كشف تحقيق صحافي نشرته وكالة "أسوشييتد برس"، في السادس من أغسطس، عن صفقات سرية يمكن وصفها بالمشبوهة بين التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن من جهة، وبين تنظيم القاعدة من جهة أخرى.
وبحسب الوكالة الأمريكية فإن هذه الاتفاقات جرت بعلم الولايات المتحدة.
وفي العامين الماضيين، كرر التحالف العربي الذي تدعمه واشنطن، أكثر من مرة، أنه حقق انتصارات حاسمة، أجبرت مقاتلي القاعدة على التراجع من جميع أنحاء اليمن، مضيفاً أن نجاحاته تلك حطمت قدرة التنظيم على شن هجمات ضد الغرب.
لكن تحقيق "أسوشييتد برس" يظهر أن ما قاله التحالف مجرد ادعاءات، وأن صفقات سرية عقدها مع مقاتلي القاعدة هي ما جعل مسلحي التنظيم يغادرون القرى والمدن اليمنية، حاملين معهم أموالاً منهوبة وأسلحة ومعدات كثيرة.
وكشف التحقيق أيضاً أن بعض مقاتلي التنظيم المتشدد انضموا إلى صفوف التحالف في حربه ضد الحوثيين.
وقالت مصادر للوكالة إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم بهذه الصفقات، وقامت بالتوقف عن شن أية هجمات على التنظيم بواسطة الطائرات المسيّرة.
وتضمنت بعض هذه الصفقات، بحسب الوكالة، انسحاب متشددي القاعدة من عدة قرى ومدن كبرى كانوا قد استولوا عليها عام 2015، وتمت أثناء كل من إدارتي الرئيسين الأمريكيين السابق والحالي باراك أوباما ودونالد ترامب.
وفي ربيع 2016، تضمنت إحدى الصفقات انسحاب الآلاف من مقاتلي القاعدة من المكلا، خامس أكبر مدينة يمنية، والتي تُعَدّ ميناء رئيسياً في بحر العرب.
وبخصوص هذه الصفقة، تقول الوكالة إن مقاتلي التنظيم خرجوا عبر طريق آمن، وسُمح لهم بالاحتفاظ بالأسلحة والأموال المنهوبة من المدينة، والتي وصلت قيمتها إلى نحو 100 مليون دولار، وفقاً لخمسة مصادر، منها مسؤولون عسكريون وأمنيون وحكوميون.
وتقول الولايات المتحدة إنها تشارك مع حلفائها العرب، وخاصة الإمارات، في حرب هدفها القضاء على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
لكن هناك حرباً أخرى يمكن اعتبار أنها هي المهمة الحقيقية، وهي الحرب ضد الحوثيين، المدعومين من إيران.
وبحسب التحقيق، يشارك مقاتلون من القاعدة مع قوات التحالف في هذه الحرب، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تقف مع الجانب الذي يُعَدّ التنظيم المتطرف جزءاً منه، ما يناقض قول واشنطن إنها تحارب القاعدة في اليمن.
ونقلت الوكالة عن مايكل هورتون، وهو زميل في مؤسسة جيمس تاون الأمريكية المتخصصة في تحليل الإرهاب، قوله إن عناصر الجيش الأمريكي يدركون بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن يساعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهناك قلق كبير بخصوص ذلك، على حد تعبيره.
ويقول هورتون إن واشنطن تعتبر أن دعم الإمارات والسعودية ضد التوسع الإيراني في المنطقة له الأولوية على محاربة القاعدة، إلى أن يتحقق الاستقرار في اليمن.
واعتمد تحقيق "أسوشييتد برس" على تقارير عدة، وعلى مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً، من بينهم ضباط أمن يمنيون وقادة ميليشيات ووسطاء قبليون، إلى جانب أربعة أعضاء في فرع تنظيم القاعدة في اليمن.
تحقيق لـ"أسوشييتد برس": عناصر الجيش الأمريكي يدركون بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن يساعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهناك قلق كبير من ذلك
تحقيق لـ"أسوشييتد برس": الولايات المتحدة تعلم بوجود مقاتلين من تنظيم القاعدة بين صفوف المقاتلين المناهضين للحوثيين، وأعضاء التحالف العربي بقيادة السعودية يدعمون الميليشيات بقادة إسلاميين متشددينوتقول الوكالة إن أغلب هذه المصادر رفضت الكشف عن هويتها خوفاً من الانتقام، لافتةً إلى أن الفصائل المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، مثلها مثل معظم الجماعات المسلحة في اليمن، تقوم باختطاف أو قتل منتقديها. وتتكوّن قوات "التحالف العربي" بقيادة السعودية من مزيج مختلف من الميليشيات والفصائل وأمراء الحرب القبليين والقبائل ذات المصالح المحلية، إضافة إلى متشددين من تنظيم القاعدة. وتزعم "أسوشييتد برس" أن أحد القادة اليمنيين الموضوعين على قائمة الإرهاب الأمريكية في العام الماضي، بسبب علاقته بالقاعدة، لا يزال يتلقى أموالاً من الإمارات لإدارة ميليشياته، بحسب ما قاله مساعده الشخصي للوكالة الأمريكية. ووصف هورتون الحرب التي يقول التحالف والميليشيات المتحالفة معه إنهم يقومون بها ضد القاعدة بأنها "مهزلة". وسلمت الولايات المتحدة ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة إلى التحالف العربي لمحاربة الحوثيين، كما يقدم مستشارون أمريكيون للتحالف معلومات استخباراتية تُستخدم في استهداف خصومه على الأراضي اليمنية، فيما تزود الطائرات الأمريكية الطائرات الحربية التابعة للتحالف بالوقود جواً. لكن بحسب ما جاء في التحقيق، فإن الولايات المتحدة لا تموّل التحالف، كما لا يوجد دليل على أن هناك أموالاً أمريكية ذهبت إلى متشددي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ونقل التحقيق عن مسؤول أمريكي كبير، لم يذكر اسمه، أن الولايات المتحدة تعلم بوجود مقاتلين من تنظيم القاعدة بين صفوف المناهضين للحوثيين، وأن أعضاء التحالف يدعمون الميليشيات بقادة إسلاميين متشددين. وفي الفترة الأخيرة، نفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بشدة أي تواطؤ مع مقاتلي القاعدة. وعلق مسؤول سعودي كبير، لم تذكر الوكالة اسمه، على الفكرة بقوله إن التحالف الذي تقوده السعودية "ملتزم بمكافحة التطرف والإرهاب"، لكن متحدثاً باسم الحكومة الإماراتية لم يجب على أسئلة وُجّهت له. وفي ظل هذا الصراع المعقد، تقول القاعدة إن أعدادها التي قدرها المسؤولون الأمريكيون بما بين 6000 إلى 8000 عضو آخذة في الارتفاع مؤخراً. ويؤكد التحقيق أن القاعدة تستفيد من الفوضى في اليمن لصالحها، ونقل عن قائد في التنظيم يساعد في تنظيم عمليات الانتشار، قوله إن الحرب ضد الحوثيين في اليمن توفر أرضاً خصبة لتجنيد أعضاء جدد. وشرح أن التنظيم حين يرسل 20 مقاتلاً للمشاركة في الصفوف الأمامية للحرب ضد الحوثيين يعود بـ100 مقاتل، على حد تعبيره. وبدأ التحالف العربي الذي تلعب فيه السعودية والإمارات أدواراً رئيسية معركته في اليمن عام 2015، وتقول الدولتان الخليجيتان إنهما عازمتان على إيقاف ما المد الإيراني في اليمن. ويهدف التحالف إلى استعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً السيطرة على اليمن. وتسبب الصراع في اليمن بكارثة إنسانية. وبحسب أرقام رسمية من هيئات ومنظمات أممية، قُتل وأصيب مئات الآلاف من المدنيين، كما تردّت الأوضاع الإنسانية وتفشت الأمراض والأوبئة خاصة الكوليرا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...