شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الأصول اللبنانية حاضرة بقوة في البرازيل... لبناني قد يخلف لبنانياً لرئاسة البلاد

الأصول اللبنانية حاضرة بقوة في البرازيل... لبناني قد يخلف لبنانياً لرئاسة البلاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 12 سبتمبر 201806:41 م
فرناندو حداد. اسم جديد يظهر بين أسماء كثيرة لمتحدرين من أصل لبناني لعبوا ويلعبون دوراً في العمليّة السياسية في الدول التي لجأ إليها آباؤهم وأجدادهم في ما مضى، وتحديداً في أمريكا الجنوبيّة. بعد إصرار حزب العمال البرازيلي على ترشيح الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا (72 عاماً) للمشاركة في سباق الانتخابات الرئاسية المقرّرة الشهر المقبل، لم تجرِ الأمور كما ينبغي. قبل أسبوعين، أكدت المحكمة العليا في البرازيل استحالة ترشح لولا بسبب إدانته بتهم فساد يقضي بسببها حكماً بالسجن لمدة 12 عاماً. حزب العمال كان قد انتظر إلى آخر الفترة المسموحة لتقديم مرشحه للانتخابات، إذ أمهلته المحكمة الانتخابية العليا حتى الحادي عشر من سبتمبر لإعلان مرشح بديل عن لولا، ولم يجد أمامه سوى ترشيح حداد الذي كان قد تمّ التداول باسمه منذ مدة باعتباره "الخطة ب". وبعد إعلان ترشيحه على مسافة غير بعيدة من مركز الشرطة حيث يقضي لولا فترة حكمه، أصبح رئيس بلدية ساو باولو ووزير التعليم السابق (55 عاماً) المرشح الأوفر حظاً لرئاسة البرازيل خلفاً للرئيس اللبناني الأصل كذلك ميشال تامر.

"الرفيق حداد هو الأنسب"

لم يكن حداد معروفاً لكثيرين خارج مدينة ساو باولو، المدينة الأكثر ازدحاماً في البرازيل. لكن في المدينة، التي تولى رئاستها بين عامي 2013 و 2017، كان قد واجه تظاهرات حاشدة ضد ارتفاع أجرة الحافلات، رغم أنه عُرف كذلك بحلوله المبتكرة لمعالجة أزمة النقل والنفايات في مدينته. وكان حزب العمال قد تخوّف بسبب تحقيق حداد لأداء ضعيف في استطلاعات الرأي حتى الآن، لكن يأمل الحزب (بعد استبعاد ترشيح لولا) أن يحوّل الناس الذين كانوا يخططون للتصويت لصالح لولا (حاز وهو في سجنه على 40 في المئة من تصويت المواطنين الذين خضعوا للاستطلاع) أصواتهم إلى حداد. يُذكر هنا أن لولا، الآتي من عائلة فقيرة انتقلت من شمال شرق البرازيل إلى ساو باولو، لم يتعلّم القراءة والكتابة حتى عمر العاشرة، بينما بدأ العمل في مصنع سيارات في الرابعة عشر من عمره. سريعاً ظهرت شخصيته القيادية، وقد أصبح رئيس اتحاد عمال المعادن ثم مؤسساً لحزب العمال. شهدت البلاد أطول فترة نمو وخرج الملايين من دائرة الفقر في عهده، الذي امتدّ لثلاث عقود، وقد خلفته في الرئاسة "رفيقته" ديلما روسيف، التي لقيت دعماً كبيراً منه، قبل أن تُزاح لاحقاً بتهم فساد، وصفتها (التهم) بـ"الانقلاب القانوني" الذي أوصل ميشال تامر. [caption id="attachment_162724" align="alignnone" width="1024"] لولا وحداد في تظاهرة مطلع العام الحالي[/caption] وإمعاناً في دعم حداد، كتب لولا رسالة من زنزانته مخاطباً أنصاره الذين يخيّمون خارج السجن مطالبين بإطلاق سراحه، مؤكداً أن "الرفيق حداد هو أنسب من يواصل المهمة ويخوض الانتخابات".
بعد إعلان ترشيحه على مسافة غير بعيدة من مركز الشرطة حيث يقضي لولا فترة حكمه، أصبح رئيس بلدية ساو باولو ووزير التعليم السابق (55 عاماً) المرشح الأوفر حظاً لرئاسة البرازيل خلفاً للرئيس اللبناني الأصل كذلك ميشال تامر
هناك في البرازيل، ثمة لبناني "مبدئي" يستعد لخلافة لبناني متهم بالفساد. هناك، على بعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن لبنان الغارق في كل أشكال غياب المؤسسات وانعدام الحراك السياسي خارج دوائر المسؤولين المباشرين عن هذا الغياب
تلا حداد خطاب لولا وفيه "إذا أرادوا إسكاتنا وإحباط مشروعنا لهذه البلاد، فهم مخطئون" (ملمحاً كذلك للمؤسسة العسكرية التي تدخلت للضغط ضد ترشيح لولا)، مضيفاً "أدعو، من أعماق قلبي، كل الذين أرادوا التصويت لي، أن يصوتوا للرفيق حداد". بعد تلاوته الخطاب، قال حداد "تشعرون بالألم الذي أشعر به، لكن هذا ليس الوقت المناسب لنتوقف عن العمل"، واعداً بأن يعيد "جواز السفر البرازيلي إلى الوقت الذي كان فيه جوازاً مرموقاً في العالم".   وأمام هذه المستجدات، "يجد ابن المهاجرين المحمّل بالشهادات العليا في الاقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة، الوفيّ لمعلمه لكن الطموح في آن، نفسه أمام تحد كبير… هو لا يملك صوت معلمه الأجش ولا مهاراته الخطابيّة - إذ يجد نفسه مرتاحاً في الاجتماعات المغلقة أكثر منه في اللقاءات الجماهيريّة - لكنه يواجه اختبار استعادة الرصيد السياسي الذي تركه لولا وراءه لإنجاح حزبه اليساري في انتخابات أكتوبر"، حسب ما كتبت مرسلة "لوموند" في البرازيل كلير غاتينوا.

مباركة لولا... الثقيلة

كان حداد، حسب استطلاعات الرأي، متراجعاً بشكل لافت عن مرشح اليمين الضابط السابق جايير بولسونارو، الذي كان تعرّض للطعن وأصيب إصابة بالغة جعلت ولديه يتوليان حملته الانتخابية عوضاً عنه.
يعطي حداد الأولوية للتعليم والتنمية المستدامة، كما يركز على ضرورة تعزيز الاندماج المناطقي وضمنها توسيع تغطية الإنترنت في الأرياف. يشير إلى الحفاظ على ديمقراطية الإعلام ودعم الحركات الاجتماعية، وكل ذلك في مجال تعزيز السياسات التقدمية التي استمدّ منها حزب العمال شعبيته في السنوات الماضية
ولكن بعد ربط الترشيح بمباركة لولا، ازدادت حظوظ حداد. ويقول الباحث السياسي البرازيلي ألبرتو آلميدا، صاحب كتاب "تصويت البرازيليين"، إن لحداد حظوظاً كبيرة بالنجاح في الدورة الأولى في السابع من أكتوبر المقبل، والتأهل للدورة النهائية بعد ثلاث أسابيع. لم يرَِ المراقبون في حداد أي كاريزما تجعله قريباً من البرازيليين ولو بنسبة قليلة من القرب الذي بلغه لولا -  أو حتى روسيف - ولكن مباركة الأخير لحداد يرون أنها قد تؤتي ثمارها.  وبالعودة إلى ما كتبته غاتينوا من البرازيل فقد يكون لهذه المباركة التي منحها لولا لها "وزن مضاعف" على حداد، فعليه أن يكون "رجل الظلّ، أو بديل الرئيس الفعلي القابع في السجن… ومع ذلك عليه أن يُظهر وجهه، الوجه الذي ما زال يربطه البرازيليون بأيام مبادرته، حين كان وزير تعليم بين 2005 و2012، لتعزيز التسامح مع المثلية الجنسية في المدارس عبر توزيع منشور توعوي على الطلاب". لم تبصر تلك المبادرة النور وسط اتهامات اليمين، وعلى رأسهم المنافس الحالي بولسورانو، لحداد بضياع الطلاب.  

حداد في وجه تامر

أمر آخر يذكره البرازيليون بشأن حداد. حين وقعت التظاهرات في ساو باولو، واجه مرشح حزب العمال، رئيس بلدية المدينة آنذاك، انتقادات بسبب سوء تعامله مع الأزمة، إذ لم يعرف كيفية تجنبها ولا التعامل معها حين وقعت. لم يُربط ذلك بسوء نية لديه، بل بكونه "يريد أن يعيش في الواقع ما قرأه في الكتب"، حسب ما كتبت صحيفة محلية معلقة "إن كان الأمر كذلك، فكيف له أن يحاور متظاهرين غاضبين؟". وعن حداد قال الاقتصادي صمويل بيسوا، وهو صديق قديم له، إن "فرناندو شخص مبدئي وصاحب قيم، لكنه يفتقر للنقد الذاتي، مثله مثل حزب العمال، وهذا ما يثير القلق". في المقابل، يبدو اليمين الحاد والمتطرف في مرحلة صعود، مستفيداً من الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها البرازيليون لتعميق بعدهم عن اليسار، في وقت يرى الأخير أن هذه الأزمة مردها إلى الانقلاب  الذي أطاح في صيف 2016 بروسيف وأدخل لولا السجن، موصلاً تامر إلى الرئاسة "كي يُعيدوا البرازيل إلى زمن الإقطاع والتحكم". [caption id="attachment_162727" align="alignnone" width="1000"] الرئيس الحالي ميشال تامر[/caption] وفي وقت تخوض البرازيل أكبر التحقيقات ضد الفساد في تاريخها، لاحقت تامر تهم فساد وقبول رشى عديدة كادت تهدد منصبه. وتامر، الذي لا يتمتع بشعبية كبيرة وهو رئيس حزب يمين الوسط "الحركة الديمقراطية"، هو أول رئيس برازيلي يواجه اتهامات جنائية وهو في منصبه.   في العام الماضي، أنقذه تصويت الكونغرس من العزل، لكن الشرطة الاتحادية البرازيلية أوصت قبل أيام النيابة العامة بتوجيه تهم فساد جديدة إلى تامر، وجاء في الوثائق التي قدمتها الشرطة اتهامه بتلقي الرشاوى وتبييض الأموال، وتحديداً في قضية تلقيه تمويلاً بحجم 2.41 مليون دولار بصورة غير شرعية من شركة "أوديبريخت" للبناء في عام 2014، عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الدولة.

ماذا عن مشروع حداد الانتخابي؟

في البرنامج الانتخابي الذي طرحه، يعطي حداد الأولوية للتعليم والتنمية المستدامة، كما يركز على ضرورة تعزيز الاندماج المناطقي وضمنها توسيع تغطية الإنترنت في الأرياف. يشير إلى الحفاظ على ديمقراطية الإعلام ودعم الحركات الاجتماعية، وكل ذلك في مجال تعزيز السياسات التقدمية التي استمدّ منها حزب العمال شعبيته في السنوات الماضية.  وفي ما يخص السياسات الخارجية، لا تظهر مواقف حداد شديدة الوضوح حتى الآن، ولكنها تتبع كما يبدو مواقف "معلمه" وحزبه، الذي حافظ على علاقات جيدة مع أمريكا من دون أن يعادي إيران، والذي وصفه باراك أوباما بـ"الرجل" بينما كان يعارض العقوبات على طهران. وخلال فترة حكمه، حافظ لولا على سياسة خارجية براغماتية تعتمد على التفاوض أكثر من الأيديولوجيا، حيث ارتبط بصداقة قريبة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش والفنزويلي هوغو تشافيز في الوقت عينه. هدف إلى حصول بلاده على مقعد دائم في مجلس الأمن، وسعى لتوطيد علاقاته بمنطقة الشرق الأوسط ساعياً لدور أكبر في عملية السلام، وظهر ذلك مثالاً في قمة الدول العربية وأمريكا الجنوبية عام 2005. كما ندّد مراراً بالعدوان الإسرائيلي فيما دعم القضية الفلسطينية واعترف بدولة فلسطين متحدياً كل الضغوط. يقترب موعد الانتخابات الرئاسية هناك في البرازيل حيث يوجد لبنانيون من الجيل الأول والثاني أكثر مما يوجد في لبنان. هناك، ثمة لبناني "مبدئي" (بحظوظ مرتفعة أو متوسطة) يستعد لخلافة لبناني متهم بالفساد. هناك في البرازيل، على بعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن لبنان الغارق في كل أشكال غياب المؤسسات وانعدام الحراك السياسي خارج دوائر المسؤولين المباشرين عن هذا الغياب.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image