شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لغة العيون... حين ننسى أن هناك

لغة العيون... حين ننسى أن هناك "أنت" وأنا" فنغرق معاً في تجربةً واحدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 16 يناير 201907:04 م
"العيون تنادي بما تخشى الشفاه عن التفوّه به"، هذا الكلام يعود للأديب الأميركي "ويليام هنري" الذي كان مؤمناً تماماً بسحر العيون وقدرتها على تجسيد حالة المرء وما يختبره في ثناياه. فالعين هي نافذة النفس ولغة الإتصال غير اللفظي، لكونها لا تحتاج إلى "صفصفة" حروف لكي تتكلم، وبالرغم من كونها تفتقر إلى الصوت إلا أن حديثها يكون أبلغ من أي كلامٍ شفهي يٌقال. والمفارقة أن العيون نادراً ما تنجح في لعبة الخداع والكذب، وذلك يعود لكونها بمثابة مرآةٍ شفافةٍ تكشف الخبايا والمشاعر التي تعصف في داخل كل واحدٍ منا: الحب، البغض، الحزن، الفرح، الأمل، اليأس، وغيرها من الأحاسيس التي قد نمتنع عن التحدث بها في العلن إلا أن لغة عيوننا تفضحنا وتجرّدنا من خصوصيتنا، فتكسر الحواجز بيننا وبين الآخرين، وهكذا يتحول التقاء العيون إلى جسر تواصلٍ بين البشر ولقاء روحي يتخطى حدود الجسد. via GIPHY

قوة لغة العيون

تخيّلوا أنفسكم وسط غرفةٍ مزدحمةٍ تسودها الأجواء الصاخبة، وفجأة تلتقي عيونكم بعينَي شخصٍ غريب، وتماماً كما يحدث في المشاهد السينمائية الرومانسية، تشعرون فجأة وكأن روحكم تخرج منكم لملاقاة هذا الغريب الذي رغم أنه لم يسبق لكم أن رأيتموه من قبل، غير أنكم تشعرون أنه اختصر بسرعة البرق كل الناس من حولكم. لا شك أن نظرات العيون تبقى دوماً وسيلة التواصل المليئة بالرسائل المبطنة، وتقدم لمحة معيّنة وافتراضات حول طبيعة الشخص الآخر وإمكانية حدوث إنسجامٍ بيننا وبينه.
ندرك حقيقة أننا نتعامل مع عقل شخصٍ آخر ينظر إلينا في الوقت الحالي، ونتيجةً لذلك نصبح أكثر وعياً بقوة الشخص الآخر، وبأن لديه  منظوراً خاصاً به، وهذا بدوره يجعلنا أكثر وعياً لذاتنا.
تبيّن أن التقاء العيون يجذب انتباهنا مما يجعلنا أقل وعياً بما يدور من حولنا، فتختفي الألوان الملوّنة المحيطة بنا ويسود اللون الرمادي على المشهد العام.
وبمعزل عن تجاربنا اليومية مع هذا الموضوع، فقد إنكب العلماء منذ عقود على دراسة أهمية وقوة التواصل البصري بين البشر وكيف تغير مسألة التقاء العيون طريقة تفكيرنا حول الطرف الآخر. فقد تبيّن أن التقاء العيون يجذب انتباهنا مما يجعلنا أقل وعياً بما يدور من حولنا، فتختفي الألوان الملوّنة المحيطة بنا ويسود اللون الرمادي على المشهد العام، كما أن تواصل العيون يثير سلسلة من عمليات الدماغ، وذلك لكوننا ندرك حقيقة أننا نتعامل مع عقل شخصٍ آخر ينظر إلينا في الوقت الحالي، ونتيجةً لذلك نصبح أكثر وعياً بقوة الشخص الآخر، وبأن لديه منظوراً خاصاً به، وهذا بدوره يجعلنا أكثر وعياً لذاتنا. كما تظهر الأبحاث أن الاتصال بالعين يعيد رسم طريقة إدراكنا للطرف الثاني وتقييمنا له: نعتبر الاشخاص الذين يعمدون إلى التحديق والنظر في عيوننا أنهم أكثر ذكاءً وأكثر وعياً وصدقاً من غيرهم، وبالتالي نصبح أكثر ميلاً إلى تصديق ما يقولونه.

