شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
رسالة لوم من العاهل الأردني إلى مواقع التواصل الاجتماعي… 

رسالة لوم من العاهل الأردني إلى مواقع التواصل الاجتماعي… "مواقع التناحر الاجتماعي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 31 أكتوبر 201801:18 م
انتقد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ما سماها "الظواهر الاجتماعية المقلقة على منصات التواصل الاجتماعي"، داعياً في مقال له نشره مساء الثلاثاء إلى مراجعة التشريع في ما يتعلق بحرية التعبير في الأردن بهدف "التصدي للإشاعة"، داعياً الإعلاميين إلى "رفع معاييرهم المهنية والالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية التي تقع على عاتقهم". واتهم الملك جهاتٍ لم يذكرها بمحاولة ضرب استقرار المجتمع الأردني ببث الإشاعة ونشر العدوانية والتجريح والكراهية على مواقع التواصل. وقال العاهل الأردني في مقاله إنه لاحظ في الآونة الأخيرة على المنصات الاجتماعية (تويتر وفيسبوك) "محاولات لخلخلة ثبات هذه المرساة (القيم الراسخة في المجتمع الأردني مثلما سماها) وهو ما دفعني لمخاطبتكم اليوم". ووصف الملك بعض الظواهر اللافتة على تلك المنصات التي ترقى إلى "العدوانية والتجريح والكراهية" على حد تعبيره، مشيراً إلى "المعلومات المضللة" التي تساق دون حياء أو لباقة ودون مسؤولية أخلاقية، حسب وصفه قائلاً: "نتصفح منصات التواصل الاجتماعي، نصطدم أحياناً بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكاناً للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء". وتوعد العاهل الأردني بمراجعة التشريعات المتعلقة بحرية التعبير لمواجهة "الإشاعة والأخبار الكاذبة" على مواقع التواصل الاجتماعي على حد تعبيره، قائلاً: "لقد أصبحت الحاجة ملحة اليوم لتطوير تشريعاتنا الوطنية، بما يؤكد على صون وحماية حرية التعبير، ويحفظ حق المواطنين في الخصوصية، والقضاء على الإشاعات والأخبار المضللة، ومنع التحريض على الكراهية، خاصة وأن عدداً من مديري أكبر منصات التواصل الاجتماعي أنفسهم أقروا بأن منصاتهم يمكن استغلالها لأغراض سلبية وتخريبية".

