"لأنهم يمتلكون أسلحة كيميائية" كانت هذه هي الحجة التي زعمت الولايات المتحدة الأمريكية أنها السبب الرئيس في غزوها العراق عام 2003، لكن كل يوم تظهر وثائق أو شهادات جديدة تؤكد أن قرار الغزو كانت له أسباب أخرى، وأن موضوع الأسلحة الكيميائية لم يكن حقيقياً. بيّنت شهادة نشرها موقع "ذا انترسبت" الأمريكي مؤخراً، أن أمر غزو العراق كان مسألة حياة أو موت بالنسبة للولايات المتحدة، وأنها في سبيل تنفيذه كانت مستعدة وقتها لفعل أي شيء، حتى لو كان تهديد مسؤول دولي بارز بالانتقام من أطفاله، لمجرد أنه قام بجهود دبلوماسية، كان من شأنها - لو تم دعمها - أن توقف الغزو الأمريكي على العراق.
حين هدّد بولتون خوسيه بستاني
منذ حوالي الأسبوعين، عيّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي بدلاً من هربرت ماكماستر. سبّب الأمر صدمة للبعض، نظراً لأن بولتون الذي يعد أحد صقور وزارة الدفاع يُعرف بمواقفه الداعية للحرب، كما يصفه الكثيرون بأنه مهندس الغزو على العراق، وأتى ما نشره "ذا انترسبت" ليضيف تفاصيل جديدة على السجل الأسود للرجل ذي الشارب الكث. وأكد الموقع الأمريكي أن بولتون، المسؤول السابق في إدارة بوش، هدد خوسيه بستاني، الدبلوماسي البرازيلي المتقاعد والرئيس السابق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بسبب جهوده التي قام بها بهدف وقف غزو العراق. وبستاني، الذي يبلغ من العمر حالياً 72 عاماً، يعد أول مدير عام للمنظمة الدولية، التي أنشأت في العام 1997 بهدف القضاء على الأسلحة الكيميائية، لكن فترة ولايته الثانية انتهت في مارس عام 2002 بطريقة أثارت الكثير من الجدل. حينها تقدمت الولايات المتحدة باقتراح رسمي يطالب بأن يترك خوسيه منصبه، بحجة أن إدارته للمنظمة سيئة وصدامية، وهو القرار الذي وافقت عليه 48 دولة من أعضاء المنظمة، بينما رفضته سبعة دول، وتحفظت 43 دولة عن التصويت. ويقول مراقبون إن السبب الحقيقي لإقالة بستاني هو موقفه الرافض لغزو العراق والمجهود الكبير الذي قام به بهدف أن تقبل بغداد بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وأن يسمح بعمليات تفتيش دولية تشرف عليها المنظمة على أراضيه. وبحسب تصريح بستاني لـ "بي بي سي"، فقد وافق العراق بالفعل على الانضمام للمعاهدة، وكان متوقعاً أن تقوم المنظمة بعملية تفتيش في نوفمبر عام 2002، لكن هذا الأمر لم يرضِ الإدارة الأمريكية التي كانت تعتبر أن السماح لمفتشي المنظمة بدخول العراق سيضعف موقفها في تبرير الغزو.كانت أمريكا مستعدة وقتها لفعل أي شيء، حتى لو كان تهديد مسؤول دولي بارز بالانتقام من أطفاله، لمجرد أنه قام بجهود دبلوماسية، كان من شأنها - لو تم دعمها - أن توقف غزو العراق
بعد إقالته مباشرة قرر الدبلوماسي البرازيلي رفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية، التي حققت في الأمر لتعلن في يوليو من العام 2003 بشكل رسمي أن إقالته لم تكن قانونية، لكن وقتها كان غزو العراق قد تم بالفعلوفي أوائل عام 2002، أي قبل عام واحد على غزو العراق، بدأت إدارة بوش في ممارسة ضغوط مكثفة على بستاني كي يتخلى عن منصبه كمدير عام للمنظمة، لكن بحلول مارس 2002، وصل بولتون، الذي كان يشغل وقتها منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة والأمن الدولي، إلى مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، طالباً من بستاني مغادرة منصبه بسبب إن إدارة بوش غير راضية عن أسلوب إدارته للمنظمة، بحسب شهادة الدبلوماسي السابق.
"نعرف أين يعيش أطفالك"
استخدم بولتون، لغة تهديد واضحة في حديثه مع بستاني، حيث قال له إن أمامه 24 ساعة فقط لمغادرة المنظمة، مضيفاً بلغة حازمة "إذا لم تنفذ ما نريده فلدينا طرق أخرى للرد عليك"، حسب بستاني في شهادته، ويكمل أن بولتون توقف لبرهة قبل أن يضيف إنهم يعرفون أين يعيش أطفاله، حيث قال له بولتون إنهم (الإدارة الأمريكية) يعلمون أن لديه طفلان يعيشان في نيويورك. يؤكد بستاني في شهادته للموقع أنه فوجئ وقتها بما قاله له بولتون، لكنه رغم كل شيء رفض التراجع، معتبراً أن عائلته تدرك وضعه جيداً وأنها كانت مستعدة لتقبل نتائج قراره مهما كانت. لم يكتف الموقع بشهادة بستاني حيث تواصل أيضاً مع زوج ابنته ستيوارت وود، وهو سياسي بريطاني ومستشار سابق لرئيس الوزراء غوردون براون، والذي أكد للموقع صحة التهديد قائلاً إنه يتذكر جيداً أن بستاني أخبره بذلك بعد اجتماع بولتون معه في لاهاي مباشرة، كما وصل الموقع لزملاء سابقين لبستاني في المنظمة وجميعهم أكدوا صحة التهديد. يقول الدبلوماسي البرازيلي لـ"بي بي سي" إنه كان قادراً على منع غزو العراق "عديم الفائدة" ووقف تداعياته الرهيبة، لكن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أصرا على أن نظام صدام حسين، يمتلك مخزونات من أسلحة الدمار الشامل، قبل أن تظهر عدة تحقيقات مستقلة أن هذا الادعاء لم يكن حقيقياً.ماذا فعل بستاني بعد إقالته؟
بعد إقالته مباشرة، قرّر الدبلوماسي البرازيلي رفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية، التي حققت في الأمر لتعلن في يوليو عام 2003، بشكل رسمي، أن إقالته لم تكن قانونية، لكن وقتها كان غزو العراق قد تم بالفعل. وحصل بستاني على تعويض مالي كبير عن إقالته من منصبه، بعد قرار منظمة العمل الدولية، لكنه تبرع بقيمة التعويض كاملاً للمنظمة الدولية التي تتلقى أغلب ميزانيتها من الولايات المتحدة. وبحسب ما قاله بستاتي، الأمور كلها كان يمكن أن تختلف لو سُمح له بإكمال مجهوداته، وكان يمكن بالفعل عدم غزو العراق، ووقتها "ربما لم نكن نجد تنظيم الدولة الإسلامية هنا وهناك"، على حدّ تعبيره. بالتأكيد لن تعوّض شهادة بستاني التكلفة الباهظة التي دفعها العراق نتيجة الغزو، لكنها على الأقل تؤكد الحقيقية القاسية: نعيش في عالم تحكمه قوى قادرة على فعل أي شيء لتحقيق مصالحها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع