في مطلع العام الماضي، وتحديداً في شهر فبراير، كانت السعودية تحتفي بمرور 55 عاماً من "العلاقات المميّزة" مع ماليزيا. حينها زار الملك سلمان بن عبد العزيز البلاد - ضمن جولة شملت أندونيسيا وبروناي - وكان لافتاً افتتاحه مركزاً لـ"مكافحة الإرهاب" في العاصمة الماليزية. قوبل المركز بثناء ماليزي على جهود السعودية في مجال محاربة الإرهاب، كما على تعاونها مع ماليزيا في قيادة العالم الإسلامي بـ"إيمان قوي في التسامح والاعتدال والأمن الشمولي للإسلام". لم يصمد المركز الذي حمل اسم "مركز الملك سلمان للسلام العالمي" أكثر من عام ونصف. فقد أصدرت الحكومة الماليزية أمراً بإغلاقه فوراً وتحويل مهامه إلى المعهد الماليزي للدفاع والأمن، بحسب ما نقلته الوكالات الرسمية عن وزير الدفاع الماليزي محمد سابو الذي تحفّظ عن الخوض في الأسباب التي دفعت الحكومة لاتخاذ خطوة مماثلة. لكن الأسباب تبدو واضحة إلى حد كبير، إذا ما عدنا إلى مجريات الأحداث التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال العام الماضي. المركز، الذي تأسّس بهدف "جذب علماء المسلمين إلى فكرة مكافحة الإرهاب والترويج للتسامح"، يعود إلى الفترة التي كان فيها نجيب رزاق على رأس الحكومة الماليزية. وإن كان إقفاله دليل توتر في العلاقات بين البلدين، فهو ليس الدليل الوحيد إذ يأتي استكمالاً لتدهور "العلاقات المميّزة"، تحديداً بعد خسارة رزاق (المعروف برجل السعودية والإمارات) القاسية للانتخابات في مايو الماضي وملاحقته بتهم فساد في إطار "فضيحة صندوق التنمية الماليزية" الشهيرة. فكيف بدأ التراجع في العلاقات وما كانت تداعياته على السعودية، ومعها الحليف الإماراتي؟ وماذا عن خسارة السعودية لجولاتها الآسيوية لا سيما وأن الوضع في باكستان اختلف كثيراً على السعودية إثر الانتخابات التي حصلت أواخر شهر يوليو الماضي؟
بعدما رزقت السعودية الرزاق… كيف تدهورت العلاقات؟
إثر إقفال المركز، خرج بعض المعارضين الحاليين، ومنهم هشام الدين حسين، الذي كان وزيراً للدفاع في حكومة رزاق السابقة للدفاع عن السعودية معتبراً أن إقفال المركز "خسارة للأمة وسط تصاعد الإرهاب في العالم الإسلامي". في المقابل، رأى كثر في هذه الخطوة ""صفعة للسعودية" و"إدراكاً ماليزي لضرورة التخلص من أذناب السعودية والإمارات"... بعض هؤلاء شكّك في "أهليّة" السعودية لمحاربة الإرهاب مستحضراً "الأيديولوجية الوهابيّة" ودور الأخيرة في "صناعة أيديولوجيّة داعش وأمثالها".بقيت الأمور ورديّة الشكل، إلى أن وقع "زلزال" فضيحة الرزّاق. وبين الأنقاض برز غضب ماليزي من فتح رئيس الحكومة لحديقة ماليزيا الخلفيّة أمام السعودية والإمارات والسماح لقيادتهما بالتلاعب المالي والعسكري والجيو - استراتيجي بالبلاد
في يونيو الماضي، أعلنت الحكومة الماليزية الجديدة عزمها على الانسحاب من التحالف بقيادة السعودية في اليمن. حينها قال وزير الدفاع إن البلاد تريد علاقات جيدة مع الجميع (باستثناء إسرائيل). بعد شد وجذب، أتى القرار وحصل الانسحابلكن نقاش "الأهليّة" لم يكن حاضراً حين كان الرزاق في الحكم. فالأخير فتح الباب الآسيوي واسعاً أمام السعودية، ومعها الإمارات. وامتد التعاون العسكري بين البلدين حدّ إعلان ماليزيا انضمامها إلى "قوات التحالف لإعادة الشرعية في اليمن من ميليشيات الحوثي والداعمين له"، إلى جانب مشاركتها في مناورات "رعد الشمال" ومشاركتها في التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب. كما سارعت كوالالامبور إلى إدانة استهداف مكة بصاروخ حوثي، في وقت كانت تحتفي بالتعاون الثقافي والتعليمي مع حليفها السعودي والذي تُرجم زيارات متبادلة واتفاقيات عدة. بقيت الأمور ورديّة الشكل، إلى أن وقع "زلزال" فضيحة الرزّاق. وبين الأنقاض برز غضب ماليزي من فتح رئيس الحكومة لحديقة ماليزيا الخلفيّة أمام السعودية والإمارات والسماح لقيادتهما بالتلاعب المالي والعسكري والجيو - استراتيجي بالبلاد، فضلاً عن محاولة "تعريب" البلاد وتغيير عاداتها وتقاليدها. في مايو الماضي، ضجّت ماليزيا بفوز تحالف الحكم الجديد بقيادة رئيس الوزراء الحالي مهاتير محمد، وحليفه أنور إبراهيم، لتُطوى صفحة عهد الرزاق الذي لاحقته لمدة ثلاث سنوات فضيحة صندوق التنمية بغسل أموال في ست دول على الأقل ومعها فضائح اختلاسه الأموال ونقل 10.6 ملايين دولار من صندوق التنمية الحكومي "أم.دي.بي" إلى حسابه المصرفي. وُجهّت أصابع الاتهام كذلك إلى السعودية والولايات المتحدة باعتبارهما متورطتين في فساد الرزاق. وكانت التحقيقات كشفت أن السعودية حوّلت حوالي 681 مليون دولار إلى الحساب الشخصي لعبد الرزاق. وبينما نفى الأخير، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عام 2016 أن المبلغ وصل فعلاً لكنه كان عبارة عن هدية من قبل الأسرة المالكة السعودية. ثم أكدت تقارير تورط الإمارات عبر سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة في تبييض الأموال وتحويلات وتلاعبات عبر حلفاء ماليزيين، والقيام بتحويلات إماراتية عبر صندوق التنمية.