التوليفة الصعبة: حرية تعبير ومراجعة قانون حرية التعبير

وتبدو الموازنة بين حرية التعبير من جهة، رغم الدعوة لمراجعة التشريع في هذا الشأن بدعوى التصدي للإشاعة، و"تأمين استقرار المجتمع" من جهة أخرى توليفةً صعبة، وهذا ما جعل الملك يقول في مقاله "مراعاة التوازن بين صيانة حرية التعبير، وهو الحق الذي نحرص عليه دائماً، وبين حقوق وأولويات في غاية الأهمية لاستقرار وعافية مجتمعنا، وهذا من شأنه المساهمة بشكل إيجابي في إثراء النقاش العام الضروري للتعامل مع ظاهرة الاستخدام غير الراشد والسلبي، في كثير من الأحيان، لوسائل التواصل الاجتماعي". ويأتي مقال الملك عبدالله بعد أيام على فاجعة البحر الميت التي أودت فيها السيول بحياة 21 شخصاً، أغلبهم من الأطفال، وأثارت تعليقات غاضبة وانتقادات شديدة من قبل العديد من المواطنين على منصات التواصل الاجتماعي. وهو ما أشار العاهل الأردني إليه في مقاله بوضوح، قائلاً إنه علينا أن نفرق بين انتقاد الأداء في تلك الفاجعة والسخرية والشماتة، مبيناً: "ما شاهدناه مؤخراً في حادثة البحر الميت، التي آلمتنا جميعاً، وما تبعه من تعليقات البعض يؤكد هذا التأرجح، ويذكرنا بأن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يملي علينا أن نكون على قدر المسؤولية في تفاعلنا مع أحداث يشهدها الوطن. وأجد نفسي هنا مضطراً للوقوف عند بعض أشكال هذا التفاعل؛ إذ يجب أن نفرق بين آراء انتقدت الأداء وطالبت بتحديد المسؤوليات، وهذا نابع من الحرص وهو مطلوب، وبين قلة ممن أساؤوا بالشماتة والسخرية". وتساءل الملك عمّن يقف وراء تلك "التعليقات" وما "علاقتهم بالمجتمع" وما الأهداف من "وراء هذه السلبية التي أفقدتهم وللأسف، إنسانيتهم. ولا بد أن نتساءل عمّن يقف وراء هذه الآراء البعيدة عن قيم مجتمعنا” حسب قوله، ووعد بمحاسبة كل من تثبت مسؤوليته بالتقصير في فاجعة البحر الميت، لكنه طالب بإلقاء "نظرة فاحصة وشاملة لحجم وطبيعة التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي". واتهم الملك جهاتٍ لم يذكرها بامتلاك أجندات، وإشاعة الأخبار الكاذبة على الإنترنت لاستقطاب الرأي العام وتصفية الحسابات السياسية، قائلاً: "ولا يخفى على أي متابع للنقاشات الرائجة على الإنترنت، أن الإشاعات والأخبار الملفقة هي الوقود الذي يغذي به أصحاب الأجندات متابعيهم لاستقطاب الرأي العام أو تصفية حسابات شخصية وسياسية". وقال الملك إن نشر الإشاعات في الآونة الأخيرة "يستهدف معنويات الأردنيين وتماسكهم" وتابع: "وأؤكد بأن من يكن للأردن نوايا سيئة سيشعل فتيل الأزمات من لا شيء، ويفتعل الحرائق إن استدعى الأمر".

الإشاعة التي طالت الملك

وذكر العاهل الأردني أنه بدوره لم ينجُ من الإشاعة، حين شككوا بوجوده عندما كان في إجازة، وقال إنه حتى حين استأنف نشاطه وظهر على الملأ بقوا (أطراف لم يسمها) يشككون بوجوده، قائلاً: "ويحضرني هنا موجة الإشاعات والأكاذيب التي انتشرت في فترة إجازتي المعتادة. لا بل حتى وبعد عودتي واستئناف برامجي المحلية، ظل السؤال قائماً: أين الملك؟! ليستمر البعض بالتشكيك في وجودي حتى وأنا أمامهم. هل أصبح وهم الشاشات أقوى من الواقع عند البعض؟" ووصف الملك عبد الله الإشاعة بأنها قادرة على بث جو من الإحباط والسلبية في المجتمع، متهمًا العالم الافتراضي بامتصاص تلك الإشاعات بشكل لا يعكس حقيقة الواقع الأردني وقيمه، بقوله "تنتشر في كثير من الأحيان، السلبية والشعور بالإحباط. ويبقى القارئ حائرًا بين الحقيقة والإشاعة. ويخيم على المجتمع جو من الريبة والإرباك والتشاؤم، بسبب إشاعات مصدر مصداقيتها الوحيد هو سرعة انتشارها، حتى بات العالم الافتراضي لا يعكس الصورة الحقيقية لقيمنا الأصيلة ومجتمعنا ولواقعنا الذي نعيش فيه كل يوم. فالإشاعة باستطاعتها الدوران حول العالم قبل أن ترفع الحقيقة رأسها. وهذا ما دعمته دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مفادها أن الأخبار الملفقة على منصة تويتر مثلا لديها فرصة انتشار تتجاوز 70% مقارنة بالحقيقة". وأشار العاهل الأردني إلى إمكانية مقاضاة المنتقدين "المسيئين" على الإنترنت قائلاً "نحن دولة قانون ومؤسسات"، وقال "وأؤكد أن كل من يسيء إلى أردني – سواء من عائلتي الأردنية الكبيرة  أو الصغيرة – فهو يسيء لي شخصيًا". وطالب الإعلاميين "برفع المعايير المهنية” والتحلي بالمسؤولية بقوله "مسؤولية منابر الإعلام والإعلاميين، كأحد أهم روافع نظم تدفق المعلومات والتواصل، إذ يجب عليهم رفع معاييرهم المهنية والالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية التي تقع على عاتقهم". وذهب الملك إلى حد التحذير من أن تسبب التعليقات السلبية بتهديد سلامة الشخصيات السياسية، فقال "إن كان حديثنا مبنيًا على الأكاذيب والإشاعات؟ إن أصبح اغتيال الشخصيات أمراً مقبولاً واعتيادياً؟ تخيلوا إن سيطر الخوف على المسؤولين فأقعدهم عن اتخاذ قرارات تصب في مصلحة الوطن والمواطن، أو دفعهم للتسرع في اتخاذ قرارات ارتجالية؟".
ملك الأردن في مقال له يصف بعض الظواهر على مواقع التواصل بأنها ترقى إلى "العدوانية والتجريح والكراهية" مشيراً إلى "المعلومات المضللة" التي تساق "دون حياء أو لباقة ودون مسؤولية أخلاقية"، حسب وصفه داعياً إلى مراجعة تشريعات حرية التعبير

شعبية واسعة أفسدتها فاجعة

ويأتي مقال العاهل الأردني وسط حالة من الاحتقان والغضب الشعبيين أعقبت فاجعة البحر الميت، إذ تصاعدت مطالب الأوساط النقابية وفئات واسعة من الشعب بالمحاسبة موجهةً انتقادات للجهات الحكومية، متهمةً إياها بالتقصير. وهو ما جعل رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، يعلن الثلاثاء أن حكومته "تتحمل المسؤولية، ولن تبحث عن كبش فداء في فاجعة البحر الميت" متوعداً في كلمة له أمام مجلس النواب بمحاسبة المقصرين، قائلاً: "علينا أن نرتقي إلى مستوى الفاجعة". غير أن أجواء النقد اللاذع والغضب الشعبي التي أعقبت فاجعة البحر الميت، وكانت سبباً لخروج الملك عن صمته في هذا المقال الذي كاشف فيه شعبه، كانت خافتة قبل وقوع تلك الفاجعة، بل إن شعبية الملك بلغت أوجها حين أعلن الأحد 21 أكتوبر الجاري قراراً تاريخياً بإنهاء العمل باتفاقية تربط بلاده بإسرائيل وتتعلق بملحقين اثنين من اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، يتعلقان بأراضٍ أردنية هي الباقورة والغمر، تم تأجيرهما إلى إسرائيل قبل 25 عاماً. ذلك الإعلان الذي استعاد بمقتضاه الأردن أراضيه من إسرائيل، أحدث حالة نشوة لدى الشعب الأردني ترجمتها تفاعلاته الإيجابية في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشكل اليوم محور انتقاد الملك. يومذاك بدا للأردنيين ذلك التماهي بين الملك وشعبه، حين تفاعل مع مطالبه بعدم تجديد اتفاقية تأجير الباقورة والغمر لإسرائيل، فأعلن أنه يستعيد أراضيه. حينذاك ذهب عدد من الأردنيين إلى تشبيه ذلك الحدث التاريخي بـ"لحظة فريدة في التاريخ الأردني المعاصر، ولا تقل أهميته عن أهمية قرار جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله في تعريب قيادة الجيش الأردني في خمسينيات القرن الماضي". لكن نشوة الانتصار تلك التي قفزت بشعبية الملك إلى الأعلى، خفتت (على الأقل على مواقع التواصل) بسبب فاجعة البحر الميت، التي أشعلت الغضب، وأفسدت طعم الانتشاء بانتصار على غريم تاريخي قابع على بعد أمتار. فكيف ستقرأ الحكومة الأردنية مقال الملك الذي دعا فيه صراحة إلى مراجعة تشريعات حرية التعبير في المملكة؟ هل تنقض الحكومة على حرية التعبير مستغلة هذا المقال ـ الخطاب بإضافة مزيد من القيود؟ وكيف سيكون رجع الصدى في مواقع التواصل الاجتماعي؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image