الكيمياء والشفاء الروحي

إذا اردتم معرفة ما يدور داخل رأس شخصٍ ما، فكلّ ما عليكم فعله هو مراقبة حركات عينيه، وفق ما أشار إليه الكاتب "موهيب كوستنادي" في مقالٍ ورد على موقع "بي بي سي" بعنوان: "كيف تخون العيون أفكاركم". في بعض الأحيان تلتقي عيوننا بعيني شخصٍ آخر وتولد بيننا وبينه "شرارة معيّنة"، فنشعر فجأة ببركان حبٍ يتفجر في داخلنا، فالاتصال بالعين قد يجعلنا نقع في الحب والغرام "من أول نظرة" وهو أمر أثبتته الدراسات العلمية.
من خلال التحديق في عيون الآخر يصبح المرء جزءاً أكبر من ذاته
تحدث موقع crownofmind عن الشق الروحاني للغة العيون، معتبراً أن العيون هي النوافذ للروح"، على حدّ قول "شيكسبير" إلا أنها أيضاً الأبواب:" فعندما ندخل إلى منزل شخصٍ آخر، نحصل على إذن للدخول إلى الغرف، الحجرات، والأماكن التي يقوم بتنظيفها، واعتماداً على مدى راحة المضيف يتم فتح جميع الغرف أمامنا حتى نتمكن من المشي بسلاسة"، مع العلم أن إمكانية الوصول إلى العالم الداخلي للآخر يكون عن طريق الثقة، بحيث يتم منحنا المفتاح للدخول والخروج كما نشاء. ولكن ما سبب حدوث هذا التقارب العاطفي والروحي عند تبادل النظرات؟ في الواقع إن التحديق في العيون هي مسألة شائعة كثيراً في التقاليد البوذية وعلم النفس الروحاني، وخلالها يبحر الأفراد في رحلةٍ استثنائية لاكتشاف الإثارة ولمس الشفاء النفسي والروحي. بمعنى آخر هناك شيء سحري يحدث أثناء الاتصال بالعين، ونصل إلى هذه اللحظة حين ننسى أن هناك "انت" و"أنا" فنغرق كلانا في تجربةٍ واحدةٍ، خاصة بعد أن نعترف بالآخر على أنه مجرد انعكاس لأنفسنا، هذا ما تحدثت عنه "ميشيل باسمور"، مشيرةً إلى أنه من خلال التحديق في عيون الآخر يصبح المرء جزءاً أكبر من ذاته.
هناك شيء سحري يحدث أثناء الاتصال بالعين، فننسى أن هناك "انت" و"أنا" ونغرق كلانا في تجربةٍ واحدةٍ
من هنا وجدت دراسة حديثة أن النظرات المتبادلة تؤدي إلى خلق نوع من المزج الجزئي بين الذات والآخر: فخلال عملية التحديق، نشعر بتشابه كبير بيننا وبين الغرباء، من حيث الشخصية والمظهر الخارجي، بمعنى آخر عندما يكون الجميع منهمكين بتجاذب أطراف الحديث مع أشخاص آخرين، فإن الإتصال البصري الذي قد يحصل بيننا وبين الطرف الآخر الذي يحدق بدوره في عيوننا، يجعلنا نشعر بأننا نشترك مع هذا الغريب بلحظةٍ خاصةٍ. واللافت أن حالة "الكيمياء بالعيون" لا تتوقف عند هذا الحدّ، إذ في حال قررنا التقرب أكثر من الآخر، سنلاحظ أن التواصل البصري يلعب دوراً أيضاً في تقريب المسافات، في عمليةٍ تُعرف بـ"عدوى بؤبؤ العين" التي تصف كيف أن بؤبؤ عينكم يتًسع ويتقلًص بالتزامن مع بؤبؤ عين الآخر، مع العلم أن تمدد بؤبؤ العين يؤخذ أحياناً على أنه مؤشر على الرغبة الجنسية إضافة إلى اعتباره أمراً جذاباً خاصة من قبل النساء اللواتي لجأن تاريخياً إلى مستخلصاتٍ نباتيةٍ لتوسيع حدقة العين كطريقة لجعل أنفسهنّ أكثر جاذبيةً بعيون الرجال. تعتبر العيون نافذة على الروح والعقل، وهي تشكل الجزء الوحيد من دماغنا المكشوف مباشرةً على العالم من حولنا، وبالتالي في المرة القادمة التي تحدقون فيها في عيني الآخر، فكروا في أن هذه الخطوة قد تكون أقرب فرصة للمس عقله أو نفسه، وبالتالي في حال قمتم بالنظر مباشرةً إلى عينيه لمدة 10 دقائق دون توقف فمن المرجح أن تختبروا تجارب غريبةٍ أكثر من أي وقتٍ مضى.

التواصل النظري يكسر الجليد

فيديو قصير بعنوان "أنظر ما وراء الحدود" كانت قد أطلقته منظمة العفو الدولية في العام 2016 بهدف كسر الحواجز بين اللاجئين والأوروبيين. فقد طُلب من بعض اللاجئين المنحدرين من سوريا والصومال الجلوس قبالة أشخاصٍ من بلجيكا وإيطاليا وألمانيا وبولندا وبريطانيا لمعرفة مدى التقارب بين الطرفين وكانت النتائج مثيرة للدهشة: بعد التحديق والتواصل النظري لبعض الوقت، شعر الجميع بوجود رابطٍ عاطفي رغم أنهم لم يسبق لهم أن التقوا من قبل. برأي "دراغينجا نادازدين"، وهي مديرة منظمة العفو الدولية في بولندا: "يتطلب الأمر قلب من حجر لمشاهدة الفيديو من دون ذرف دمعة. فاليوم عندما يبدو العالم مليئاً بالانقسامات والصراعات، فإنه من المفيد دوماً النظر إلى كل شيءٍ من منظور شخصٍ آخر"، وتابعت "دراغينجها": "في الكثير من الأحيان، ما يضيع في الأرقام والعناوين الرئيسية هو معاناة أناسٍ حقيقيين، لديهم عائلات، أصدقاء، قصص، أحلام وأهدافهم الخاصة. فماذا لو توقفنا للحظة ونظرنا حقاً إلى من هم عليه هؤلاء؟" مشددةً على أن "الحدود موجودة بين البلدان وليس بين الناس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image