رئيس "بلطجي" ووزير "قليل الأدب ووضيع"... موسم الانتخابات اللبنانية يكشف تهلهل السلطة
الاثنين 29 يناير 201803:52 م
"لا كيمياء بين الرجلين". هذه الجملة تطلّ برأسها بين الفينة والفينة، تفسيراً لكل خلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، أو بين الموكّلين بتمثيلهما في القضايا السياسية اللبنانية.
ضربات كثيرة "تحت الحزام" يوجهها سياسيو الطرفين أحدهما للآخر في المناسبات شبه المغلقة. وما يُقال علناً لا يقلّ عن ذلك، ولكن يختلف عنه في أنه منمّق أكثر ويستحضر تعابير سياسية من معجم ما فوق الحزام، كدستور وقوانين وحقوق وصحة تمثيل.
استيقظ اللبنانيون على اكتشاف بعض ألوان الضرب "تحت الحزام"، مع انتشار فيديو قصير لوزير الخارجية جبران باسيل، الرجل الثاني في التيار الوطني الحر، يصف فيه، أمام جمع من الناس في قاعة كنيسة في البترون، بري بـ"البلطجي"، وأُتبع بتسجيل أطول يُظهر توعّده، في نفس المناسبة بـ"تكسير رأس" الرئيس الثاني.
يأتي الفيديو في سياق خلاف الطرفين حول طروحات باسيل حول المغتربين وجولاته بينهم وخططه لإجراء تعديلات في وزارة الخارجية تمس بنفوذ حركة أمل فيها، وبسبب مؤتمر الطاقة الاغترابية المنوي عقده في بداية فبراير في أبيدجان، والذي تعمل حركة أمل الحاضرة بقوّة بين المغتربين في إفريقيا على إفشاله.
وما لبث وزير المال علي حسن خليل، الرجل الثاني في حركة أمل، أن ردّ على باسيل بعنف في تغريدة وصفه فيها بأنه "قليل الأدب ووضيع" ووصف خطابه بـ"خطاب الانحطاط ونعيق الطائفيين أقزام السياسة"، وأتبعها بتغريدة ثانية قال فيها: "مع المس بـ(الرئيس بري) سقطت كل الحدود... ولنا بعد الآن كلام آخر".
سجالات "انتخابية"
كثيرة هي السجالات التي اندلعت بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل في الأسابيع الماضية. "مؤتمر الطاقة الاغترابية" ليس سوى حلقة في سلسلة من حلقات كثيرة تتضمّن أزمة "مرسوم الأقدمية لضباط العام 1994"، واقتراح باسيل تمديد مهلة تسجيل اللبنانيين المغتربين الراغبين في الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة، والسجال حول تفسير المادة 95 من الدستور. يأتي التصعيد "العوني"، في أحد أوجه أسبابه، في سياق بدء تحضيرات التيار لرصّ صفوف ناخبيه، ما يقتضي، وفق تقاليد السياسة اللبنانية، إثارة أزمات "طائفية" تُعيد تقديم القوى السياسية-الطائفية أمام جمهورها كقوى منفردة، لا كقوى سلطة، وهو ما ينجح عادةً ويساعد في حصر كل صراع انتخابي بين قوى السلطة.تصعيد "عوني" ضد بري... التقاليد السياسة اللبنانية تقتضي إثارة أزمات "طائفية" تُعيد تقديم القوى السياسية-الطائفية أمام جمهورها كقوى منفردة، لا كقوى سلطة
العونيون يُطلقون سجالات "ديجافو"، تُظهر عدم كفاية فهمهم للروابط بين التقاليد والتوازنات التي أرستها حروب ومعاركواعتاد العونيون قبيل كل انتخابات على ممارسة هذا التكتيك، وأبرز الأمثلة الماضية تذكير المسيحيين بأن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط سرق أجراس كنائس ووضعها في دارته، خلال الحرب الأهلية، غير آبهين بتأثيرات مثل هذا الخطاب على المصالحة الدرزية المسيحية في جبل لبنان الجنوبي. ويأتي اختيار حركة أمل بالتحديد لأنها الخصم الأضعف في هذه المرحلة، بحسب حسابات العونيين الحريصين على الابتعاد عن أية معركة مع حزب الله، ستكون مكلفة جداً لهم سياسياً وانتخابياً، ولأنها الخصم الذي يخشى "العونيون" أن ينتزع منهم مقاعد نيابية مسيحية في دائرة صيدا-جزين، ويؤثر على نتائجهم في دائرة بعبدا بسبب تحالفه الثابت مع حزب الله، ويسحب نائب جبيل عن المقعد الشيعي منهم في دائرة كسروان وجبيل، إضافة إلى تأثيرات أخرى في البقاع.
مجيء العونيين "متأخرين"
أسلوب شد العصب الطائفي قبيل كل انتخابات نيابية ليس أسلوباً يحتكره "العونيون"، بل هو "تكتيك" عام لكل قوى السلطة، ولكن في بعض جوانب ما يثيرونه يظهر تأثير حداثة عهدهم بالسياسة اللبنانية. فـ"العونيون" الذين وصلوا متأخرين إلى قطار قوى السلطة في لبنان، سرعان ما طوّعهم منطق السلطة وانتزع منهم شعارات "الإصلاح والتغيير" ليتشرّبوا مفاهيم السياسة التقليدية التي بُنيت على مدار عقود من الزمن. ولكنهم، في ممارستهم لهذه المفاهيم التقليدية، يُطلقون سجالات "ديجافو"، تُظهر عدم كفاية فهمهم للروابط بين التقاليد والتوازنات التي أرستها حروب ومعارك، أو على الأقل عدم فهمهم لخلفيات هذه التوازنات.ففي قضية "مرسوم الأقدمية لضباط العام 1994"، وأساسها اعتبار العونيين أن المرسوم لا يقتضي توقيع وزير المال بجانب توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة، أعادوا إحياء سجال مطالبة الشيعية بمنصب وزير المال لتكون للطائفة مشاركة مضمونة في القرارات الإجرائية والتنفيذية. وفي قضية المادة 95 من الدستور، أعادوا إحياء سجال سابق على توقيع اتفاق الطائف وما نتج عنه من تعديلات دستورية (1990)، مع اقتراح باسيل "إلغاء المذهبية السياسية" مع "المحافظة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين"، وهو ما رد عليه خليل بأنه تفسير "على طريقة المفتين الجدد" يعيد اللبنانيين "27 سنة إلى الوراء". لم ينتبه باسيل قبل طرحه إلى تاريخ طويل أفضى إلى مناصفة طائفية بين المسلمين والمسيحيين كبديل ليس عن "الدولة المدنية" بل عن المثالثة المذهبية بين شيعة وسنة ومسيحيين.ضربات كثيرة "تحت الحزام" يوجهها سياسيو التيار الوطني الحر وحركة أمل أحدهما للآخر في المناسبات شبه المغلقة، وقد استيقظ اللبنانيون على إحداها