ارتفعت حصيلة ضحايا السيول التي جرفت الجمعة مدناً أردنية عدة، منها البتراء ومعان ووادي موسى ومادبا، إلى 11 شخصاً، بينهم أحد غطاسي كوادر الدفاع المدني، فيما تُواصل فرق الإنقاذ حتى الساعة البحث عن مفقودين وسط حالة طوارئ أعلنتها السلطات.
تُعيدنا هذه الحادثة إلى الغيمة السوداء التي عبرت سماء الأردن، قبل نحو أسبوعين، وتسببت بوفاة 21 شخصاً، أغلبهم من الأطفال، عندما جرفت السيول حافلة مدرسية كانت في رحلة في منطقة البحر الميت.
هي الكارثة الثانية التي تضرب الأردن، في غضون أسبوعين. كارثتان حصيلة ضحاياهما البشرية فادحة. هل التغيرات المناخية الفجائية هي السبب؟ وما دور السلطات لتجنب سقوط أرواح في مثل هذه الكوارث؟ هل يمكن تفاديها؟
رصيف22 سأل الخبيرة في مجال البيئة والتغير المناخي الأردنية صفاء الجيوسي، فأفادت بأن "الكارثة التي حدثت في الأردن لم تكن مفاجئة، وكان بالإمكان الحد من نتائجها بإجراءات التكيف والإجراءات الاحترازية".
وقالت الجيوسي إن توفير بنية تحتية مرنة ومقاومة ومتلائمة مع تغيرات المناخ وتطبيق توصيات اتفاقية باريس للمناخ، هي عوامل مساعدة على تقليص تأثيرات حدة التغييرات المناخية وعواقبها على البشر.
وعدّدت أمثلة عن الإجراءات الاحترازية التي كان على الأردن توفيرها قبل حلول هذه الكارثة، ومن بينها "وضع نظام إنذار مبكر وإنشاء سدود احترازية لتخزين المياه، وحصاد المياه المتمثل في جمع وتخزين وتوزيع مياه الأمطار من سقف المنازل والمسطحات الصخرية أو الترابية". هذه الطريقة تمكن من استخدام المياه المجمّعة في المنزل وحوله، لإعادة استخدامها قبل أن تصل إلى المياه الجوفية.
وقالت إن هذه الحلول قادرة على التخفيف من فداحة الكوارث، مشددة "علينا الآن التعامل مع التغييرات المناخية شئنا أم أبينا، علينا الإسراع بوضع إجراءات التكيف مع التغييرات المناخية".
وتشير الجيوسي في حديثها لرصيف22 إلى تقرير التواصل الوطني الثالث حول التغير المناخي (2014) الذي قدّمته الحكومة الأردنية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي UNFCCC وأهم ما فيه أن "الأجزاء الشمالية من العقبة هي أكثر المناطق عرضة للمخاطر الناجمة عن السيول المفاجئة لأنها تقع في اتجاه مجرى النهر من مناطق الوديان الرئيسية"، ما يعني أن "الحكومة كانت على علم بذلك منذ سنوات".
وقالت إن التقرير الحكومي الأردني يذكُر تبعات التغيير المناخي على البلاد والعباد، لافتةً إلى أن حلول التغيير المناخي ليست أولوية، وعندما تم الحديث عن التعامل مع الكوارث لم تذكر التغييرات المناخية وإن كانت هذه التغييرات ليست هي المسبب وحدها بالكوارث. وأوضحت أن "التخبط في صناعة القرار والبنية التحتية المتهالكة لهما دور كبير في ما حدث في الأردن" محذرة من أن "التغيير المناخي سوف يفاقم حدة الطقس".
ورداً على سؤال: "بانتظار تحرك السلطات لتطبيق مقترحاتك ماذا على سكان المناطق الأكثر تهديداً في الأردن فعله"؟ أجابت الجيوسي "للأسف، المناطق الفقيرة والناس الأكثر فقراً هم الأكثر هشاشة وعرضة للخطر في الكوارث الطبيعية"، داعية الحكومة إلى الإسراع بإنشاء خلية أزمة "جدية" إلى جانب إعداد دراسات عن مدى حدة تساقط الأمطار، لافتةً إلى توفر مختصين من ذوي الكفاءة في هذا المجال في الأردن.
وبشأن توقعاتها عن التحول المناخي غير المسبوق الذي تعرفه الكرة الأرضية وانعكاسات ذلك، قالت الجيوسي محذرة "حدة الطقس في المنطقة العربية في ازدياد".
واللافت أن كارثة الأردن تتزامن مع كارثة مشابهة في الكويت بسبب السيول، لكن دون تسجيل وفيات، في حين بلغ عدد الإصابات 409 وفق ما أعلنه وزير الصحة الكويتي السبت.
ودقت الجيوسي ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن ارتفاع درجة الحرارة بـ1.5 درجة مئوية أو درجتين، يهدد مناطق عدة في العالم من جريان الأودية والفيضانات الخطرة، وقالت إن تقرير البنك الدولي لعام 2017 والذي حمل عنوان "اخفضوا درجات الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد"، أثبت أن زيادة درجات الحرارة يضع موارد المياه الشحيحة أصلا تحت ضغط شديد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط MENA وحذرت من عواقب ذلك على البشر والأمن الغذائي الإقليمي.
ولاحظت أن ذلك التقرير بيّن كيف أن محاصيل الزراعة في الأردن ومصر وليبيا قد تنخفض بنحو 30% بحلول عام 2050 إذا ما ارتفعت درجات الحرارة ما بين 1.5 و 2 درجة مئوية. وتوقعت أن تعرف عواصم عربية عدة ارتفاعاً شديداً في الحرارة كل عام أشد من العام الذي سبق.
أما في ما يتعلق بالمخاطر المناخية في الشتاء فتتمثل في الأمطار الوميضية (تعني الأمطار القوية جداً في وقت وجيز وهي شديدة التأثير) ويتبعها الفيضان الوَميضي الذي عادةً يحدث في الصحارى حيث لا يوجد غطاء نباتي ليبطئ معدّل جريان المياه لكنه قد يحدث في مناطق رطبة أيضاً.
الخبيرة في مجال البيئة والتغير المناخي الأردنية صفاء الجيوسي لرصيف22: "الكارثة التي حدثت في الأردن لم تكن مفاجئة، وكان بالإمكان الحد من نتائجها بإجراءات التكيف والإجراءات الاحترازية".
ونبهت المختصة إلى أن الأمطار الوميضية شتاء والجفاف صيفاً إلى جانب انتشار الأمراض بسبب تغيرات الطقس ونقص المياه والغذاء والهجرة البيئية هي أبرز ظواهر التغييرات المناخية التي تعرفها الكرة الأرضية.
اللافت أن الحكومة الأردنية شاركت بالنقاش حول التغير المناخي قبل أكثر من عشر سنوات، وحصلت على تمويل لحلّ مشكلات تغيير المناخ وانعكاساتها لكن ذلك لم ينعكس على إصلاح البنية التحتية، حيث بقيت عدة حلول اقترحها اتفاق باريس دون تطبيق.
وخوفاً من تفاقم الكارثة، أجلت الأردن الجمعة، نحو 3700 سائح من مدينة البتراء، وأوقفت جميع الرحلات للمناطق السياحية والأثرية إلى حين استقرار الحالة الجوية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت