شَهِد اليوم الأوّل من هذا العام حدثاً مثيراً للاهتمام في عالم الثقافة والفنّ، إذ أن كلّ المنشورات الصادرة عام 1923 في الولايات المتحدة، فقدت حقوق ملكيّتها، وأصبحت متاحة مجاناً في الفضاء العام، ويحق لأيّ شخص نسخها وتبادلها وطبعها ونشرها دون أي موافقة من أحد، لتدخل هذه الأعمال ضمن متجر كتب غوغل -google books في خانة "مجاني"، وهي الخانة التي يُجدّد في اليوم الأول من كل عام محتوياتها، مُتيحاً قراءةَ وتداولَ ونَسْخَ الكتب التي أصبحت ضمن الملكيّة العامّة.
تنتمي الأعمال الفنيّة والأدبيّة التي أصبحتْ متاحة للجميع لمجالات الأدب والسينما والفن التشكيليّ في بدايات القرن العشرين، وخصوصاً مرحلة ما بين الحربين، ومن الأسماء التي أصبحت كلّ أو بعض أعمالهم ملكيّة عامة، جوزيف كونراد، أغاثا كريستي، دي أيتش لورانس، وكتاب وينستون تشرشل "أزمة العالم"، كذلك قصص لفيرجينا وولف وإرنست همينغواي وجاين أوستين وجان كوكتو وبورخيس، وينطبق الأمر ذاته على العديد من الأفلام، كـ"الحاج" لتشارلي تشابلن، والوصايا العشر لسيسي دي ميلزن، وأعمال فنيّة لماتيس ودوشامب، إذ أصبحت كلّها قابلة للنسخ والاقباس والتعديل والنشر والعرض دون أي مساءلة قانونيّة.
[caption id="attachment_179121" align="alignnone" width="350"] مان راي - Indestructible Object[/caption]
غيابُ الملكية وحقوق النشر لا يعني فقط شرعيّة التبادل الشخصي أو التخفيف من جهد القراصنة، بل يُتيح النقل والاقتباس وإعادة الإنتاج ضمن أشكال فنيّة أخرى دون موافقات مسبقة ممن يمتلك الحقوق، كتحويل رواية إلى فيلم أو مسرحيّة إلى فيلم كرتون، والتي عادة ما يرافقها إنتاجات هائلة، تشتري فيه الفئة المُنتجة حقوقَ الاستخدام، لا حقوق الملكيّة، كما في حالة "لعبة العروش" التي تمتلك فيها HBO، حقوق استخدام مضمون كتب جورج .ر.ر. مارتن.
الأمر ذاته ينطبق على جبران خليل جبران، الذي أًصبح كتابه "النبيّ" ملكيّة عامّة، كونه نُشر لأوّل مرة في الولايات المتحدة عام 1923 من قبل ألفريد نومبف، ويمكن الآن لأي أحد نشره وتبادله في الولايات المتحدة، بالرغم من أن جمعية جبران خليل جبران في لبنان هي التي تدير إرثه الثقافي والماديّ إلى الآن.
المنتجات السابقة كانت محميّةً من قبل قانون "سوني بونو" في الولايات المتحدة، الذي أُقرّ عام 1998 في سبيل جعل مدّة ملكيّة الحقوق الفكريّة للمنتج الثقافيّ تصل إلى 95 عاماً من تاريخ نشره قبل أن يصبح ملكيّة عامة، ويرى الكثيرون أن هذا القانون أُقرّ بسبب شركة "ديزني" التي لم ترد خسارة حقوق ملكيّة ميكي ماوس، ولا نقصد فقط الشخصية ذاتها، بل كلامه وتصرفاته ومميزاته، كونه كشخصيّة كارتونيّة ظهر لأول مرة في فيلم "ستيم بوت ويلي" المسجّل عام 1928، ما يعني أن ديزني ستفقد حقوق ملكية الفيلم عام 2024 ، إن لم يتم تعديل للقانون.
https://youtu.be/BBgghnQF6E4
من يمتلك شارلوك هولمز؟
شَهِد العام 2012، صراعاً قضائياً حول شارلوك هولمز، ومن يمتلك حقوق ملكيّته في الولايات المتحدة، إذ حاولت المؤسسة الراعيّة لإرث آرثر كونان دويل أن تربح من الإنتاجات الأمريكيّة الكثيرة التي توظّف هولمز، لأن في بريطانيا كلّ كتب المؤلف آرثر كونان دويل وقصصه عن شارلوك هولمز ملكيّة عامّة، وما حصل أن مؤسسة دويل قرّرت مقاضاة ليزلي كيلنجر الكاتب والمحامي المختصّ بشارلوك هولمز والمحرّرة والكاتبة لوري كينج، بسبب نشرهم لمجموعة من القصص القصيرة التي تحوي مغامرات جديدة لهولمز، إلى جانب تهديدها شركة CBS التي كانت تنتج مسلسلاً عن هولمز يعمل فيه كيلنجر كمستشار. إلا أن القضاء حكم لصالح كيلنجر، وأقرّت المحكمة بأنه يحقّ استخدام شخصية هولمز كونها ملك عام، عدا عشرة قصص نُشرت في أمريكا بين عامي 1923 و1927، والتي مازالت ذات حقوق ملكيّة في الولايات المتحدة، لكنها فقدت هذه الحقوق هذا العام، ما يعني أن الاستعانة بالمحقق الشهير لكتابة الروايات والأفلام وغيرها بل وتحويل مغامراته إلى أفلام (هوليووديّة) لا يقتضي أي موافقة مسبقة من مؤسّسة كونان دويل. الوضع في العالم العربي مختلف كلياً، كون الكثير من الكتب تنشر وتترجم دون أي مراعاة لحقوق الكتّاب الأصليين، كما حدث مؤخراً حين اكُتشف أن دار المدى تنشر ترجمات لأعمال أدباء كغابرييل غارسيا ماركيز وإيزابيل اللندي، دون أي موافقة من وكلائهم الأدبيين، ما يجعل الدار متورّطة في اعتداء على حقوق كل من المؤلف والمترجم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...