في معرض إجابته عن سؤال "إذا كانت هذه نهاية الدولة الفلسطينية فماذا تريد أن تفعل بالفلسطينيين في الضفة الغربية؟"، صرّح وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش بالقول: "عليكم أن تقرؤوا خطّتي التي أعلنت عنها في العام 2017، فالمستقبل الذي أقدّمه للعرب في الضفة الغربية أفضل بكثير مما يعيشه أيّ عربي في الدول العربية، سوف أقدّم لهم حمايةً وحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية الدين وحرية حماية الممتلكات، كما أقدّم لهم الحق في التصويت الديمقراطي لحكومتهم المحلية (البلدية)، وهذا يفوق ما قد يحصلون عليه في أي مكان آخر، وهنا لنكن منصفين، إذا أقيمت الدولة الفلسطينية ستكون ديكتاتوريةً بلا حقوق إنسان وبلا حرية وبلا ديمقراطية، ولكن نحن سوف نمنحهم مستقبلاً اقتصادياً ومدنياً مليئاً بالحقوق الديمقراطية والمدنية، هناك شيء واحد لا نقدّمه لهم، دول تحاول تدميرنا، الدولة الوحيدة للشعب اليهودي هي الأكثر أخلاقيةً وأكثر ديمقراطيةً من أيّ حلّ زائف ومنافق آخر".
ويدّعي سموتريتش، أنّ خطة الحسم التي طرحها في العام 2017، والتي سمّاها "أمل واحد"، تقدم حلّاً شاملاً، مصحوباً بإيمان حقيقي بـ"إله إسرائيل"، وبـ"عدالة قضية اليهود وانتماء الشعب اليهودي الحصري إلى أرض إسرائيل". وبحسب ما يقول، للخطّة ثلاث ركائز أساسية تتمثل في تكثيف الاستيطان والضم عبر توسيع المستوطنات وفرض سيطرة إسرائيل بالكامل على الضفة الغربية وتقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية، ومحاصرة الفلسطينيين والتضييق عليهم ودفعهم للمغادرة من خلال الضغوط الاقتصادية والحياتية والأمنية، وفرض الاستسلام على الفلسطينيين بمعنى القبول بالاحتلال كمقيمين من دون أيّ حقوق سياسية، أو مغادرة البلاد.
وفقاً للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، فإنّ إسرائيل قامت بخطوة أولى نحو تغيير الواقع القائم في الضفة الغربية منذ العام 1967، من خلال نقل صلاحيات إدارة شؤون المستوطنين اليهود في الضفة الغربية من الإدارة المدنية إلى وحدة جديدة تابعة لوزارة الدفاع، في مقابل ذلك سوف تستمر الإدارة المدنية في إدارة الشؤون الفلسطينية في الضفة تحت قيادة المنطقة العسكرية الوسطى، وهو ما "انعكس إيجابياً في الكثير من مجالات البناء وتطوير البنية التحتية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة".
حكم خدماتي بلا أفق سياسي
يقول نزار نزال، الباحث في قضايا الصراع، لرصيف22: "تصريحات الوزير سموتريتش هي تصريحات جدّية، وهذا الموضوع يتم العمل عليه منذ فترة طويلة. ما يريد سموتريتش تنفيذه، هو نظام حكم محلي local government، أي خلق قيادات محلية ليس بالضرورة أن تكون بلديات أو عشائر، فهو أقل من حكم ذاتي، وهذه النماذج للحكم موجودة في العالم. حكم بلا نظام سياسي أو عنوان سياسي، أي حكم له علاقة بالخدمات لا أكثر ولا أقل".
يدّعي وزير المالية اليميني المتطرف سموتريتش أن المستقبل الذي يقدّمه للفلسطينيين فيما يسميه "خطة الحسم" والتي تعني ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل "أفضل بكثير مما يعيشه أيّ عربي في الدول العربية"، وأنه يشمل الحمايةً وحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية الدين وحرية حماية الممتلكات، لكن بشرط أن تقتير على الحقوق المدنية بدون أفق سياسي
ويضيف: "هذا النموذج سيتم تطبيقه بدايةً في جنوب الضفة الغربية في بيت لحم والخليل، وبعد ذلك سيتم نقله إلى باقي مناطق الضفة الغربية، وسيتم تقليص دور السلطة بشكل كبير وإنهاء وجودها بحصرها حتى الموت، وهذا هو المشروع الإسرائيلي الذي عُرف بخطة الحسم، والتي طرحت في العام 2017 وتمت المصادقة عليها في اتفاق الائتلاف الحكومي في العام 2022، بين سموتريتش وبن غفير ونتنياهو".
من جانبٍ آخر، يرى الباحث في العلوم السياسية في جامعة "ميريلاند" الأمريكية، الدكتور ثائر أبو راس، في حديثه إلى رصيف22، أنّ مسألة ضمّ الضفة الغربية كانت دائماً نقطةً محوريةً في أجندة اليمين، سواء لأسباب دينية أو أيديولوجية، كونها مركز "الأرض الموعودة"، أو لأسباب أمنية إستراتيجية، إذ إنّ الضفة الغربية منطقة تلال وجبال، وتشرف على كل منطقة الساحل التي تشكّل مركز الثقل الاقتصادي لإسرائيل. فالحديث عن الضم ليس أمراً جديداً، خاصةً بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبعد عودة دونالد ترامب إلى السلطة في البيت الأبيض، حيث يسود شعور لدى اليمين بأنّه بإمكان إسرائيل أن تتقدّم رويداً رويداً في هذا المشروع. وخطة سموتريتش تنهي الدولة الفلسطينية، لكنّ الاستيطان موجود ويزداد منذ ما قبل مجيء سموتريتش وحتى في ظلّ حكومات اليسار والوسط، غير أنّ محاولة الضم هي التي من الممكن أن تُحدث تحوّلاً جذرياً وجوهرياً على أرض الواقع في مستقبل الصراع.
إدارة أمريكية متماهية مع مشاريع الضمّ
ويضيف: "الموقف الأمريكي لإدارة ترامب يتماهى تماماً مع موقف الحكومة الإسرائيلية، فبعض أقطاب هذه الإدارة صهاينة فعلاً، إذ يوجد في الحزب الجمهوري تيار يدعو إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية. ومع أحداث الحرب، هناك من يحاول تقريب وجهات النظر بين اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي حول هذا الموضوع، ولكن اليمين الأمريكي بدأ يدعم سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية ويدعم فكرة الضمّ بشكل واضح.
تسعى إسرائيل لخلق نموذج حكم محلي للفلسطينيين يقتصر على الخدمات وأقرب إلى البلديات، بهدف تحويلهم إلى مجرد "سكان" يخضعون لإدارة مدنية بلا تمثيل سياسي، ما يعني إنهاء أي أمل في السيادة أو تقرير المصير.
فاليوم نرى هذه الشخصيات الأمريكية من الصف الأول تقوم بجولات وزيارات إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتطلق التصريحات بأنّ الضفة الغربية (يهودا والسامرة) تمثّل الوعد التوراتي وهي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، إذ قام مايك جونسون، رئيس مجلس النواب، والسفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هكابي، بزيارة المستوطنات في الضفة الغربية (أرئيل وشيلو). وهذا يعني أنّ هناك تغيّرات حقيقيةً وجوهريةً في الموقف الأمريكي، ولا يقتصر الأمر على موقف الرئيس ترامب شخصياً".
نظام فصل عنصري بجدول زمني
وفقاً لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسيلم"، فقد خلقت إسرائيل في الأراضي المحتلة نظام فصل عنصرياً، وأقامت جهازين قضائيين منفصلين: واحد للمستوطنين وآخر للفلسطينيين، يتم تحديد الحقوق وفقاً للانتماء القومي، وهو شبيه بنظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي ساد في جنوب إفريقيا.
عن هذا يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، منير نسيبة، في حديثه إلى رصيف22: "الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفة الغربية منذ عقود هو فصل عنصري، ويزداد بشاعةً مع مرور السنين، وفي حال تنفيذ الضمّ فإنّ الفصل العنصري سوف يظهر بطرق جديدة وتجليات عديدة. وقد اعترفت محكمة العدل الدولية في الرأي الاستشاري في العام 2024، بأنّ الاحتلال الإسرائيلي ينتهك التزاماته، وتالياً هو يمارس الفصل العنصري باعتراف محكمة العدل الدولية".
ويرى نسيبة أنّ شكل النظام الذي سوف تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين بعد ضمّ الضفة الغربية ليس واضحاً تماماً حتى اللحظة، ولكن يعتمد على شكل وطبيعة الضمّ: فهل سيكون ضمّاً كاملاً للضفة الغربية أو ضمّاً للمناطق المصنّفة (ج) فقط بعد تهجير سكانها منها؟ ولكن تصريحات سموتريتش، تعبّر عن ضمّ كامل، وهذا ما يسعى إلى تنفيذه، وإلغاء السلطة الفلسطينية ووجودها ككيان سياسي قائم، والعمل على إدارة الضفة الغربية على شكل بلديات، بحيث يكون للفلسطيني حق التصويت داخل البلدية، ولكن في الوقت نفسه لا توجد حقوق سياسية له أو حقوق أخرى. هذا ما يبدو من خلال تصريحات سموتريتش.
ويضيف: "القانون الدولي لا يمنح الاحتلال الحق في بسط السيادة على الأراضي المحتلة، وهو بطبيعته مؤقت، وهذا ما أوضحته محكمة العدل الدولية بأنّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة مخالف للقانون الدولي ويجب أن ينتهي فوراً، وأيّ إجراء إضافي من أجل تعزيز ومحاولة ديمومة هذا الاحتلال أو الضمّ مخالفة للقانون الدولي جملةً وتفصيلاً".
انتهاك مرتاح للقانون الدولي
يشكّل الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة جريمةً وتمرّداً على إرادة المجتمع الدولي، وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، ولا سيّما لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، إذ أكدت المادة رقم (49) على أنّه: "يُحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي دولة أخرى أياً كانت دواعيه وأسبابه، ولا يجوز لدولة الاحتلال أن تنقل جزءاً من سكانها المدنيين وتقوم بتوطينهم في الأراضي المحتلة".
كما يُعدّ ذلك انتهاكاً للقاعدة رقم (130)، من قواعد الدراسة الخاصة بالصليب الأحمر الدولي للقانون الدولي الإنساني العرفي، والتي تنصّ على أن "لا تقوم الدول بترحيل أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى أراضٍ تحتلها".
مع عودة ترامب وصعود اليمين في واشنطن، تتلقى مشاريع الضم دعماً سياسياً واضحاً من شخصيات أمريكية مؤثرة تزور المستوطنات وتؤكد "حق إسرائيل" في الضفة الغربية، ما يمنح المشروع الإسرائيلي شرعية خارجية تسرّع تنفيذه رغم معارضات القانون الدولي
ويمثّل أيضاً انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيّما اتفاقية روما لعام 1998، التي تشكّل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إذ نصّت المادة رقم (8) على أنّ "قيام دولة الاحتلال بإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، ونقل جزء من سكانها المدنيين بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أراضٍ تحتلها، أو إبعاد أو نقل سكان الأرض المحتلة داخل الأرض أو خارجها، يُعدّ جريمة حرب".
هل من مستقبل لحلّ الدولتين؟
تشكّل هذه التصريحات من الوزير سموتريتش، تجلّياً لرفض إسرائيل أيّ مسار سياسي مستقبلي يفضي إلى حلّ الدولتين، وبذلك تدقّ المسمار الأخير في نعش حلّ الدولتين الذي عمل الفلسطينيون على تبنيه لعقود طويلة، برعاية العالم.
يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش، في حديثه إلى رصيف22: "لا توجد خيارات أخرى، فحلّ الدولتين صيغة لإنهاء الاحتلال، والفلسطينيون لم يخترعوا هذا الحلّ، بل اخترعه الإسرائيليون عندما شعروا بأنهم قريبون من حلّ الدولة ثنائية القومية.
بدأت إسرائيل بالفعل خطوات ضم الضفة الغربية عبر نقل صلاحيات المستوطنين إلى وزارة الدفاع، ما يخلق بنية تحتية قانونية وإدارية تدمج المستوطنات في الدولة الإسرائيلية تدريجياً.
وما زال الموضوع يشكّل هاجساً لديهم، بين من يريد الانفصال عن الفلسطيني دون أرضه أو الانفصال عنه مع أرضه، والفئة الأخيرة تتضاءل ويتضاءل تأثيرها بين اليهود. ومن زاوية أخرى، يحاول الإسرائيلي التفكير في حلول أخرى مثل إزاحة شعب بأكمله عن أرضه، وهذا يسبب صداعاً للمجتمع الدولي، وانكشافاً إسرائيلياً، والسكوت عنه قد يكون ذا كلفة أخلاقية وضميرية لدى المجتمعات الغربية لا الحكومات".
ويضيف: "ولذلك نشهد اليوم تأييداً ودعماً لفكرة حلّ الدولتين، خاصةً من الدول الأوروبية، من خلال استعداد تلك الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ العبث الإسرائيلي بالجغرافيا الفلسطينية لا يمكنه أن يغيّر الحقائق على الأرض ولا في الوعي، لأنّ إقامة الدولة الفلسطينية واعتراف الدول بها يسحبان أيّ شرعية أُعطيت للاستيطان. يمكن إيجاد حلول لوجود مليون مستوطن في القدس والضفة من خلال إنشاء مدينة لهم داخل حدود العام 1948، مع مؤشرات على تراجع الحوافز والدوافع الاستيطانية وتراجع عدد المستوطنين، أي أزمة في المشروع الاستيطاني برمّته".
في ظلّ تلك المواقف والتحولات، يجب أن يكون هناك موقف عربي حاسم نحو الإصرار على حل الدولتين، ودعم الموقف الفلسطيني، ومواجهة كل المخططات الإسرائيلية الرامية إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتصفية قضيته، وتحويل الفلسطينيين إلى رعايا في أرضهم ووطنهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.