوّلت هذه اللعبة ذات الجذور الإنجليزية إلى ثقافة برازيلية يومية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي