وصف تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر الأربعاء، "القيود المفروضة على السفر التي أدخلتها السلطات التونسية بذريعة الأمن"، بأنها تتم بأسلوب تعسفي وتمييزي ينتهك الحقوق الأساسية للإنسان.
وبحسب التقرير الذي جاءت نسخته العربية في 28 صفحة، فإنه بداية من العام 2013 وضعت وزارة الداخلية التونسية قيوداً على حركة 30 ألف شخص في إطار ما اعتبرته المنظمة الدولية التي تتخذ من لندن مقراً لها "إجراءات سرية لمراقبة الحدود" تُعرف اختصاراً بـ S17، وهي الإجراءات التي لا يمكن للعموم الاطلاع عليها، وتفتقر إلى الإشراف القضائي الكامل.
وفي العام 2013 فرضت السلطات التونسية إجراءات S17 كجزء من خطة الدولة لمكافحة "الإرهاب"، زاعمةً أنها تهدف إلى منع الأفراد المشتبه بانتمائهم للجماعات الجهادية من الانضمام إلى الجماعات المسلحة في الخارج، مثل داعش في سوريا، كما تهدف إلى مراقبة تحركات أولئك الذين عادوا من مناطق النزاع.
التقرير الذي صدر يوم 24 أكتوبر بعنوان "حتى مرة ما يقولولي علاش": القيود التعسفية المفروضة على حرية التنقل في تونس"، وصف بالتفصيل حالات ما لا يقل عن 60 شخصاً مُنع من السفر إلى الخارج أو تم تقييد حركتهم داخل تونس بين عامي 2014 و2018، بشكل تعتبره العفو الدولية غير قانوني.
وذكر التقرير تفاصيل ما تعتبره المنظمة "تأثيراً مدمراً لهذه الإجراءات على الحياة اليومية للمتضررين" الذين لم يتمكن الكثير منهم من العمل أو الدراسة أو من العيش حياة عائلية طبيعية نتيجة تقييد حريتهم في السفر.
ويصف التقرير كيف استهدفت إجراءات S17 الأشخاص بسبب معتقداتهم الدينية أو مظهرهم، على غرار الرجال الملتحين والنساء المنتقبات، أو لأن أولئك الأشخاص لديهم قناعات سابقة تتعلق بأنشطة الجماعات الإسلامية المحظورة سابقاً، واعتبرت المنظمة الدولية أنه في جميع الحالات، فرضت هذه التدابير دون تقديم دليل يربط بين المتأثرين بأي نشاط إجرامي أو جماعات مسلحة ودون إذن قضائي.
ويعتبر التقرير كذلك أن إجراءات مراقبة الحدود التي تطلبها تونس حالياً تقيد حق الأفراد في حرية التنقل، وليس لها أساس في القانون ولا يمكن تبريرها على أنها ضرورية، كما أنها تنتهك التزامات تونس الدولية إزاء حقوق الإنسان ودستور البلاد، بحسب ما ذكره التقرير.
وتقول العفو الدولية إن الأبحاث التي أجرتها تثبت أنه في 37 حالة على الأقل منذ 2016، تم تطبيق هذه القيود بشكل تعسفي ضد الأفراد المسافرين بين المدن داخل تونس، كما مُنع 23 شخصاً على الأقل من مغادرة البلاد دون مبرر.
كما يتم فرض الإجراء S17 في تونس من دون إذن أو إشراف قضائي، وترفض الدولة الإفصاح بشكل واضح عن معايير إصدار S17 ولا يعطى الشخص الذي منع من السفر بمقتضى الإجراء إخطاراً كتابياً أو تبريراً لذلك، وهذا ما يعني أنه في كثير من الأحيان لا يستطيع المتضررون الطعن في هذه القيود أمام المحكمة أو اللجوء إلى العدالة، والحصول على التعويضات جراء ما تقول العفو الدولية إنها انتهاكات تعرضوا لها.
إجراءات تعسفية وتمييزية
ونقل التقرير عن شخص يدعى مهدي، وهو مدرس علوم كمبيوتر وصحافي من تونس يبلغ من العمر 29 عاماً، تأكيده أنه تعرض أكثر من مرة للمضايقة والتحقيق من قبل الشرطة بعد إخضاعه للإجراء S17، واصفاً تجربته بالكابوس، مضيفاً "كانوا يسألونني نفس الأسئلة في كل مرة، هل تصلي؟ هل تذهب إلى المسجد؟ هل تستمع للشيوخ على شاشة التلفزيون؟ بل إنهم أخذوا مني عينة من الحمض النووي دون أن يشرحوا لي لأي غرض أخذوها".
أما محمد قرفال، وهو صاحب شركة صغيرة من بن قردان، وهي بلدة تقع في أقصى الجنوب بالقرب من الحدود التونسية مع ليبيا، فيقول التقرير إنه فقد مصدر دخله الوحيد بعد أن خضع لقيود الإجراء S17 التي منعته من السفر إلى ليبيا لشراء السلع.
ونقل التقرير عن نجم الدين، وهو صياد سمك، قوله للمنظمة إن حركته أصبحت مقيدة بشكل تعسفي بعدما سافر رجل كان يعمل معه إلى سوريا، للانضمام إلى داعش.
ووصف لطفي، وهو من أهالي القصرين، وسط البلاد، كيف الإجراء S17 منعه من السفر إلى فرنسا للقيام برعاية أمه المريضة، بعدما احتجزته شرطة الحدود التونسية في المطار ساعتين قبل إبلاغه بأنه لا يستطيع السفر، وأضاف "لقد رفضوا السماح لي بالسفر دون إعطائي أي تفسير أو فرصة لفهم ما استند إليه القرار. هذا ظلم."
"كانوا يسألونني نفس الأسئلة في كل مرة، هل تصلي؟ هل تذهب إلى المسجد؟ هل تستمع للشيوخ على شاشة التلفزيون؟ بل إنهم أخذوا مني عينة من الحمض النووي دون أن يشرحوا لي لأي غرض أخذوها".
يصف تقرير منظمة العفو الدولية كيف استهدفت إجراءات S17 الأشخاص بسبب معتقداتهم الدينية أو مظهرهم، على غرار الرجال الملتحين والنساء المنتقبات.
ارفعوا القيود المفروضة على السفر
وعلقت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية على التقرير، قائلة "لا شك في أن وقف الهجمات المسلحة ضد المدنيين في الداخل والخارج يجب أن يكون من الأولويات بالنسبة للسلطات التونسية، لكن إعطاء الشرطة حرية فرض قيود شاملة وغير قانونية على سفر مئات الأشخاص بعيداً عن أعين القضاء هو إجراء مضلل، وليس حلاً للتهديدات الأمنية في تونس."
وأضافت: "يجب على الحكومة التونسية التأكد من رفع جميع القيود المفروضة على السفر التعسفي، أي إجراءات تقيد حرية التنقل يجب أن تعتمد على أساس قانوني واضح، وتكون ضرورية ومدروسة، تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين التونسية".
وتؤكد المنظمة في تقريرها أن الحق في حرية التنقل منصوص عليه في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تُلزم تونس قانوناً. كما يضمن الدستور التونسي حقوق المواطنين في حرية التنقل في المادة 24؛ وينص على أن أي قيود على حقوق الإنسان يجب أن تستند إلى القانون، ويجب فرضها بطريقة مدروسة لا تنتهك حقوق المواطنين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com