علاقات ماليزيا بالشرق الأوسط: إعادة تشكيل
في يونيو الماضي، أعلنت الحكومة الماليزية الجديدة عزمها على الانسحاب من التحالف بقيادة السعودية في اليمن. حينها قال وزير الدفاع إن البلاد تريد علاقات جيدة مع الجميع (باستثناء إسرائيل). بعد شد وجذب، أتى القرار وحصل الانسحاب. فسّرت الحكومة ذلك بعدم رغبتها بالتورط في صراعات المنطقة، ولفتت إلى المزاج الشعبي الداعم لغزة وسوريا والمعادي للحوثيين الذي لا يبتعد كثيراً عن الموقف السعودي لكنه يرى في سياسات الأخير ومعه الحليف الإماراتي جوانب سلبية كثيرة تسهم في تعميق الصراعات، وهو الحال نفسه بالنسبة إلى إيران التي يعتبرها الحكم الجديد مسؤولة كذلك عن اضطرابات المنطقة. وكان المراقبون أشاروا إلى حرص السعودية مع الإمارات على وجوب لعب دور أساسي في ماليزيا لمحاصرتها كقوة من الممكن أن ترفض الهيمنة الغربية أو تتبنى ثورات الشعوب العربية وتطلعاتها، باعتبارها تجربة اسلامية قد تكون ملهمة وقد تتلاقى مع تركيا وباكستان على سبيل المثال. ولفت آخرون إلى رغبة السعودية بألا يخرج النظام الماليزي - الذي يحكم نحو 31 مليون نسمة يتبعون في الغالب الإسلام السني - عن نطاق الهيمنة الأمريكية الغربية، في وقت بدأ البعض يلمحون إلى إمكانية تخفيف كوالالامبور لحدة عدائها لإسرائيل. مع الحكومة الجديدة، أعاد المسؤولون التأكيد على أن إسرائيل "دولة مارقة" وعلى أن ترامب "متنمر دولي وشرير". من ناحية ثانية، رأى مراقبون أن تورط البلدين في الفساد الماليزي وعرقلتهما للتحقيقات هي السبب في الغضب الماليزي، بينما أضاء آخرون على علاقات ابراهيم (حليف مهاتير والذي يُفترض أن يخلفه في الحكم) بتركيا، ومعاداته للسعودية والإمارات منذ الثمانينات.وفي باكستان… خسارة جولة آسيوية جديدة
في انتخابات الشهر الماضي الباكستانية، خسر حزب حليفها (السعودية) نواز شريف المعتقل بتهم تتعلق بالفساد، بينما فاز حزب "حركة الإنصاف" بزعامة عمران خان، وهو معروف بقربه من إيران. سارعت أوساط سعودية إلى الاعتراض، وعبرت عن عدم رضاها عن تلك النتائج وخشيتها من الحكومة القادمة وعلاقاتها مع المملكة. وكانت صحيفة "عكاظ" وصفت خان عام 2016 بأنه "مندوب قم في إسلام آباد" ولعب دوراً كبيراً في "تأليب الرأي العام ضد المملكة في أروقة البرلمان"، وهو كان عارض بشدة أية مشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ليقرّ البرلمان لاحقاً "سلمية" البلاد في حرب اليمن. كما رفض خان إرسال قوات باكستانية إلى السعودية تحت ذريعة تدريب جيش الأخيرة. وحمل فوز خان مخاوف للسعودية كذلك من العلاقات مع واشنطن، إذ كان قد وصف حكام العالم الإسلامي بـ"دمى أمريكا"، والأهم أنه حمل مخاوف من تغيّر جذري في وجه ثاني أكبر بلد إسلامي. البلد النووي كان قد احتفظ بعلاقات جيدة مع السعودية منذ الستينات، لكن التغيّر الأخير في الحكم أنبأ بخسائر مهمة للسعودية وحلفائها في الدول الإسلامية سواء في جنوب شرق وآسيا وغربها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 10 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 21 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 6 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع