بالعودة إلى تسعينيات القرن الماضي، كانت الموضة السائدة آنذاك ترتكز على شعار العلامات التجارية، من طباعة لوغو "غوتشي" بأحرفٍ ذهبيةٍ نافرةٍ على إحدى الكنزات، إلى جعل كلمة "برادا" تتوسط إحدى الحقائب وصولاً إلى وضع علامة "ديور" على "تي شيرت" صيفية لا قيمة لها... كانت ال"لوغومانيا" تطغى على كل شيءٍ تقريباً، وخبراء الموضة يؤكدون عودة هذه الظاهرة إلى ساحة الموضة من جديد.
فتلك العلامات للماركات العالمية تتصدر اهتمامات بعض الناس الذين قد يصل بهم الأمر إلى حدّ الهوس، فيمتنعون حتى عن ارتداء الملابس أو ابتياع أكسسوارات لا تكشف بشكل ظاهر عن العلامة التجارية وراءها.
هذه هي اللوغومانيا.
إرتفاع الطلب
عندما سأل موقع "فوربس" عن أكثر الأشياء القديمة طلباً في الوقت الحالي، أجاب "سيث ويسر"، الرئيس التنفيذي لموقع موضة الفينتاج What goes around Comes Around: اللوغومانيا، مؤكداً أن الشعارات الكلاسيكية تحقق نجاحاً ملحوظاً في جميع المجالات. عادت موضة "الشعارات" المطبوعة على الأحذية والحقائب والأكسسوارات المختلفة بقوةٍ إلى الأسواق، محققةً نسبة مبيعاتٍ هائلة، وقد ظهر ذلك جلياً أثناء عروضات فندي وغوتشي وديور لخريف/ شتاء 2018. وكان موقع "Elle" قد أكد أن المصممين سرعان ما تبنوا ظاهرة الشعارات المستوحاة من فترة التسعينيات، حيث قاموا بكل شيء من أجل الزج بشعاراتهم في كل مكان. وتشير صحيفة الغارديان البريطانية إلى أنه على مدار السنوات الثلاثين الماضية، جسدت الشعارات العديد من الأمور: العلامة التجارية (فندي 1997)، نكات (فاكت 1990)، المقاومة والنضال (بريستول ستريت وير 2016)، حنين إلى الماضي (فرساتشي 2018)، السخرية (vetements 2016)، فماذا بعد؟ فالموضة السائدة حالياً تقوم على فكرة إعادة صياغة الشعارات، تدميرها وتحويرها بدلاً من إسقاطها كما هي. وتعليقاً على هذه الطريقة الموجهة نحو ارتداء الملابس، قالت إميلي غوردن سميث، رئيسة قسم الموضة في شركة ستايلس، إن العلامات التجارية الناجحة هي التي "تجيد اللعب بالشعارات بطريقةٍ غير متوقعةٍ"، مشيرةً إلى أن الشعارات التقليدية لم تعد موجودة لدى الجيل الراهن، "هذا العبث كله مع الشعارات والعلامات هو أكثر جاذبية بكثير".عودة اللوغومانيا
كاندال جينير، جينيفير أنيستون، داكوتا جونسون، ريهانا... وغيرهنّ من النجوم أعدن إحياء اللوغومانيا، من خلال الظهور بملابس تتبنى اللوغو والعلامات التجارية الراقية، أما القاعدة فهي بسيطة: كلما كان حجم الشعار أكبر، كان ذلك أفضل، والأمتع في الموضوع أنه يمكن للمرء مزج العلامات التجارية ومطابقتها، فلا مانع مثلاً من ارتداء سترة كُتب عليها "فرساتشي" وجينز يبرز كلمة "دولشي أند غابانا". via GIPHY يتحدث موقع "بيزنيس أوف فاشن" عن نظريتين بشأن عودة موضة الشعارات من جديد: تفترض النظرية الأولى أن تكون "اللوغومانيا" جزءاً من "الحركة الرجعية"، أي العودة إلى الهوس بالشعارات، وهي الموضة التي كانت سائدة في الثمانينيات والتسعينيات، هذا وكان يُنظر إلى "اللوغومانيا" على أنها نقيضة لحركة "الهيبيز" وناتجة عن العالم الرأسمالي الذي يكرس النجاح فوق أي شيء آخر، واللافت أنه كان من السهل عودة هذه الموضة خاصة أن المصممين يكتفون بطباعة أسمائهم على أي سلعة تقريباً. من هنا، يعتبر الموقع أن إعادة استخدام هذه الشعارات من جديد هي "نوستالجيا وذاكرة عائمة يمكنها نقلنا إلى ما قبل ترامب وبريكسيت، وحتى إلى ما قبل العقد الأول من القرن العشرين، حيث كان العالم بريئاً". من ناحية أخرى، تتحدث النظرية الثانية عن أن الغرض من الشعارات لم يعد محدوداً باللباس كما كان في الثمانينيات، لأن اللوغو في الوقت الحاضر يلعب دوراً إضافياً في العالم الافتراضي، مما يفسر عودة هذه الموضة.الموضة السائدة حالياً تقوم على فكرة إعادة صياغة الشعارات، تدميرها وتحويرها بدلاً من إسقاطها كما هي.
الشعارات ترمز إلى الآمال، والمكانة الاجتماعية والثروة، كما أنها توفر للبعض شعوراً بالانتماء.وباتت الشعارات الجريئة تصب في مصلحة "إنستغرام"، ففي الوقت الذي أصبحت فيه الشبكات الاجتماعية شكلاً مهيمناً من وسائل التواصل، وكون الصورة الجيدة تختصر الكلمات، فإن الشعارات تعد وسيلة ممتازة لتعريف الجمهور على أي منتج وجعله مميزاً. وبالإضافة إلى هاتين الفرضيتين، هناك نقطة مهمة أيضاً يسلط الموقع الضوء عليها بالقول:" ليس اللوغومانيا كخيار إستراتيجي أو خيار يتعلق بالأسلوب أو نوع من "الهروب الساخر" بل عادت اللوغومانيا لكون هناك علاقة وطيدة بين بساطة التصميم المعاصر وجرأة العلامات التجارية، وهكذا انتشرت "اللوغومانيا".
لماذا الهوس بالشعارات؟
يقول "كريستوفر ساندرسون"، مؤسس شركة The future Laboratory لصحيفة "فاينانشال ريفيو" أن الشعارات ترمز إلى الآمال، والمكانة الاجتماعية والثروة، كما أنها توفر للبعض شعوراً بالانتماء. وهو الأمر نفسه الذي تحدث عنه "إيان غريفيث"، مدير "ماكس مارا": "نستخدم الشعارات لترجمة الإرث، القيمة الدائمة والسحر"، مشيراً إلى أن العالم مليء بالأشياء التي لا معنى لها، والزبائن يتطلعون إلى الاستثمار في المنتجات التي تدل على التاريخ، الهوية، نمط الحياة والفلسفة، ويمكن للشعار أن يوصل هذه الرسائل. من الملاحظ أن العديد من الشركات الكبرى تنفق أموالاً طائلة على شعاراتها، وهذا الأمر لا يأتي عن عبث إنما لتيقن الشركة من أهمية الشعارات وما تجسده من قيم، إضافة إلى محاولة حماية نفسها من السرقة والنسخ، وفق ما يؤكده موقع "The fashion law"، الذي أوضح أن "لويس فويتون" مثلاً قام بتغطية منتجاته بالعلامة التجارية، وذلك من أجل أن يصعب على الآخرين نسخ السلع بطريقةٍ دقيقةٍ من دون المساس بقانون العلامات التجارية، فالشعار في هذه الحالة يؤمن نوعاً من الحماية القانونية.من يرتدي نظارات "غوتشي" يشعر أنه على رأس القائمة، ويحاول قدر الإمكان إبراز العلامة التجارية وجعلها على مرأى من الآخرينمن ناحية أخرى، تستخدم الشركات الشعار أو "اللوغو" للتعريف عن نفسها، ومع الوقت يشعر المستهلكون بأنهم على ارتباطٍ عاطفيٍ بالعلامة التجارية، ففي نهاية المطاف يعتبر الولاء للعلامة التجارية أمراً مقدساً في الأعمال والتجارة، بحيث يسهل تدفق الإيرادات بشكل مستمر ويجعل الزبائن يرغبون بتجربة أشياءٍ جديدة، فالشعار هو أمرٌ أساسي في عملية الشراء والبيع. من هذا المنطلق، تحدث "جورج هاهن" عن ثقافة "ارتداء" اللوغو على الملابس، مشيراً إلى أن الشركات حوّلت أجسادنا إلى "إعلاناتٍ متنقلة"، ومع ذلك فإن الشعار قادر على توحيد الناس وجعلهم ينتمون إلى مجموعةٍ معيّنة، على حدّ قوله: "إنه يحب Abercrombie& Fitch وأنا أحب هذه العلامة أيضاً. بامكاننا أن نكون أصدقاء"، ففي نهاية المطاف تم تصميم هذا القميص على هذا النحو لجعل الشخص الذي يرتديه يشعر وكأنه ينتمي إلى النادي نفسه الذي ينتمي إليه الآخرون. via GIPHY بالإضافة إلى ذلك، أوضح "جورج" أن العلامات التجارية الفاخرة تقدم نوعاً من الوهم، فمن يرتدي مثلاً نظارات "غوتشي" يشعر أنه على رأس القائمة، ويحاول قدر الإمكان إبراز العلامة التجارية وجعلها على مرأى من الآخرين: فما الفائدة من امتلاك مثل هذه النظارات الشمسية ما لم تكن واضحة للجميع العلامة التجارية وراءها؟ وقد أكد في نهاية مقاله أنه في ظل الشعارات المختلفة لم يعد علينا خلق هويتنا أو صورتنا الخاصة، لأن الشركات هي التي قامت بهذه المهمة. واعتبر موقع "بالس" أن الشعارات، التي تعود إلى المصممين الكبار، كانت شائعة في الثمانينيات والتسعينيات، وكان هذا السبيل الوحيد لإظهار الحالة الاجتماعية، فإذا لم يكن لديكم شعار كبير يعكس العلامة التجارية التي ترتدونها، فكيف سيعلم الناس أنه بوسعكم تحمل النفقات؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...