عقب تمرير قرار يؤيّد إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لقوات "التحالف"، الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع، الخميس، على مشروع قرار يُحمّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في الثاني من أكتوبر الماضي، في ما اعتُبر "توبيخاً تاريخياً" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي طالما دحض هذه الاتهامات.
بدايةً، صوّت أعضاء مجلس الشيوخ بأغلبية 56 صوتاً مقابل 41 صوتاً، على مشروع القرار الذي يُطالب بإنهاء الدعم العسكري للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، عقب ساعات قليلة من إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة بين طرفي الحرب في اليمن بالتزامن مع اختتام مباحثات السلام التي بدأت في السويد في 6 ديسمبر الحالي.
قيمة رمزيّة وأهمية تاريخيّة
حتى الآن، يُعدّ هذا التصويت "رمزياً" إلى حدّ بعيد، كون أي مشروع قانون لا يصبح قانوناً يُعتدّ به إلا بعد إقراره من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون (حزب ترامب) الذين حاربوا دون إقرار أي تشريع يهدف إلى توبيخ السعودية. وعندما يتسلم الديموقراطيين مجلس النواب الشهر القادم، بعد فوزهم في نتائج انتخابات التجديد النصفية، ينبغي أن تبدأ العملية التشريعية لإقرار مشروع القانون من جديد، قبل أن تصطدم بحق النقض (الفيتو) من ترامب، الذي تعهد بذلك لعرقلته، ما يتطلب ثُلثي الأصوات في كلا المجلسين لتمريره. مع ذلك، يبقى تمرير القرار من الحزبين "انعكاساً لانعدام الثقة" في معالجة ترامب للسياسة الأمريكية تجاه اليمن والمملكة العربية السعودية، وخاصةً دعمه الشخصي لولي العهد السعودي، فرغم أن مقتل خاشقجي لم تتم إثارته أثناء مناقشات القرار المتعلق باليمن، إلا أنه لعب دوراً في "غضب" أعضاء مجلس الشيوخ من الرياض وولي عهدها. كذلك تُعدّ هذه المرة الأولى التي يستحضر فيها أي من مجلسي الكونغرس "قانون صلاحيات الحرب الصادر عام 1973"، أثناء حرب فيتنام، لكبح سلطات الرئيس في دفع الولايات المتحدة للمشاركة في أي نزاع عسكري خارجي.الإجماع على إدانة بن سلمان ووقف المساعدات لقوات التحالف... يُعدّ التصويت "رمزياً" بانتظار تسلّم الديمقراطيين المجلس الشهر المقبل. مع ذلك، وُصف ما جرى في مجلس الشيوخ بـ"اللحظة التاريخية"
يرى معارضو مشروع القانون أنه يضر بالعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية التي تُعدّ "ثقلاً موازناً في الشرق الأوسط لإيران، العدو اللدود لإسرائيل"ورغم الضغط القوي الذي مارسته إدارة ترامب وقيادات الحزب الجمهوري لعدم تمرير القرار، إلا أن سبعة أعضاء جمهوريين انضموا للديموقراطيين في إقراره. ووصف السيناتور المستقل بيرني ساندرز، الذي طالما دعم القرار على مدار العام، التصويت بـ "اللحظة التاريخية"، وأردف:"اليوم نقول للحكومة السعودية المستبدة بأننا لن نكون جزءاً من مغامراتها العسكرية". وأوضح: "هذا التصويت يعني أننا لن نشارك طويلاً في التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن والذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض، حيث مات 85000 طفل جوعاً"، ثم أضاف شارحاً "تم تمرير قانون صلاحيات الحرب قبل 45 عاماً، واليوم وللمرة الأولى، سنستفيد من هذا التشريع، لنقول لرئيس الولايات المتحدة أن المسؤولية الدستورية للمشاركة في الحروب تقع على عاتق الكونغرس وليس البيت الأبيض". وجرى تعديل القرار مرتين قُبيل التصويت عليه. التعديل الأول ليوضح أن إعادة التزود بالوقود في الجو في طائرات التحالف السعودية من قبل الناقلات الأمريكية تعني مشاركة الولايات المتحدة في الأعمال العدائية باليمن، والثاني للتشديد على أن القرار لن يؤثر على العمليات العسكرية المشتركة مع إسرائيل، أو أي تحالفات عسكرية أخرى، وهذا ما أقنع بعض الجمهوريين "المترددين" في التصويت لصالحه. وكانت الولايات المتحدة "علّقت" تزويد الطائرات الحربية السعودية بالوقود الشهر الماضي، وإذا أصبح مشروع القرار قانوناً، فإن ذلك سيمنعها من العودة إلى تزويد الطائرات بالوقود مجدداً.
اتهام مباشر لولي العهد
بعد ذلك، أيّد الأعضاء بالإجماع مشروع قانون آخر، يُحمّل ولي العهد السعودي مسؤولية مقتل خاشقجي، ويطالب السعودية بـ"ضرورة محاسبة المملكة لـ"أي شخص مسؤول" عن مقتله. وقال بوب كوركر، أحد الأعضاء من الحزب الجمهوري، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية وأحد رعاة القرار في الوقت نفسه: "بالإجماع، قال مجلس الشيوخ الأمريكي إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مسؤول عن قتل جمال خاشقجي، هذا إعلان قوي، أعتقد أنه يعكس القيم التي نتمسك ونعتز بها". وأضاف كروكر لقناة "إم إس إن بي سي": "في رأيي، إذا مثل ولي العهد السعودي أمام هيئة محلفين، فإنه سيُدان خلال نصف ساعة". في المقابل، يرى معارضو مشروع القانون أنه يضر بالعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية التي تُعدّ "ثقلاً موازناً في الشرق الأوسط لإيران، العدو اللدود لإسرائيل حليفة واشنطن الوثيقة". وتعليقاً على مشروع القانون الذي يدين ولي العهد، أشار المتحدث باسم البيت الأبيض لـ"رويترز" إلى العقوبات التي فُرضت على 17 سعودياً تشتبه أمريكا بصلتهم بالجريمة، مؤكداً بالقول إن "مصالحنا الإستراتيجية المشتركة مع المملكة العربية السعودية قائمة وما زلنا نرى أن من الممكن تحقيق هدفَيْ حماية أمريكا ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة". وفي هذه الأثناء، وعد المؤيدون لمشروع القانون من الحزبين الديموقراطي والجمهوري بالمضي قدماً في تحركهم ضد "المملكة وولي عهدها". ويواجه ترامب اتهامات عديدة في الآونة الأخيرة، حيث جاءت الضربة المزدوجة من مجلس الشيوخ عقب يومين من إدانة محاميه الخاص السابق مايكل كوهين بانتهاك قانون تمويل الحملات الانتخابية وارتكاب جرائم احتيال، وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات، بينما ألقى باللوم بعدها على الرئيس الأمريكي "وأعماله القذرة". في المقابل، نفى ترامب توجيه كوهين بانتهاك القانون، واصفاً تعيينه بـ"الخطأ".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...